أركان العقد وجزاء تخلف أحدها
الفص ل الأول : الأركان اللازمة لتكوين العقد
اعتبر المشرع
المغربي بموجب الفصل الثاني من ق.ل.ع الأركان العامة اللازمة لإنشاء العقد أربعة:
الأهلية والتراضي والمحل والسبب، إضافة طبعا للشكلية في العقود الشكلية والتسليم
في العقود العينية كركنين خاصين ببعض العقود.
وبالتدقيق في الأركان العامة
للعقد الوارد تعدادها في الفصل الثاني من ق.ل.ع نجد أن موقف المشرع المغربي لم يكن
موفقا، كما يكاد يجمع على ذلك الفقه المدني المغربي، في اعتبار الأهلية ركن في
العقد.
ذلك لأن الأهلية يدور أحوالها
بين الانعدام والنقصان والكمال، حيث يعتبر تصرف عديم الأهلية باطلا، في مقابل صحة
تصرف كامل الأهلية، غير أن حكم تصرف ناقص الأهلية هو القابلية للإبطال لمصلحته.
وبذلك فإن أحكام الأهلية تدور
بين الصحة في حال الكمال القابلية للإبطال في حال النقص البطلان في حال الانعدام هذا
ما يجعل الأهلية غير صالحة لأن تكون ركنا في العقد، لأن الركن إما أن يكون موجودا
ويترتب عن ذلك صحة العقد، أو يكون غير موجود ويترتب عن ذلك بطلان العقد، ولا يمكن
للركن أن يكون ناقصا.
وبالنتيجة يتفق الفقه على أن
الأهلية تعتبر شرطا من شرط صحة ركن التراضي، وذلك لارتباطها بهذا الركن، حيث إن
التراضي لا يقوم فقط على توافق والتقاء إرادتي المتعاقدين، وإنما بمدى أهلية
الإرادة وخلوها من عيوب الرضا
الفرع الأول : ركن التراضي
يكاد يكون تعريف التراضي هو تعريف العقد، حيث
لا يحصل إلا بتوافق إرادة المتعاقدين بغرض إحداث أثر قانوني.
فلقيام هذا الركن الأساسي فقط تطابق الإرادتين، وإنما يجب أن تكون كل إرادة مدركة وسليم من أي عيب؛ لذلك فإنه يتوجب دراسة قيام التراضي
المبحث الأول : قيام التراضي
لأجل التثبت من وجود التراضي فهل العبرة
بالإرادة الظاهرة أم الباطنة؟
يذهب الفقه ذو الأصل اللاتيني
إلى الاعتداد فقط بالإرادة الحقيقية للمتعاقد، لأن العبرة بالإرادة المقصودة وليس
بصيغة التعبير عنها التي قد لا تفيد نفس المعنى، وهذا ما أخذ به المشرع الفرنسي.
أما التيار الفقهي الثاني فهو
ذو الأصول الجرمانية التي تعتد كمبدأ عام بالإرادة الظاهرة، مع عدم وجود ما يمنع
من تحفيز المحاكم للبحث عن الإرادة الحقيقية للمتعاقدين.
أما المشرع المغربي فيأخذ
الإرادتين معا بعين الاعتبار، فهناك الكثير من النصوص القانونية التي ألح المشرع
من خلالها على الاعتداد بالإرادة الظاهرة المعبر عنها بألفاظ العقد 461، وأن
التحفظات التي تصل إلى علم الطرف الآخر لا تنقص ولا تقيد آثار العقد. وفي باب
تفسير العقد، فإن ألفاظ العقد إذا كانت صريحة وواضحة فإنه لا مجال للبحث عن إرادة
صاحبها، وفي المقابل فإن هناك موادا أكد فيها المشرع ضرورة استقصاء والبحث عن
الغاية الخفية وتحري مقاصد الإرادة الحقيقية 461 و22. وألا تقف
عند المعنى الحرفي للألفاظ وتركيب الجمل والبحث عن الإرادة الحقيقية. هذا، وإذا
كان الأصل أن اقتران الإيجاب بالقبول يفضي إلى إبرام العقد النهائي
المطلب الأول : مكونات التراضي :
الفقرة الأولى : الإيجاب :
أولا :
مفهوم الإيجاب :
الإيجاب هو العرض الذي يتقدم به الموجب مبديا رغبته
في التعاقد، ويتم التعبير عنها بمختلف صور التعبير عن الإرادة سواء كانت صريحة بألفاظ
واضحة أو بالكتابة أو بالإشارة للغير القادر على استعمال وسائل أخرى؛ أو ضمنية
كالبضاعة المعروضة للبيع المكتوب عليها ثمنها، ووقوف صاحب سيارة الأجرة في المكان
المخصص لنقل الأشخاص تعبير ضمني على رغبته في تقديم خدمة النقل....
ويشترط في الإيجاب
أن يكون واضحا ومحددا وباتا وأن يشمل العناصر الأساسية المكونة لمشروع التعاقد.
فإذا تعلق الأمر بإيجاب البيع
يتعين تحديد المبيع والثمن، وإذا تعلق الأمر بإيجاب المقاولة يجب تعيين نوع العمل
المطلوب إنجازه والأجرة؛ وهذا ما يشير إليه الفصل 19 من ق.ل.ع الذي جاء فيه: لا يتم
الاتفاق إلا بتراضي الطرفين على العناصر الأساسية للالتزام وعلى باقي الشروط
المشروعة الأخرى التي يعتبرها الطرفان أساسية...
هذا ويجب تمييز الإيجاب عن المفاوضات التمهيدية وعن الدعوة للتعاقد:
فالمفاوضات التمهيدية يمكن
أن تكون خطوة نحو الإيجاب
وتتمثل في مجموع المحادثات والمناقشات المتعلقة بموضوع العقد، دون أن يكون لها دور
حاسم في إبرام العقد، وإنما إذا نجحت المفاوضات تعتبر نتيجتها إي جابا.
أما الدعوة للتعاقد فتتجسد
فيما نجده داخل الجرائد والصحف من إعلانات تدعو للتعاقد، سواء في شكل دعوة
للمشاركة في مزاد علني أو البحث عمن يفوز بامتياز استثمار أو توظيف...، فالإعلان
هنا لا يعتبر إيجابا لأنه ليس باتا، حيث لا يترتب على تلبية الدعوة نشوء العقد، بل
الصحيح أن تلبية الدعوة تعد إيجابا، وتتوقف على ضرورة صدور القبول من الطرف الآخر
لقيام العقد، وهذا ما يسُتنتج مثلا من الفصل 32:
إقامة المزايدة تعتبر دعوة للتعاقد وتعتبر المزايدة مقبولة ممن يعرض الثمن
الأخير....
ثانيا : أنواع الإيجاب :
أ-
الإيجاب الموجه
لشخص معين والإيجاب الموجه للجمهور :
إذا كان العقد المراد إبرامه قائما على
الاعتبار الشخصي، فإنه يوجه إلى شخص معين بصفة محددة ولا يعتبر العقد مبرما إلا
إذا لقي قبولا من طرف الشخص المعين بصفته، كالإيجاب الموجه إلى طبيب جراح في تخصص
بعينه، أو الإيجاب الموجه إلى مهندس معماري مختص في وضع تصاميم القناطر أو السدود
أو إعداد تصاميم التهيئة...
أما في الحالات التي لا يكون
فيها لشخص الموجب له أي اعتبار فإن الإيجاب يوجه للعموم، كمحلات عرض الملابس للبيع
التي يقصد مالكها بيعها لكل من له رغبة فيها وقبل ثمنها...
ب- الإيجاب المطلق والإيجاب المقيد أو المُلزم :
غالبا ما يكون الإيجاب مطلقا غير مقيد بمهلة
زمنية، حيث يكون من حق الموجب الرجوع في إيجابه طالما لم يصدر القبول عن الطرف
الآخر، حيث جاء في الفصل 26 من ق.ل.ع: يجوز الرجوع في الإيجاب ما دام العقد لم يتم بالقبول أو
بالشروع في تنفيذه من الطرف الآخر.
أما الإيجاب المُلزم فهو الذي
يحدد فيه الموجب مدة لسريان إيجابه، فيجب عليه التقيد بهذا الأجل الذي خلاله يحق
للموجب له التعبير عن قبوله، فقد جاء في الفصل 29 من ق.ل.ع: من تقدم بالإيجاب مع
تحديد أجل للقبول بقي ملتزما تجاه الطرف الآخر إلى انصرام هذا الأجل ويتحلل من
إيجابه إذا لم يصله رد بالقبول خلال الأجل المحدد.
ثالثا : آثـار الإيجاب
التساؤل الذي يطرح نفسه بإلحاح في شأن آثار
الإيجاب هو القيمة أو القوة القانونية لهذا الإيجاب، أي هل يحق للموجب أن يتراجع
عن إيجابه خلال المدة الزمنية الفاصلة بين الإعلان عنه وقبل قبوله أو رفضه من طرف
الموجب له الذي علم به؟ والجواب عن هذا التساؤل يختلف بحسب فرضيتين:
الفرضية الأولى :
وتتعلق بحال الإيجاب الملزم المحدد بأجل، حيث في هذه الحالة
يلُزم الموجب بالتقيد بالأمد الذي حدده لإيجابه ولا يحق له نقض الإيجاب داخل هذا
الأجل تحت طائلة تحميله مسؤولية تعويض الموجب له القابل عما لحقه من ضرر؛ لكن ما
هو أساس هذه المسؤولية؟
ذهب القضاء الفرنسي إلى
اعتبار الأساس القانوني لهذه المسؤولية هو اعتبار العقد قائما إذا ما عبر الموجب
له خلال الأجل المحدد للإيجاب عن قبوله ولو نقض الموجب إيجابه، أي المسؤولية
التعاقدية.
لكن هذا الاجتهاد القضائي كان صارما وقاسيا باعتبار العقد قائما رغما عن إرادة الموجب الذي نقض إيجابه، الذي لا يمكن إرغامه على التعاقد والحال أن نقض إيجابه.
الحقيقة أن الموجب في الإيجاب الملزم لا يحق له نقض إيجابه داخل الأجل الذي حدده بإرادته، غير أنه بنقضه للإيجاب لا يمكن بالمقابل اعتبار العقد قائما وترتيب المسؤولية التعاقدية، وإنما المنطق القانوني يقتضي اعتبار تصرف الموجب خطأ تقصيريا يرتب في ذمته تعويض الموجب له القابل عما لحقه من ضرر جراء خطإه، كما يذهب بعض الفقه إلى اعتبار التزام الموجب في الإيجاب الملزم يكمن في تصرفه بإرادته المنفردة كمصدر لالتزامه وتراجعه يعد خرقا لهذا الالتزام يرتب على عاتقه التعويض عن الضرر الذي لحق الموجب له على هذا الأساس وذهب بعض الفقه أيضا إلى اعتبار الموجب له الذي نقض إيجابه الملزم متعسفا في استعمال الحق بصرف النظر عن توفر نية الإضرار بالموجب له أم لا.
الفرضية الثانية :
إذا كان الإيجاب مطلقا أي غير محدد بأجل فالموجب له الحق
في سحب إيجابه ما دام الموجب له لم يعبر عن قبوله، لكن يلزم ال تمييز بين حالتين:
- التعاقد بين حاضرين: يتوجب صدور القبول فور صدور الإيجاب تحت طائلة السقوط، حيث جاء في الفصل 23 من ق.ل.ع: الإيجاب الموجه لشخص حاضر من غير تحديد ميعاد يعتبر كأن لم يكن إذا لم يقبل على الفور من الطرف الآخر.
- التعاقد بين غائبين: حيث يتعين في هذه الحالة صدور القبول خلال مدة معقولة تتطلبها المراسلة العادية، غير أنه عموما يحق للموجب إبطال إيجابه بإيجاب مضاد أو تعديلي أو العدول عنه نهائيا إذا كان مطلقا.
رابعا: سقوط الإيجاب :
أ- الإيجاب قد يسقط بإرادة الموجب :
ويكون ذلك في حالتين :
- بسحبه من طرف الموجب قبل صدور القبول إذا كان الطرفان حاضرين في مجلس العقد.
- بإلغاء مفعول الإيجاب من طرف الموجب إذا كان موجها لشخص غائب كالتعاقد بالمراسلةويكون التراجع بوسيلة أسرع كالبرقية والبر يد الإلكتروني والفاكس...
ب- سقوط الإيجاب بإرادة الموجب له :
ويكون ذلك في
الحالات التالية:
- إذا رفض الموجب له الإيجاب صراحة أو ضمنا في مجلس العقد أو غائب عنه.
- إذا عدل الموجب له العرض، ففي هذه الحالة يسقط الإيجاب ويتحول موقف الموجب له إلى إيجاب جديد يتطلب بدوره صدور قبول في شأنه من الموجب الأول 27.
- إذا صدر القبول بعد انصرام الأجل المحدد في الإيجاب المُلزم، أو مرور الأجل المعقول في التعاقد بين غائبين بالمراسلة، أو لم يصدر على الفور في التعاقد بين حاضرين في مجلس العقد.
ت- سقوط الإيجاب
لسبب أجنبي عن إرادة الطرفين:
- إذا مات الموجب أو فقد أهليته بعد صدور الإيجاب وعلم بذلك الطرف الآخر قبل موافقته على العرض 31 أما إذا عبر عن القبول قبل علمه بواقعة الوفاة فإن العقد صحيح وملزم للورثة.
- إذا مات الموجب له أو فقد أهليته متى كان لشخصيته اعتبار في العقد.
الفقرة الثانية : القبول :
سنحدد بداية مفهوم القبول وصيغ التعبير عنه ثم نبين شرطه.
أولا : مفهوم القبول وصيغ التعبير عنه :
القبول هو التعبير البات عن إرادة الموجب له،
والذي بصدوره موافقا للإيجاب ومستوعبا لجميع شروطه، يتم وينشأ العقد بين الموجب
والموجب له القابل.
ب- القبول الضمني:
ت- مدى اعتبار السكوت قبولا:
- حالة ارتباط الإيجاب بمعاملة تجارية سابقة بدأت بالفعل بين الطرفين : حيث يكون السكوت عن الرد على هذا الإيجاب بمثابة قبول له، وذلك كأن يجري التعامل بين تاجر وزبونه على أن يرسل الأول إلى الثاني بضاعة في فترات معينة ولا يقوم الزبون بردها، فيعتبر ذلك قبولا من جانبه. وحالة الموكل الذي يتجاوز وكيله حدود وكالتهن حيث سكوته عن ذلك يعتبر بمثابة قبول لتصرفات الوكيل
- حالة الإيجاب الموجه فقط من أجل مصلحة أو منفعة الموجب له : فيكون بذلك الاحتمال الراجح هو قبول الإيجاب ولو سكت الموجب له، كسكوت الموهوب له أو سكوت المقترض عن عرض المقرض المتمثل في إعفائه من الفوائد.
- حالة العرف التجاري : وذلك مثل ما جرى به العمل في العرف التجاري من أن يرسل البنك إلى زبونه كشفا بحسابه مع التنصيص على أن عدم الاعتراض على مضمون الكشف خلال مدة معينة يعتبر قبولا من جانب صاحب الحساب البنكي.
ثانيا : شروط صحة القبول :
أ-
أن يصدر في وقت
لا زال فيه الإيجاب قائما :
لكي يعتبر القبول صحيحا مرتبا لأهم أثر له وهو إبرام العقد فإنه يجب أن يصدر في وقت ما زال الإيجاب ساري المفعول، وذلك خلال الأجل الذي حدد الموجب لإيجابه المُلزم أو خلال مدة مناسبة إذا لم يكن الإيجاب ملزما وكان التعاقد بين غائبين، أما التعاقد بين حاضرين فيفترض فيه الصدور الفوري للقبول.
ب-
أن يطابق
القبول مضمون الإيجاب :
يتحدد مضمون القبول مسبقا من
خلال محتوى الإيجاب، حيث يجب أن يكون القبول مطابقا لمضمون الإيجاب، ولا يتضمن أي
تعديل له لا بالزيادة ولا بالنقص، وبالتالي فإن كل تعديل لمحتوى العرض لا يعتبر
قبولا صحيحا يترتب عنه إبرام العقد، وإنما يعتبر مجرد إيجاب جديد موجه للموجب الذي
يصبح في هذه الحالة في موقع الموجب له الذي يتعين أن يعُبر عن قبوله. أما أي اتفاق
على تعديل شروط العقد بعد التعبير عن القبول فإنه يعتبر صحيحا، ويعتبر تعديلا
للالتزام، لأن العقد بصدور القبول موافقا للإيجاب ينشأ العقد ويمكن الاتفاق على
تعديله فيما بعد.
الفقرة الثالثة : توافق الإرادتين
اقتران الإيجاب بالقبول لا يكف لإبرام العقد صدور الإيجاب وصدور القبول،
وإنما يجب أن يحصل توافق تام بين الأطراف والتراضي على العناصر الأساسية للعقد،
أما العناصر الثانوية فيمكن أن تكون موضوع اتفاق لاحق بشرط ألا يكون الطرفان قد
اختلفا بشأنها وهذا ما يستخلص من الفصل 19 من ق.ل.ع الذي ربط صحة الالتزام
بضرورة الاتفاق على العناصر الجوهرية للعقد وعلى باقي الشروط الأساسية.
أولا : التعاقد بين حاضرين :
إن وضع التعاقد بين حاضرين هو الوضع المألوف في
معظم المعاملات المدنية، وفكرة مجلس العقد مستوحاة من الفقه الإسلامي، ذلك لأن
المتعاقدين يكونان قريبان من بعضهما يسمع أحدهما الآخر، فإذا كان العرض بسيطا في
حجمه فإن الموجب له غالبا ما يحسم فيه فورا، إلا أن الوضع ليس كذلك في العقود ذات
الأهمية الكبرى كالتعاملات العقارية والمنقولات الكبيرة القيمة، حيث يتطلب الأمر
التأني والتفكير جيدا قبل تحديد الموقف من التعاقد.
لكن بالرجوع إلى الفصل 23 من ق.ل.ع
نجده ينص على أن: الإيجاب الموجه لشخص حاضر من غير تحديد ميعاد يعتبر كأن لم يكن
إذا لم يُقبل على الفور من الطرف الآخر.
إلا أن مبدأ الفورية المقرر
بموجب هذا النص من شأنه عرقلة المعاملات التي تتطلب التريث والتأني قبل إصدار القبول،
لأجله فإن الاتجاه الغالب في الفقه والقضاء المغربيين يذهب إلى إضفاء نوع من
المرونة عليه، حيث لا يؤخذ بشكل صارم بمعنى الفور الذي لا بطء فيه، وإنما يتعين أن
يفصح عن قبوله قبل انفضاض مجلس العقد شريطة عدم انصراف الطرفان عن موضوع التفاوض.
وفي شأن تحديد فترة مجلس
العقد انقسم الفقه الإسلامي إلى اتجاهين؛ وبذلك فالعبرة عند الاتجاه الأول
بالتفرقة بالأقوال، وعند الاتجاه الثاني العبرة بالتفرقة بالأبدان، وبالنتيجة
يعتبر الأول مجلس العقد قائما طالما لم يغير الأطراف مجرى الحديث إلى موضوع آخر،
وهذا هو موقف المالكية أما الرأي الثاني فيرى مجلس العقد مستمرا إلى غاية التفرق
بالأبدان حتى ولو تحول مجرى الحديث إلى موضوع آخر، فالعقد يمكن أن يبرم طالما لم
يغب كل متعاقد عن الآخر، وهذا ما يراه أنصار المذهب الظاهري وكذا الشافعية، وسندهم
في ذلك الحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا
أو يقول أحدهما لصاحبه اختر.
ثانيا : التعاقد بين غائبين :
للإحاطة بفكرة التعاقد بين
غائبين مكانيا لا بد من تحديد :
أ- أهم صور
التعاقد بين غائبين:
يتخذ التعاقد بين غائبين
الكثير من الصور، ويبقى أبرزها التعاقد بالمراسلة، أو عن طريق رسول أو استعمال
إحدى وسائل الاتصال كالهاتف والفاكس والبريد الإلكترونين والتعاقد عن طريق السمسار
كوسيط.
فالمراسلة هي أن يقوم الموجب
بمكاتبة الموجب له يدعوه في رسالته إلى القبول، سواء أعبر الموجب له عن قبوله أو
رفضه بالمراسلة أيضا أو بوسيلة أخرى.
أما مهمة الرسول فتتمثل إما
في نقل خطاب خطي من الموجب إلى الموجب له، كما يمكن أن يقوم الرسول بنقل الإيجاب
شفاهيا، فيكون بذلك بمثابة وسيط يتحتم عليه تبليغ العرض بوضوح وأمانة، غير أن
الرسول لا يعتبر وكيلا عن الموجب.
وفي شأن التعاقد عن طريق السمسار كوسيط بين الموجب والموجب له، نميز بين
وضعين:
- حالة الوسيط الذي يكتفي بنقل إرادة الموجب للطرف الموجه إليه العرض، وفي هذا الوضع يقترب مركزه القانوني من الرسول أو ساعي البريد.
- حالة الوسيط الذي ينوب عن الموجب في إطار المبادئ العامة للوكالة، وهنا تكون شخصية السمسار كوسيط ذات اعتبار في كونه نائبا قانونيا عن الموجب.
بقيت الإشارة إلى أن المشرع
المغربي اعتبر بموجب الفقرة الثانية من الفصل 23 من ق.ل.ع الإيجاب المقدم من شخص
لآخر بطريق التلفون يخضع لحكم التعاقد بين حاضرين، حيث يتطلب الموافقة الفورية، وذلك
لأنه في هذه الحالة الهاتف يُحول الغائبين مكانيا إلى حاضرين زمانيا، ونرى بأن هذا
الحكم يمكن تمديده إلى جميع وسائل الاتصال الحديثة التي يتحقق فيها هذا الأمر،
لاتحاد العلة.
ب- زمان اقتران الإيجاب بالقبول في التعاقد بين غائبين :
- نظرية إعلان القبول : ومضمونها أن العقد بين شخصين غائبين يُبرم بمجرد صدور القبول عن الشخص الموجه إليه الإيجاب، على اعتبار أن تقابل الإرادات يتحقق في هذا الوقت.
- نظرية إرسال القبول : تقوم على احتمال تراجع القابل عن قبوله بعد إعلانه، ويرى أنصار هذه النظرية أن العقد لا ينعقد إلا من الوقت الذي قام فيه القابل بإرساله من خلال وضع الرسالة في صندوق البريد مثلا.
- نظرية تسلم القبول : يرى أنصارها أن القابل قد يتراجع عن قبوله حتى وإن أرسله حيث يمكنه مثلا يسحب الرسالة من صندوق البريد، وقالوا بضرورة وصول القبول إلى الموجب، حيث يعُتبر هذا الوقت هو زمن اقتران الإيجاب بالقبول.
- نظرية العلم بالقبول : خلافا للنظريات الثلاث السابقة يشترط أنصار هذا الطرح ليس فقط توصل الموجب بالقبول وإنما العلم به، حيث يمكن أن تصل رسالة القبول مثلا ولا يفتحها الموجب، وبالتالي فإن العقد لا ينعقد إلا من تاريخ علمه بالقبول.
وبعد عرض محتوى هذه النظريات يحق لنا التساؤل عن موقف المشرع المغربي منها؟
بالرجوع إلى الفصل 24 من ق.ل.ع
نجده ينص على أنه: يكون العقد الحاصل بالمراسلة تاما في الوقت والمكان الذ ين يرد
فيهما من تلقى الإيجاب بقبوله، في إشارة واضحة إلى أن المشرع فضل النظرية الأولى
التي تعتبر العقد تاما بمجرد تصريح القابل وإعلانه لقبوله. غير أنه بالرجوع إلى
الفصل 30 من ق.ل.ع نجده يؤكد أن الإيجاب المطلق في التعاقد بالمراسلة
يستوجب ضرورة توصل الموجب بالقبول داخل الأجل المناسب، وإذا تعطلت أو ضاعت الرسالة
فإن العقد لا يلزم الموجب ويمكن للقابل الرجوع على مصلحة البريد بالتعويض عما لحقه
من ضرار في إطار قواعد المسؤولية التقصيرية.
وبالنتيجة، فإن المشرع
المغربي قد أخذ بنظرية إعلان القبول كقاعدة، إلا أن ذلك موقوف على شرط هام وهو
توصل الموجب بالقبول داخل أجل معقول إذا كان الإيجاب مطلقا، وذلك فقط من باب
الإشعار أما العقد فحتى مع وجود هذا الشرط القانوني يكون منعقدا من تاريخ إعلان
القبول.
ت- توافق
الإرادتين في العقود المبرمة بشكل إلكتروني :
العقد الالكتروني هو الذي يصاغ على دعامة
إلكترونية تحمل مضمون العقد مع التوقيع عليه إلكترونيا وما يلزم من المصادقة عليه
لإضفاء المشروعية؛ لكن ينبغي التنبيه إلى أنه لا يوجد ما يقطع بأن القانون
53.05 اعتبر العقد الإلكتروني عقد شكلي، فبالرغم من ضرورة احترام بعض
المراحل التقنية الموصلة إلى إبرام العقد
النهائي إلا أن ذلك لا يخرجه عن الأصل العام، ليظل عقدا رضائيا ما لم ينص القانون
بنص خاص على شكلية الانعقاد؛ أما التعاقد الإلكتروني فيعتبر من صور التعاقد بين
غائبين عن مجلس العقد، تستغل فيه التقنيات الإلكترونية الحديثة بدأ بالمفاوضات إلى
طرح عرض الموجب بشكل جدي ،وتعبير الموجب له عن قبوله التعاقد.
ونظرا لخصوصية التعاقد
الإلكتروني فإن القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية عطل في شأن جميع
مقتضيات الإيجاب والقبول السابق بيانها نصت المادة 2-65 على أنه: لا تسري أحكام الفصول من 23 إلى 30 والفصل 32 على هذا الفصل. وفي نفس السياق
استبعد من نطاق التعاقد الإلكتروني العقود التي لها علاقة بمدونة الأسرة،
والمحررات العرفية المتعلقة بالضمانات الشخصية أو العينية المدنية أو التجارية، ما
عدا المحررات المنجزة لأغراض مهنية.
وقد ميز القانون رقم 53.05 في الإيجاب
أيضا بين العرض الملزم الذي يبقى ساريا إلى غاية انتهاء الأجل المحدد، والعرض
المطلق الذي يظل فيه الموجب ملتزما بعرضه طالما بقي الولوج إلى مضمون العرض متيسرا
بطريقة إلكترونية) 4-65. لكن متى يتم إبرام العقد الإلكتروني وأين؟
اشترط الفصل 5-65 لصحة
التعاقد الإلكتروني أن يكون من أرُ سل إليه العرض الموجب له قد تمكن من التحقق من
تفاصيله الإذن و السعر وباقي الشروط الأساسية، وبعد تصحيحه للأخطاء المحتملة، يقوم
بتأكيد الإذن والتعبير عن القبول، ويجب على الموجب له الإشعار دون تأخير غير مبرر
بتسلمه قبول العرض؛ كما أكدت الفقرة الثالثة من نفس الفصل بأن العارض خلال الفترة
الزمنية التي يتوصل فيها بالرد ،فإن القابل يصبح ملزما بشكل لا رجعة فيه، لكن هذا
التوصل الفعلي لا يتحقق إلا إذا كان بإمكان القابل الولوج إلى المعطيات التي وافق
عليها.
وبالنتيجة فإن زمان الانعقاد
هو الوقت الذي توصل فيه العارض برد القابل بشرط إعلامه لهذا الأخير بأنه تسلم
القبول داخل الأجل المناسب.
أما بخصوص مكان إبرام العقد
الإلكتروني فيستنتج من خلال مقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل 4-65 التي تتحدث
عن وقت الإبرام، بأن العقد ي تم في المكان الذي يتسلم فيه القابل الإشعار الذي
يؤكد توصل العارض بمضمون القبول.
وجدير بالتأكيد في ختام هذه
النقطة أن المشرع أضفى على الوثائق المحررة على دعامة إلكترونية نفس قوة الإثبات
التي للوثائق المحررة على الورق.
ث- التعاقد
بالوكالة :
عرف المشرع المغربي الوكالة
بموجب الفصل 879 من ق.ل.ع الذي جاء فيه: الوكالة عقد بمقتضاه يكلف شخص شخصا آخر
بإجراء عمل مشروع لحسابه. ولذلك فإنه يشترط لصحة التعاقد بالوكالة:
-
حلول إرادة الوكيل محل إرادة
الأصيل: الوكالة تتضمن اتفاق صريح أو ضمني على أن يكون للوكيل مطلق الحرية في
التصرف ما لم يشترط الموكل غير ذلك أو كانت الوكالة خاصة، حيث تنحصر صلاحيات
الوكيل فيما وُكل من أجله. ورغم أن الوكيل يظهر في التصرف كأنه طرف مستقل يتعاقد باسمه
الخاص لا باسم الموكل، ورغم أن القانون اشترط في الموكل كمال الأهلية، إلا أنه
اكتفى في الوكيل ببل وغ سن التمييز فقط، وبذلك فإن الوكيل يحق له أن يجري لحساب
غيره ما يعجز عن إجرائه لنفسه.
-
ضرورة تقيد الوكيل بتعليمات
الأصيل: الأصل أن الوكيل في نيابته عن الموكل يقتصر دوره على تمثيله فيما سطره له
من مهام عامة أو خاصة، ولا يجوز له تجاوزها إلا في حالات استثنائية: إذا أقرها
الموكل ولو ضمنيا، إذا استفاد الموكل من التصرف، إذا أبرم الوكيل التصرف بشروط
أفضل مما تتضمنه تعليمات الموكل، إذا كان الفرق يسيرا يتُسامح في تجاوزه عرفا أو
في التجارة.
-
ضرورة بيان الوكيل لهويته
القانونية: يتوجب على الوكيل أن يبن في جميع التصرفات القانونية التي يبرمها بموجب
الوكالة صفته القانونية كوكيل، وفي حالة إغفاله ذلك وإيراد اسمه الشخصي دون صفته
كوكيل فإن التصرف يعتبر ملزما له كما لو أنه تصرف باسمه ولحسابه الخاص، حيث تبقى
آثار الوكالة منحصرة بينه وبين موكله، أما الغير المتعاقد معه فلا تربطه أية علاقة
قانونية بالأصيل.
نشير في ختام هذه
النقطة إلى أنه رغم أن المشرع المغربي لم يوفر حلا لمسألة تعاقد الوكيل مع نفسه
بموجب الوكالة، إلا أنه طبقا للقواعد العامة، لاسيما حماية استقرار المعاملات
والمنطق القانوني الذي يفرض استحضار عوامل الريبة والشك التي تنتاب هذا النوع من
التصرفات، مما يفضي لعدم جواز هذا التصرف، ويُلحق بذلك النيابة عن طرفي عقد في نفس
الوقت، بأن يعبر عن الإيجاب ويعبر عن القبول، فيكون قد أبرم العقد بمفرده.
المطلب الثاني : أشكال التعاقد التمهيدية :
لسبب أو لآخر قد لا يتمكن
المتعاقدين من إبرام العقد النهائي فورا، فيلجآن إلى بعض أشكال التعاقد التمهيدية،
والتي من أبرزها :
الفقرة الأولى : التعاقد بالعربون :
أولا : مفهوم العربون :
يعُد العربون من
أهم الأدوات القانونية لحماية حقوق المتعاقدين، لدا فقد عرفه المشرع المغربي في
الفصل 288 من ق.ل.ع الذي بأنه: هو ما يعطيه أحد المتعاقدين للآخر بقصد ضمان
تنفيذ تعهده. وقد تنازع تعريف العربون مدرستان الأولى ذات أصل لاتيني ترى أن
العربون مجرد أداة عدول عن التعاقد، يمكن بمقتضاها لكل من المتعاقدين أن يتراجعا
مقابل فقد من أعطاه أو رده مضاعفا ممن تسلمه.
أما المدرسة الثانية فذات أصل
جرماني وترى أن العربون علامة على إبرام العقد، وأي تراجع عن التنفيذ يستوجب الفسخ
مع ثبوت الحق في التعويض عن الضرر الذي تقدره المحكمة.
ثانيا: أحكام التعاقد بالعربون :
وواضح أن المشرع المغربي
خلافا لجل التشريعات العربية تأثر بمبادئ النظرية الجرمانية، من خلال الفصلين 289 و290
من ق.ل.ع، إذ ورد في الأول أنه: إذا نفذ العقد خصم مبلغ العربون مما هو مستحق على
من أعطاه. فمثلا إذا كان من أعطى العربون هو المشتري أو المكتري، خصم من ثمن البيع
أو الكراء.
وإذا كان من أعطى العربون هو البائع أو المكري ونفذ العقد، وجب رده كما يجب
رد العربون أيضا، إذا ألُغي العقد بتراضي عاقديه.
وهذا يدل على أن المشرع
المغربي أخذ بالعربون كعلامة على إبرام العقد، واعتبر دفع العربون تعاقد حقيقي،
حيث اعتبر جزءا من الثمن أو السومة الكرائية وجب خصمه من، كما اعتبر أداة التزام
في عاتق المشتري أو المكتري إذا كان هو من قبضه يتعين رده وتنفيذ التزامه التام
بدفع الثمن أو الوجيبة الكرائية.
وإذا لم ينفذ العقد برضا الطرفين يجب رد العربون إلى دافعه، فهو ليس أداة
عدول.
كما نص الفصل 290 من ق.ل.ع على أنه: إذا كان الالتزام غير ممكن التنفيذ أو إذا فسُخ بسبب خطأ الطرف الذي أعطى العربون كان لمن قبضه أن يحتفظ به ولا يلزم برده إلا بعد أخذه التعويض الذي تمنحه المحكمة إذا اقتضى الأمر ذلك. ومعنى ذلك أنه إذا استحال تنفيذ الالتزام لأي سبب كان، أو فسُخ العقد نتيجة لخطأ من دفع العربون، فإن من قبضه يحق له الاحتفاظ به، لكن ليس مقابلا لعدم تنفيذ الالتزام المستحيل ولا مقابلا لتراجع دافع العربون، وإنما يتعين عليه رده بعد قبضه للتعويض الذي تحكم به له المحكمة عما لحقه من ضرر جراء عدم تنفيذ الالتزام في إحدى الحالتين، فيمكن بذلك إجراء مُقاصة بين مبلغ العربون ومبلغ التعويض الذي تحكم به المحكمة، إذا كان التعويض أقل من العربون، يقوم برد الجزء الزائد من العربون عن التعويض، وإذا كان التعويض أكبر، يحتفظ بالعربون ويأخذ الفرق لاستكمال التعويض المحكوم به لفائدته.
الفقرة الثانية : عقد الوعد :
أولا : تعريف عقد الوعد :
يمكن تعريف عقد الوعد، عقد تمهيدي بأنه عقد
يلتزم بمقتضاه أحد المتعاقدين بإبرام العقد الموعود به في المستقبل وحول موضوع
متفق بشأنه متى أظهر الموعود له رغبته في التعاقد خلال مدة معينة.
ومن صوره أن يقدر المستأجر
الذي أدخل تحسينات مكلفة على العين المؤجرة بأن من مصلحته شراءها، فيعمد في انتظار
تجهيز ثمنها إلى الحصول على وعد من مالكها بأن يبيع له العين إذا هو أبدى رغبته في
ذلك خلال أجل معين.
تجدر الإشارة إلى أن عقد
الوعد قد يكون ملزما لجانب واحد إذا كان الالتزام موضوع العقد يتعهد أحد
المتعاقدين فقط بتنفيذه خلال المدة المتفق عليها يسمى الواعد، حيث لا يرتب أي
التزام مقابل في ذمة الموعود له. وقد يكون عقد الوعد من صنف العقود الملزمة
لجانبين متى رتب التزامين متقابلين في ذمتيهما معا بأن يلتزم أحد الطرفين ببيع شيء
معين إذا ما عبر المشتري عن رغبته في الشراء، كما يلتزم في نفس الوقت المشتري
بالشراء إذا ما عبر البائع عن رغبته في البيع خلال الأجل المتفق عليه، فيكون كل
طرف واعد وموعود له في نفس الوقت أو كما يطلق عليه بعض الفقه اسم عقد التواعد. غير
أن هذا الأخير نادر الوقوع من الناحية العملية مقارنة بعقد الوعد الملزم لجانب واحد.
وجدير بالتأكيد أن المشرع
المغربي لم ينظم الأحكام الخاص لعقد الوعد رغم أهميته البالغة وشيوع التعامل به
خاصة في مجال التصرفات العينية العقارية، الأمر الذي يخلق متاعب جمة للقضاء الذي
يعتمد في شأنه المبادئ العامة وبعض النصوص المتناثرة في ق.ل.ع.
وهكذا يستنتج من مفهوم مخالفة
نص الفصل 14 من ق.ل.ع أن الوعد غير المجرد أي الوعد المحدد الموضوع والشروط
والمقبول من طرف الواعد والموعود له ينشئ التزاما في ذمة الواعد.
هذا ويتعين تمييز عقد الوعد عن الإيجاب الملزم وعن العقد المعلق على شرط
واقف:
- إذا كان عقد الوعد يمهد لإبرام عقد نهائي متى عبر الطرف
الثاني عن رغبته في التعاقد، والإيجاب الملزم أيضا يفضي إلى إبرام العقد النهائي
إذا عبر الموجب له عن قبوله للتعاقد خلال الأجل المحدد، إلا أن الوعد يعتبر عقدا
قائم الذات سبق لإنشائه اقتران إيجاب الموعود له بقبول الواعد، بينما الإيجاب
الملزم أي المقيد بأجل لا يرقى إلى مرتبة العقد، حيث لم يقترن بعد بالقبول.
ومن جهة ثانية فإن العقد
النهائي ينعقد في الإيجاب الملزم فور اقترانه بالقبول بغض النظر عن نكول وتراجع
الموجب عن إيجابه المقيد بأجل، أما عقد الوعد فلا يفضي مباشرة إلى إبرام العقد
النهائي إذا تراجع الواعد عن وعده، وإنما يلزم مراجعة المحكمة لاستصدار حكم قضائي
بذلك ويكون تاريخ انعقاد العقد هو تاريخ صدور الحكم.
وإذا كان كل من عقد الوعد
والعقد المعلق على شرط واقف يحدثان أثرهما في تاريخ لاحق هو إبداء رغبة الموعود له
في التعاقد والذي يعت بر تاريخ نشوء العقد النهائي، وتحقق الشرط الواقف في العقد
الثاني الذي يعتبر بدوره تاريخ نفاذه، إلا أن عقد الوعد يتوقف حدوث أثره المتمثل
في إبرام العقد النهائي على إرادة الموعود له وينشأ عقد جديد، أما في العقد المعلق
على شرط واقف في آثاره مرتبطة بحدوث أمر مس تقبل محتمل لا علاقة له بإرادة الطرفين
إن حدث رتب العقد أثره وإن لم يحدث لم ينفد العقد، ولا يترتب عن تحقق الشرط الواقف
نشوء عقد جديد وإنما تنفيذ العقد المعلق على الشرط ليس إلا.
ثانيا : أركان عقد الوعد :
عقد الوعد كأي عقد وإن كان
تمهيديا، لا يقوم صحيحا إلا إذا كان مستجمعا لكافة الأركان العامة للتعاقد من رضا
ومحل وسبب.
وهكذا يجب أن يتفق المتعاقدين
على جميع العناصر الجوهرية للعقد النهائي الذي سينبثق عن عقد الوعد كعقد تمهيدي.
كما يجب أن تكون إرادة الواعد
إرادة مميزة أهلة لإبرام التصرفات القانونية وقت إبرام عقد الوعد، أما الموعود له
فأهليته للتعاقد محل اعتبار في تاريخ إبرام العقد النهائي وليس التمهيدي، إذا كان
ملزما لجانب واحد، أما عقد التواعد فيشترط فيه كمال أهلية عاقديه معا وقت إبرامه.
إضافة طبعا إلى ضرورة خلو
الإرادة من أي عيب يشوبها من عيوب الرضا من غلط أو تدليس أو إكراه، وذلك وقت صدور
الوعد. إلى جانب الأركان العامة، فإن طبيعة عقد الوعد كعقد تمهيدي يوطئ لإبرام
العقد النهائي خلال المدة المتفق عليها، يجعله عقدا مؤقتا بطبيعته، الأمر الذي
يحتم توافر ركن خاص في هذا النوع من العقود هو تحديد مدة الوعد، والتي يبقى خلالها
التزام الواعد قائما، على أن يتحلل من هذا الالتزام ويسقط الوعد فور انصرام المدة
إذا لم يعبر الموعود له عن رغبته في إبرام العقد النهائي خلالها.
وبالنتيجة، فحسب بعض الفقه
يعتبر عقد الوعد الملزم لجانب واحد باطلا إذا خلى من تحديد المدة، باعتبارها ركن
خاص فيه، أما إذا كان ملزما لجانبين فإنه لا يعتبر عقد وعد أو تواعد وإنما في
حقيقته عقدا نهائيا مرتبا لجميع آثاره دون أدنى اعتبار للفظ المستعمل في تسميته.
ونعتقد خلافا لهذا الرأي
الفقهي، أن عقد الوعد باعتباره عقدا تمهيديا فقط لا يمكن أن يكيف على أنه
عقدا نهائيا لاختلاف مضمون العقدين،
فالوعد موضوعه هو التعهد بتنفيذ الوعد بإبرام العقد النهائي ،أما العقد النهائي
فيتحدد في ضوء طبيعته وموضوعه بيع أو إيجار أو عمل أو قرض أو مقاولة ،....لذلك فلا
يمكن التسليم بهذا الطرح واعتبار عقد التواعد الخالي من تحديد المدة عقدا نهائيا،
بل الصواب في رأينا هو اعتباره عقدا باطلا، لأن المدة ركن خاص في الوعد كعقد
تمهيدي، وتخلف الركن في التعاقد سواء أكان خاصا أم عاما يرتب بطلان الالتزام.
ويضيف بعض الفقه اقتباسا من
بعض التشريعات التي نظمت الأحكام الخاصة بهذا العقد ركن خاص آخر، وهو ركن الشكلية
متى كان يمهد لإبرام عقد نهائي شكلي.
غير أننا لا نوافق هذا الرأي،
لأن الشكلية ركن خاص لا يتقرر إلا بنص خاص، كما ان الشكلية استثناء من الرضائية
والاستثناء لا يقاس عليه، والحال أنه أمام سكوت المشرع عن تنظيم عقد الوعد لا يمكن
التسليم بهذا الشرط في ظل القانون المغربي.
الفقرة الثالثة : العقد الابتدائي :
يعتبر العقد الابتدائي أبرز عقد في إطار العقود
التمهيدية والأكثر تداولا، خاصة في مجال البيوع العقارية الممولة بواسطة قرض بنكي
وكذا في البيوع المنصبة على عقارات في طور الإنجاز، لأن هذين الصنفين من العقود يكون فيهما الإبرام المباشر
للعقد النهائي غير ممكن لأن المشتري الذي يرغب في أخذ قرض يمول به عملية الشراء لا
يملك الثمن اللازم لإبرام العقد النهائي مباشرة، وإنما هو في حاجة إلى عقد ابتدائي
يستند عليه لسلوك إجراءات القرض البنكي، كما أن العقار الذي هو في طور الإنجاز
البائع لا يمكنه إبرام عقد البيع النهائي والحال أن العقار لم يكتمل بناؤه ولم
يحصل بعد على رخصة السكن، لذا غالبا ما يقوم الموثق بإبرام عقد ابتدائي يتضمن جميع
شروط العقد النهائي الذي يثبت حقوق والتزامات الطرفين ،في انتظار جاهزيتهما لإبرام
العقد ال نهائي.
وبالتالي، فإن العقد
الابتدائي هو العقد الذي يتفق بموجبه الطرفين على جميع الشروط الأساسية للتعاقد مع
تحديد أجل لإبرام العقد النهائي، وذلك لمواجهة الاعتبارات التي تحول دون الإبرام
الفوري للعقد النهائي.
ونظرا للبس الذي قد يكتنف التمييز بين العقد الابتدائي وعقد الوعد، فإننا
نقدم المقارنة التالية:
من مظاهر التشابه بين العقدين
أن كلا منهما يعتبر عقدا قائم الذات، يتطلب نشوئه صحيحا توافر جميع الأركان العامة
للتعاقد، مع إضافة ركن خاص فيهما معا وهو لزوم تحديد مدة أو أجل لإبرام العقد النهائي،
لأن كلاهما عقد تمهيدي، العقد التمهيدي بطبيعته مؤقت ولا يمكن أن يكون مؤبدا.
كما يتميزان معا بأن آثارهما
متوقفة على تنفيذ الالتزام المتمثل في إبرام العقد النهائي. وأيضا فإن تراجع
الواعد عن تنفيذ وعده أو تراجع أحد طرفي العقد الابتدائي عن تنفيذ التزامه يسمح
للطرف الثاني بمراجعة المحكمة لاستصدار حكم يكون بمثابة العقد النهائي.
بيد أن من أهم مظاهر الاختلاف
بينهما، أن عقد الوعد يمكن أن يكون ملزم للطرفين أو ملزما لجانب واحد، أما العقد
الابتدائي فالأصل فيه أنه ملزم لجانبين. وبالتالي فإن الواعد يظل ملتزما بوعده
طيلة مدة الوعد إلى ان يعبر الموعود له عن رغبته في إبرام العقد النهائي، أما في
العقد الابتدائي فإنه خلال مدته المحددة يكون كلا المتعاقدين ملتزمين بإبرام العقد
النهائي عند حلول أجله.
تعليقات
إرسال تعليق