الإطار المفاھیمي لعلم السیاسة
مفھوم "علم" كلمة " العلم "
ھي إدراك الشيء
بحقیقتھ. وھذه المعرفة لا تتأتى إلا عن طریق الفھم أو التنبؤ وربط الأسباب
بالمسببات، وعلى ذلك فإن العلم ھو مجموع مسائل وأصول كلیة تدور حول موضوع واحد،
وتعالج بمنھج معین، وتنتھي إلى بعض النظریات والقوانین، كعلم الزراعة، وعلم الفلك،
وعلم الطب، وعلم القانون وغیرھا.
یدور معنى العلم حول الفكرة: "إنّ العلم جزء من المعرفة یتضمن الحقائق والمبادئ والقوانین والنظریات والمعلومات الثابتة والمنسقة والطرق والمناھج العلمیة الموثوق بھا لمعرفة وإكتشاف الحقیقة " بصورة قاطعة ویقینیة.
وھنا یجب التمییز بین المعرفة
والعلم:
المعرفة عبارة عن مجموعة من المعاني والمعتقدات والأحكام والتصورات الفكریة التي تتكون لدى الإنسان نتیجة لمحاولاتھ المتكررة لفھم الظواھر والأشیاء المحیطة بھ، والمعرفة أشمل وأوسع من العلم، ذلك أن المعرفة تشمل كل الرصید الواسع من المعارف والعلوم والمعلومات التي استطاع الإنسان باعتباره كائن ومخلوق یفكر ویتمتع بالعقل أن یجمعھ خلال وعبر التاریخ الإنساني الطویل بحواسھ وفكره وعقلھ.
مفھوم "السیاسة"
1- التعریف الفلسفی للسیاسة
ركز التعریف الفلسفي بشكل كلي و نھائي على السیاسة كغایة انسانیة و مجتمعیة و حیاتیة،باعتبارھا ھي العمل الصالح و النبیل و الذي یتوجھ الى الصالح العام ولها علاقة بالجماعة ویرتبط بالاعتبارات الاجتماعیة اكثر مما لها علاقة بالفرد والاعتبارات الشخصیة والمصالح الذاتیة الضیقة ،المصلحة العامة ھي الاھم في السیاسة التي تتطلب الانعتاق من الانانیة والانغماس الكلي والفطري في جماعة فكلما ابتعد الانسان عن الذات والمصالح الشخصیة ازداد اقترابا من جوھر السیاسة بالمعنى الفلسفي الذي یتضمن ان یمنح الانسان و قتھ وجھده في منفعة الآخرین وینذمج في المصلحة العامة.
2- التعریف الواقعي للسیاسة
جاء ھذا التعریف كرد فعل على التعریف الفلسفي ورفضا لھ
وتجاوز لنقط ضعفھ؛
وھو یزیل القدسیة والمثالیة
عن السیاسة وكونھا محتكرة من طرف النخبة الى ارض الواقع.
فالسیاسة حسب المنظور الواقعي تعني فن ادارة السلطة وممارستھا، وكیفیة المحافظة علیھا.
3- التعریف القانوني للسیاسة
برز التعریف
القانوني للسیاسة مع بروز ظاھرة الدولة، التي تاسست في عصر القومیات في أوروبا في
القرن 16. وھذا التعریف القانوني یبحث عن السیاسة حیثما ینبغي ان تكون في
الدولة.
یتمثل جوھر السیاسة في التعریف القانوني ھي الدولة، ففي
الدولة ھناك القوة في أضخم معانیھا والسلطة في أوضح صورھا والسیطرة في جمیع
اشكالھا. فجمیع ھذه العناصر
تتجمع في الدولة أكثر مما تتجمع في أي ظاھرة سیاسیة اخرى، كما أن ھذه الدولة ھي التي تصنع القرارات وھي تعمل على تنفیذھا.
مفھوم "علم السیاسة"
یمكن القول على أن علم السیاسة ھو الدراسة العلمیة للظواھر
والسلوكیات والمؤسسات والقرارات والعلاقات السیاسیة المعتمدة على الملاحظة
والتجربة وطرق البحث العلمي للوصول إلى النتائج والخلاصات.
إلى جانب إشكالیة المادة، والوحدة، وتحدید ما ھو سیاسي، فإن
علماء السیاسة مقسمون عموما، إلى تیارین فیما یتعلق بتعریف علم السیاسة:
ــ التیار الأول: یعرف بالتیار التقلیدي، وھو یعتبر السیاسة فرع
من فروع العلوم الاجتماعیة یتناول بالدراسة والتحلیل مجتمعة متداخلة من الموضوعات
والظواھر والحقائق ذات العلاقة بالدولة والسلطة والقوة والحكومة والمؤسسات
السیاسیة وخاصة مفھوم الدولة.
ــ التیار الثاني: فھو تیار معاصر وعلمي یعتبر أن علم السیاسة
ھو ذلك الفرع من العلوم، الذي یسعى إلى اكتشاف قوانین السیاسة، ویعتبر ھذا الأخیر
أن السیاسة لھا قوانینھا وثوابتھا، فعلم السیاسة شبیھ بالعلوم الطبیعیة وأن البحث
عن علم السیاسة ھو بحث عن قوانینھا... ولكن مع مرور أكثر من 50 سنة من البحث الجاد والمتواصل
لم یستطع أن یصل إلى مصاف العلوم الطبیعیة ولكنھ احتفظ بعلمیتھ واستقلالیتھ.
نشأة علم السیاسة
ظھرت كموضوع مھم في كل فروع العلوم الاجتماعیة والإنسانیة التي
بدأت تتأسس منذ القرن التاسع عشر (الاقتصاد، علم الاجتماع، الأنثروبولوجیا، علم
النفس، اللسانیات ،والسمیولوجیا، والنقد الأدبي)، تشكل فیھ السیاسة الموضوع
المركزي الذي تخصص فیھ علم السیاسة كمجال أكادیمي منذ تأسیسھ كعلم مستقل بدایة في
الولایات المتحدة منذ بدایة القرن العشرین، انتقلت بعد ذلك تدریجیا لتصبح تخصصا
تعرفھ جل جامعات العالم. وأصبح ھذا التخصص یشمل الیوم الآلاف من شعب علم السیاسة،
ومراكز البحث، والإنتاجات التي تتصدر عن دور النشر، والمجلات والجمعیات المتخصصة.
وغدت شعب العلوم السیاسیة، موجودة في جل الجامعات الكبرى، تمنح شھادات جامعیة في
العلوم السیاسیة، وفي تخصصات فرعیة متعددة لم تتوقف عن الظھور مثل علم السیاسة
المقارن، النظریة السیاسیة، الفلسفة السیاسة، السلوكیة ،التخصصات الإقلیمة،
الاقتصاد السیاسي، علم الاجتماع السیاسي، الأنثروبولوجیا السیاسیة ،والسیاسة
العمومیة. وتلُاحظ الھیمنة الأمریكیة الواضحة في ھذا العلم، حیث إن الولایات
المتحدة تحظى بنسبة جد مرتفعة من مجموع الحاصلین عن شواھد جامعیة في ھذا
التخصص.
ظھر علم السیاسة لأول مرة كفرع یدرس في الجامعات, في الولایات
المتحدة, في جامعة كولومبیا حیث تم تعیین فرنسیس لیبر عام 1857 كأول أستاذ لتاریخ علم السیاسة.
وفي عام 1880 تم تشكیل المدرسة الأولى لعلم السیاسة في كولومبیا. وكان السؤال
الأساسي الذي یطرح نفسھ ما ھو ھدف علم السیاسة الذي یمیزه عن أھداف العلوم
الاجتماعیة الأخرى؟ حیث كان الرأي السائد حتى نھایة القرن التاسع عشر، یذھب إلى أن
ھذا الفرع لا یمكنھ أن یكون غیر ملتقى تقاطع علوم أخرى ھي التاریخ،الاقتصاد، علم
أصول البشر، علم النفس الاجتماعي، علم الاجتماع، القانون العام الخ ..
ودخل علم السیاسة الجامعات. فاعترفت كلیات الحقوق بوجوده كمكمل
ضروري للقانون الدستوري. ومع ذلك كان التعارض في وجھات النظر فیما یخص ماھیة علم
السیاسة. ففي حین كان یعتبرھا البروفسور كلود بیفنوارClaude
Bufnoir كفرع من فروع القانون وامتداد للقانون الدستوري والقانون العام
وخاصة بعد انفتاحھما على علم الاجتماع السیاسي والعلوم الإداریة، وبأنھ غیر قابل
للتطور إلا إذا قام الحقوقیون بتدریسھ. فان بوتميBoutmy كان یعتبر
العلوم السیاسیة مبنیة على علم التاریخ ولیس على الحقوق. ولا یمكن تدریسھا بفعالیة
انطلاقا من العلوم القانونیة.
عام 1945 أممت المدرسة الحرة للعلوم السیاسیة لتصبح معھد الدراسات السیاسیة
في جامعة باریس، وكانت مھمة المعھد تطویر علم السیاسة في فرنسا، وقد بدأ یصدر في
ھذا الاتجاه
المجلة الفرنسیة للعلوم السیاسیة. ثم بدأت تنشأ بعد ذلك
معاھد عدیدة للدراسات السیاسیة. ووجد علم السیاسة بعدھا مكانھ في كلیات التاریخ
وكلیات الحقوق. وقد تم الفصل بین القانون الدستوري وبین مواد علم السیاسة، وكان
لجھود كل من موریس دیفرجھMaurice Duverger وجورج فیدالGeorges Videl أثر كبیر في إدخال مادة علم الاجتماع السیاسي في السنة الأولى،
وطرق العلوم الاجتماعیة في السنة الثالثة، والمسائل السیاسیة الكبرى المعاصرة في
السنة الرابعة. مع إضافة تاریخ الأفكار السیاسیة كمادة اختیاریة.
كما نشأت عام 1949 الجمعیة
الفرنسیة لعلم السیاسة Association française de
Science politique وكانت تضم
أكثر من 900 عضو غالبیتھم من أساتذة الجامعات والباحثین برئاسة جورج فیدال،
بھدف مزدوج: تأكید خصوصیة ھذا العلم الجدید. وإقامة علاقات قویة بین المتخصصین
السیاسیین الفرنسیین وزملائھم الأجانب. والجمعیة المذكورة عضو مؤسس، مع أربع
جمعیات أخرى، للجمعیة العالمیة لعلم السیاسة التي اتخذت من باریس مقرا لھا.
وبالنسبة للمغرب، فإن السیاسة اعتبُرت موضوعا رئیسا للتراث
الفكري الإسلامي الموثق منذ ظھور الإسلام سواء في علاقتھ بالدین أو بالفلسفة
والتاریخ والآداب. ومع بدایة الاحتكاك مع الغرب، والذي كانت فرنسا منذ الحمایة
نافذتھ ومرجعیتھ الأولى، مثَّ ل فكر الأنوار وإنتاجات العلوم الاجتماعیة، روافد
أثرت في التفكیر في السیاسي لدى المغاربة. وشكل القانون ،والتاریخ، والفلسفة
والاقتصاد التخصصات الحدیثة الرئیسیة لتحلیل السیاسة، والتي تعرف علیھا مغاربة
درسوا في جامعات فرنسیة، قبل أن تتأسس الجامعة المغربیة الحدیثة في مطلع الستینات
على ید أساتذة مغاربة وفرنسیین، ثم أساتذة مشارقة في وقت لاحق. وإذا كان موضوع
السیاسة مشتركا بین شعب العلوم الاجتماعیة والإنسانیة والآداب، فإن دراسة السیاسة
كتخصص أصبحت ترتبط أكثر بشعب القانون العام في كلیات الحقوق وبمواد العلوم
السیاسیة التي ت َّ دُرس في ھذه الشعب. وفي السنوات الأخیرة، توسع الاھتمام بتدریس
العلوم السیاسیة وتوفیر تخصصات في ھذا المجال لیھم عددا من المدارس الخاصة في
المغرب.
علاقة علم السیاسة بالحقول المعرفیة الأخرى وأھم مناھج التحلیل
علاقة علم السیاسة بالحقول المعرفیة الأخرى
أولا: علم السیاسة وعلم الاقتصاد
ھناك علاقة وطیدة بین علمي السیاسة والاقتصاد ناتجة عن التداخل
الواضح بین الأوضاع السیاسیة والاقتصادیة، حیث یوجد تأثیر متبادل بینھما، فمثلا
نجد أن ھناك علاقة ارتباط بین كیفیة توزیع الدخل (وضع اقتصادي) والاستقرار السیاسي
داخل المجتمع (وضع سیاسي). كذلك نجد أن الثورات الكبرى كالثورة الفرنسیة(1789) جاءت على
إثر أوضاع اقتصادیة غیر صحیة (انتشار الفقر والجوع وعدم عدالة التوزیع). أیضا نجد
أن المحركالأساسي للاستعمار(الذي ھو ظاھرة سیاسیة) كان سعي القوى الاستعماریة
الأوربیة إليالحصول على مصادر رخیصة للمواد الخام ، وفتح أسواق جدیدة لتصریف
منتجاتھا الفائضة (عوامل اقتصادیة)أیضا نجد أن ھناك علم ھجین یھتم بدراسة
التأثیرات المتبادلة بین الأوضاع السیاسیة والأوضاع الاقتصادیة ھو علم الاقتصاد
السیاسي.
كذلك فموضوعات الثروة والدخل وأوضاع الطبقة العاملة وسیاسات
توزیع الدخل والضرائب كلھا موضوعات اقتصادیة، لكنھا محل اھتمام علم السیاسة في ذات
الوقت كما لا ننسى أن السیاسات الاقتصادیة توضع من جانب الساسة.
ثانیا: علم السیاسة وعلم الاجتماع
ھناك ارتباط قوي بین علمي السیاسة والاجتماع ، ویرجع ذلك إلي
الارتباط القوي بین الأوضاع الاجتماعیة والأوضاع السیاسیة للمجتمع ، فمثلا البناء
الاجتماعي السلیم للمجتمع(طبقة غنیة قلیلة العدد _ طبقة وسطى ضخمة _ طبقة فقیرة
قلیلة العدد) ینعكس إیجابیا على الاستقرار السیاسي للمجتمع والعكس صحیح ، فالتفاوت
الطبقي الحاد (تضخم الطبقة الفقیرة وتآكل الطبقة الوسطى (یؤدي إلي زعزعة الاستقرار
السیاسي للمجتمع.كذلك ھناك موضوع مثل التنشئة السیاسیة للفرد ھو محل اھتمام مشترك
لعلمي السیاسة والاجتماع، فالتنشئة السیاسیة ھي العملیة التي من خلالھا یكتسب
الفرد معارفھ وتوجھاتھ وآرائھ وأفكاره السیاسیة، وھي عملیة تراكمیة تتم خلال سنوات
عدیدة من عمر الفرد ومن خلال مجموعة من المؤسسات الاجتماعیة مثل الأسرة والمدرسة
ودار العبادة وجماعة الرفاق والجامعة وغیرھا.
وارتباطا بما تقدم ظھر علم
الاجتماع السیاسي كتعبیر عن الارتباط بین علمي السیاسة
والاجتماع، وھو یھتم بدراسة التأثیر المتبادل بین
الأوضاع السیاسة والظروف الاجتماعیة للأفراد والجماعات والفئات المجتمعیة
المختلفة.
ثالثا:علم السیاسة والأنثربولوجیا
یعرف الأنثربولوجیا بعلم الإنسان ، وھو یھتم بدراسة الأجناس
البشریة وتطورھا ،لذلك فھو یرتبط بعلم السیاسة نظرا لأن الاختلاف بین الأجناس على
مر الأزمان كان محركا للصراع السیاسي، من ھنا فإن دراسة الأقلیات والجماعات
العرقیة والصراعات العرقیة(مثل مشكلة الأكراد في تركیا مثلا) ھو محل اھتمام مشترك
لعلمي السیاسة والأنثربولوجیا ، وكذلك الحال بالنسبة لموضوع التفرقة العنصریة (مثل
حالة جنوب أفریقیا حیث استعلاء الأقلیة الأوربیة البیضاء على الأغلبیة السوداء)
فھو موضوع طالما انصب علیھ اھتمام علماء السیاسة كما تناولتھ الأبحاث
الأنثربولوجیة .
رابعا:العلاقة بین علم السیاسة والتاریخ
یقدم التاریخ لعالم السیاسة سجلا غنیا بالمعلومات والبیانات الخاصة بالواقع السیاسي یمكن الإستفادة منھا في صیاغة قواعد علمیة عامة تستخدم في فھم وتحلیل وتفسیر ذلك الواقع ،ومن ھنا فالارتباط قوي بین علم السیاسة والتاریخ فلا غنى لكلیھما عن الآخر ، ویشار ھنا إلي أن ھناك فرع من فروع المعرفة یعرف بالتاریخ الدبلوماسي یھتم بدراسة تاریخ العلاقات السیاسیة الدولیة ، وھو بذلك یمثل قاسما مشتركا بین علم السیاسة والتاریخ.
خامسا:العلاقة بین علم السیاسة والقانون ثمة روابط عدیدة
علم السیاسة والقانون منھا:
•
وجود فرع رئیسي من فروع علم
السیاسة یعتمد في دراستھ على المنھج القانوني وھو(النظم السیاسیة) وھو نفس الفرع
الذي یدرسھ القانونیون تحت مسمى القانون الدستوري.
•
القانون الدولي كذلك یعتبر
فرعا مشتركا بین المعارف السیاسیة والقانونیة، حیث ینصب على دراسة العلاقات
السیاسیة الدولیة بمنھج قانوني، مرتبطا بمجموعة من المبادئ المثالیة التي تستھدف
تحقیق واقع دولي مثالي، مثل مبدأ حل المنازعات بالطرق السلمیة، ونبذ استخدام القوة
في العلاقات الدولیة ..وغیرھا.
• موضوع نظریة الدولة ھو أیضا من الموضوعات المشتركة التي یھتم بھا علماء السیاسة وفقھاء القانون، باعتبار أن الدولة ھي مجتمع سیاسي یسوده القانون أو كما نقول دائما فالدولة والقانون توأمان.
سادسا:علم السیاسة وعلم النفس
یعتبر علم النفس كذلك من العلوم التي تتداخل معرفیا مع علم السیاسة، وھناك فرعمشترك بین العلمین یعرف بعلم النفس السیاسي، وھو یھتم بدراسة تأثیر العوامل النفسیة علىالسلوك السیاسي للأفراد.
الدولة
مفھوم الدولة والنظریات المفسرة لنشأتھا
المطلب الأول : تعریف الدولة
الدولة صورة من صور الجماعات السیاسیة التي لم توجد وجودا عفویا، وإنما جاء وجودھا كظاھرة إنسانیة متطورة نتیجة تواكب إرادات مختلفة الطبائع ومتباینة الآثار. فھي وإن كانت جھازا متكامل، أو شخصیة واحدة، إلا أنھا لا تصھر أعضائھا صھرا كاملا، كما یتعامل الجھاز، أو الجسم البیولوجي مع خلایاه أن الدولة في كل الأزمنة والأمكنة تتكون من عناصر حیة واعیة وأجھزة أوجدھا الإنسان لتلبي حاجاتھ بوسائل مختلفة.
ھناك من یعرفھا من المفكرین من زاویة عناصرھا المادیة ومن بین
ھؤلاء أندري ھوریو بقولھ " الدولة ھي مجموعة البشریة مستقرة على أرض معینة
وتتبع نظاما اجتماعیا وسیاسیا وقانونیا معا بھدف إلى الصالح العام ویستند إلى
السلطة مزودة بصلاحیات الإكراه ونجد تعریف آخر للمفكر كاري دي مالبورغ :"
الدولة ھي جماعة من الناس مستقرة على إقلیم خاص بھا ولھا تنظیم تنتج عنھ سلطة علیا
للتصرف والأمر والإكراه ومن زاویة عنصر الإكراه نجد المفكر لیون دبجي : تكون ھناك
دولة بالمعنى الواسع عندما یوجد في مجتمع ما اختلاف أو تمیز سیاسي مھما كان بسیطا
أو معقدا بین الناس فیكون ھناك حكام من جھة ومحكومین من جھة أخرى.
إن كلمة دولة ھي حدیثة الإستعمال نسبیا، فلم تعرف في أوروبا قبل عصر النھضة ،وقد استخدمت مند القرن السابع عشر ،التعبیر عن الكیان الذي یشكل في آن معا، إطار أو ركیزة للسلطة السیاسیة. وقدیما عبر الإغریق عن المدینة – الدولة - بكلمة Polis، وعبر الرومان عن طریق الجمھوریة بكلمة Civitas أو Respublica، أما الیوم فكلمة الجمھوریة لا تعني ما كانت تعنیھ عند الرومان فھي لیست مرادفة للدولة، إنما تعبر عن النظام السیاسي المرتكز على مبادئ مناقضة للنظام الملكي. وجدیر بالذكر أن میكیافلي ھو أحد الأوائل الذین استعملوا كلمة دولة بمعناھا الحدیث، في كتابھ الأمیر.
المطلب التاني: النظریات المفسرة لأصل نشأة الدولة:
أولا : النظریات التیوقراطیة :
ترجع أصل نشأة الدولة إلى إرادة الإله وھي نظریة واحدة وتطورت
عبر العصور وقد أخذت ثلاث أشكال:
1- الطبیعة الإلھیة للحكام:
الدولة من صنع الإلھ الذي ھو نفسھ الحاكم على الأرض
وقد سادت ھذه النظریة عن الفراعنة والرومان في بعض المراحل التاریخیة والیابان
.
2- الحق الإلھي المباشر:
الدولة ھي حق من حقوق الإلھ الذي أوجدھا ھو وھو الذي یختار حسبما یرید من یحكمھا بطریقة مباشرة ولذا فإن الحكام یستمدون سلطتھم من الإلھ ولیس من الشعب الذین لا یسألون أمامھ .
3- الاختیار الإلھي غیر المباشر:
الدولة من صنع الإلھ وھو مصدر السلطة فیھا،
غیر أن البشر ھم الذین یختارون الحكام بتفویض وعنایة من الإلھ الذي یوجھ تصرفات
واختیارات الشعب نحو الحكام وبالتالي یتم اختیار الحاكم بطریقة غیر مباشرة. ترى
ھذه النظریة أن ھناك
قوانین طبیعیة تحكم الكون والبشر ویھتدي بھا الحكام
ویقتدي بھا ولھذا فإن ھذه القوانین ھي التي تحد من سلطة الحكام.
ثانیا: نظریة القوة والغلبة:
نادى بھا العدید من الفلاسفة حیث
یقول الفیلسوف الیوناني "بلولتاك" أن الدولة خلقت من العدوان ویقول أیضا
میكیافیلي في كتابھ" الأمیر" أن الصراع الجمعوي ینجم عنھ فئة مسیطرة
وفئة حاكمة
ومن ھنا یمكن القول أن السلطة في الدولة تعتمد على القوة
والغلبة، غیر أن میكیافیليأضاف فكرة الحنكة والدھاء عند الحكام ونجد أن القوة
والغلبة وجدت طریقھا في نشوء بعضالدول مثل ظاھرة الاستعمار الأوربي للقارات حیث
نتج عنھا دول مثل لیبیریا والكونغو والولایات المتحدة الأمریكیبة وإسرائیل.
ثالثا: النظریة العقدیة:
وترى ھذه النظریة أن الدولة ما ھي إلا
نتاج اتفاق بین أعضاء المجتمع سواء في عقد أو في شكل اتحاد.
في المرحلة الأولى یتفق الأفراد على مشروع إنشاء دولة وھي بعبارة عن فكرة یتحمس لھا الأفراد ویحاولون إنشاء جھاز أو تنظیم بالطرق القانونیة المتوفرة لدیھم وفقا للقانون الساري المفعول. أما في المرحلة الثانیة فیدعون كل من یھمھم الأمر والموافقین على الفكرة لمساعدتھم على تحقیق ھذا المشروع.وبذلك یكون لدینا:
- فكرة إنشاء الدولة.
- -سلطة منظمة على رأس الجھاز المنشأ من طرف أصحاب الفكرة
- جماعة الأفراد المعنیین بتحقیق وتنفیذ الفكرة.
رابعا: النظریة الماركسیة:
أن الدولة نتتج بسبب الصراع الطبقي، فالدولة تقوم على أساس اقتصادي التي تھیمن على الإقتصاد وھي نتاج صراع بین طبقات المجتمع وھي تترجم الھیمنة الطبقیة داخل المجتمع وتضمن استغلال طبقة ضد أخرى.والقانون فیھا عبارة عن تعبیر لإرادة ھذه الطبقة. إن ھذه النظریة تحمل بذور فنائھا حیث تزول بزوال الطبقیة داخل الدولة.
خامسا: النظریة العصبیة عند ابن خلدون:
لقد فسرابن خلدون نشأة الدولة تفسیرااجتماعیا اقتصادیا، فربط نشوء المجتمع بضرورة تأمین الحاجات المعیشیة، واعتبرالعصبیة أساس اللقدرة السیاسیة ولتماسك المجتمع" فالعصبیة"ھي صلة رحم طبیعیة في البشروالتی یحصلبھا الاتحاد والالتحام فی المجتمع، ویظھر فی القبیلة الواحدة أو القبائل المتحالفة نسب عام یقترن بعصبیة عامة ونسب خاص یقترن بعصبیات خاصة، ومن ھنا تتنافس العصبیات الخاصة على الرئاسة فتظفر بھا العصبیة الاقوى أی تلك التی تتغلب على العصائب الاخر فالدول تنشأ بسبب العصبیة وتستمر طالما استمرت ھذه العصبیة وتضم حل عندما تفسد العصبیة.
سادسا: نظریة التطور التاریخي:
ترى ھذه النظریة أن الدولة نشأت وفق تطور تاریخي وتلاحم مجموعة من العوامل التاریخیة والسیاسیة والاقتصادیة وأن الدول ما ھي إلا نتاج لتطور طویل ومتنوع یھدف الإنسان من خلالھ الى الاجتماع إن ھذه النظریة غیر سلیمة لأن ھناك دول نشأت دون تطور تاریخي مثل دولة اسرائیل.
العناصرالأساسیة في الدولة:
المطلب الأول: المقومات المادیة للدولة
الفقرةالأولى: العنصر البشري
ویقصد بھ المجموعة البشریة التي تقطن أرضا
معینة وبصفة دائمةومستمرة، إذ لا یمكن تصور دولة بدون العنصر البشري،ویقصد بھ
مجموعة الأفراد الطبیعیین الذین یقیمون على إقلیم الدولة أو یشكلون سكان الدولة
ویخضعون لسلطانھاوسیادتھا، سواء كانوا یحملون جنسیتھا أو لا،ولا یشترط في تعداد
السكان رقما معینا حتى تثبت الشخصیة القانونیة للدولة. إلا أن عدد السكان یلعب دورا في القوة الاقتصادیة
و التنظیمیة و العسكریة و ینقسم سكان الدولة إلى طائفتین:
1. الشعب بالمفھوم السیاسي:
ونعني بھ جمیع أفراد
الدولة الذین یمارسون الحقوق السیاسیة، مثل حق الانتخاب و تولي المناصب العلیا في
الدولة ، و یمكن أن نجد فئات لا تستطیع أن تزاول الحقوق السیاسیة كالمساجین و
المحكوم علیھم بالحرمان من الحقوق السیاسیة و الذین لم یبلغوا سن الرشد، و تختلف
الأنظمة السیاسیة و الانتخابیة في العالم في تحدید ھذه الفئة.
2. الشعب بالمفھوم الاجتماعي:
وھم أفراد الدولة الذین یحملون جنسیتـــھا ویخضعون لسلطتـــھا، بغض النــظر عـــن سنھم وأصلھم وجنسھم وحالتھم الصحیةوالعقلیة، أي مجموعة الأفراد الذین یتمتعون بصفة المواطنة ،وتلعب الجنسیة دورا في التمییز بین المواطن والأجنبي ،ولھذا الغرض تتولى التشریعات الوطنیة في إطار مبادئ القانون الدولي الخاص لتحدید طرق اكتساب الجنسیة، وأسباب فقدھاوالتجرید منھا، تنشأ الجنسیة بوجھ عام، إما عن الولادة،وإما عن الإقامةفي الإقلیم بشروط تحددھا الدولة.
وھنا لا بد لنا من التوقف أمام ظاھرة الدولة- الامة و ظاھرة الدولة المتعددة القومیات :
1. الدولة – الأمة.
حتى بدایة القرن التاسع عشر، كانت ظاھرة الدولة-الأمة تقتصر على
قوتین كبیرتین ھما إنكلترا، وفرنسا. اما الیوم فان معظم دول العالم تدخل في إطار
ھذا التصنیف. فكیف ولدت فكرة الأمة، وما العلاقة القائمة بینھا وبین الدولة.
من المعروف بأن الجماعة السیاسیة أسبق في وجودھا على الدولة.
وھي قد مرت بمراحل عدة من التطور الإجتماعي، والاقتصادي قبل أن تصل الى وعي ھویتھا
الوطنیة وتتحول الى أمة ذات خصائص محددة. وھذا التطور لم یكن معتمداً، بل إتصف
بنوع من العفویة التي فرضھا سیاق العلاقات التي كانت قائمة بین العائلات الكبرى،
ومن ثم العشائر والقبائل قبل أن تتوحد وتنصھر في بوتقة واحدة وتتحول الى مجتمع
كلي، أي أمة. ومیزة ھذا الوعي للحالة الوطنیة التي أصبحت علیھا ھذه الجماعة خلال
فترة تاریخیة طویلة، ھو أنھ أظھر الخصائص المشتركة التي تجمع بین أفرادھا بحیث
تحولت مسألة الانتماء الى ھذه الجماعة الى نوع من التماثل التام معھا.
الدولة – الامة، مكتملة النمو والشروط، ھي تلك التي تعیش حالة
متقدمة من الوعي الذاتي الذي یجنبھا الوقوع في الصراعات الداخلیة، ویوفر لھا سلطة
مركزیة ثابتة، ویؤمن لسكانھا تلك الدرجة المطلوبة من الإنسجام الثقافي والفكري
الذي یسمح لھم بتوجیھ كل طاقاتھم لخدمة الدولة وتطویرھا.
وعندما نتكلم عن الدولة-الأمة، كوحدة سیاسیة متكاملة، فاننا نشیر بذلك الى تسمیة مزدوجة ذات مضمون واحد. فالأمة تصبح ھي الدولة أو الوطن، وھذا الأخیر یصبح بدوره التسمیة العاطفیة والروحیة للأمة.
2.الدولة المتعددة القومیات
إرتبط نشوء الدولة المتعددة القومیات بإتساع ظاھرة التوسع
الامبریالي فيالامبراطوریة الرومانیة، وما تلاھا من محاولات مماثلة في العصور
الوسطى والحدیثة، الى أنوصلت إلینا عبر الإمبراطوریة العثمانیة التي كانت مثالاً
واضحاً على ھذا النوع من الدول في التاریخ المعاصر.
إلا أن قیام الدولة المتعددة القومیات لا یعود فقط الى علل التوسع الإقلیمي. فبعض الأقوام، والأتنیات المختلفة وجدت نفسھا، بحكم الجوار والتواجد على أرض واحدة، مرغمة على التفتیش عن صیغة مقبولة للعیش المشترك تسمح لھا بالخروج من حالة التناقضات التي كانت تعاني منھا، والإنطلاق لبناء المستقبل كما ھي علیھ الحال الیوم في الاتحاد السویسري. أو أن بعض الأقلیات القومیة، ودرءاً للأخطار الخرجیة المحتملة، إضطرتللإحتماء بقومیة كبرى تمتلك سلطة مركزیة قویة، أو أنھا خضعت لھیمنتھا المباشرة، كما كان الأمر علیھ في الأمبراطوریة الروسیة.
تعليقات
إرسال تعليق