القائمة الرئيسية

الصفحات

الجزء الاول من مادة العلوم القانونية


الفصل الأول : موضوع القاعدة القانونية

تقديم

يشكل المدخل لدراسة أي علم من العلوم بمثابة بطاقة التعريف الخاصة به، ووقوف عند المفاهيم الأساسية المرتبطة به والخصائص التي تميزه عن غيره، وتقسيماته التي يمتاز بها، وتمهيدا للخوض في جزئياته.

تعتبر مادة المدخل للعلوم القانونية حلقة الوصل التي تربط بين جميع فروع العلوم القانونية سواء تعلق الأمر بفروع القانون الخاص أو العام أو الفروع المختلف في شأنها، وعليه يصعب على الباحث والمهتم بالدراسات القانونية استيعاب المفاهيم المرتبطة بها دون الوقوف عند المبادئ العامة المعنى اللغوي للقانون

يقصد بكلمة القانون لغويا كل قاعدة مستقرة، متداولة وراسخة في أذهان الناس أو سلوكياتهم، كما يفيد أيضا النظام، والنظام معناه أن تسير الأمور على وجه مستمر ومستقر وثابت، يقال قانون الكون ویراد به نظام الكون ودوران الكواكب وتعاقب الليل والنهار.

المعنى الاصطلاحي للقانون أما المعنى الخاص فيطلق لفظ قانون على كل قاعدة أو مجموعة من القواعد القانونية التي تصدر عن السلطة التشريعية في الدولة، والتي تستهدف آنذاك مجالا معينا، وعليه نقول القانون التجاري الذي يقصد به ذلك الفرع من فروع القانون الخاص الذي يستهدف التجار والأنشطة التجارية...

وظائف القاعدة القانونية

أولا : تنظيم المجتمع ومنع الفوضى

جعل العلاقات الرابطة بين أفراد المجتمع خاضعة لمشيئة كل طرف، وإطلاق الحرية في جميع المعاملات، يغلب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة آنذاك تصبح الغلبة للقوي، وحينئذ تعم الفوضى ويسود الاضطراب وينعدم الأمن والسلام الأمر الذي يهدد كيان المجتمع، وعليه كانت ضرورة فرض قواعد تضبط الرغبة في تحقيق المصلحة الخاصة، وتمنع الغرائز العدوانية.

ثانيا : الحفاظ على الأخلاق

يعمد القانون إلى حفظ القيم الأخلاقية التي تسود بالمجتمع باعتماد قواعد قانونية تتضمن في حيثياتها قيما أخلاقية سائدة بمجتمع معين، على غرار رفض الأخلاق للعلاقات الجنسية خارج إطار رابطة الزواج جعل المشرع المغربي يعمد إلى تجريمها ومعاقبة مرتكبيها في حالة التلبس.

ثالثا : الرقي بالمجتمع

تنبغي الإشارة إلى أن العلاقة الرابطة بين القانون والحياة داخل المجتمع هي علاقة وثيقة، إذ لا يمكن أن ينشأ إلا بوجود مجتمع، تتولى تنظيمه قواعد موضوعها علاقات الأفراد المكونين له، كما أنه لا يمكن الرقي إلا بوجود قواعد قانونية للوصول إلى الغاية المستهدفة.

رابعا : التوازن بين المصلحة العامة والخاصة

يصبح البحث عن تحقيق التوازن بين المصلحة الفردية والجماعية هو هاجس جميع التشريعات، والتي تسعى إلى انصهار كل من الفرد والجماعة في نفس المنظومة القانونية.

نشأة وتكوين القاعدة القانونية

عرفت نشأة القاعدة القانونية عدة نقاشات فلسفية تبحث عن أصل القانون وكيفية إكسابه القوة الملزمة، الشيء الذي أدى إلى تنوع المدارس، منها ما يعيد القوة الملزمة للقانون الطبيعي والمثل العليا التي تؤمن بها الشعوب، ومنها ما ربطت القانون بالمجتمع والقواعد والعادات والأعراف والتي أضحت مع الوقت قانونا. سنقتصر على بعض المدارس الخاصة بنشأة القواعد القانونية:

مدرسة القانون الطبيعي

يعتبر القانون الطبيعي مجموعة من القواعد يفرضها العقل أو النظام الطبيعي للأشياء أو الطبيعة البشرية، وليس الدولة أو المجتمع،

وعليه تكتسب القواعد القانونية شرعيتها بمطابقتها للمثل والقيم العليا، وبالمقابل مخالفتها تؤدي إلى فقدان الشرعية.

وفي هذا السياق اعتبر القانون الوضعي شيئا نسبيا ومتغيرا لارتباطه بالأفراد والمجتمع، والقانون الطبيعي حسب أرسطو هو المبدأ الأعلى للعدل تقتضيه طبيعة الأشياء، وهو دائم وكوني، وهو أساس القانون الوضعي.

الانتقال من الحرية المطلقة التي يضمنها القانون الطبيعي، والذي يجد أساسه في المثل العليا والقيم إلى الحرية المنظمة والمقيدة، دفع

إلى البحث عن نظرية العقد الاجتماعي التي تركز على وجود اتفاق بين الحاكم والمحكوم من أجل تنظيم حياة المجتمع.

ويمكن أن نلخص موقع القانون الطبيعي عند اليونان بالفلسفة، إذ تم الدخول في النقاشات الفلسفية من قبيل أن القانون الوضعي يجب أن يحترم القانون الطبيعي الأزلي، وبفكرة العدالة عند الرومان، إذ لا يمكن تصور عدالة القانون الوضعي دون امتثاله للعدالة الطبيعية، ودينا روحيا إلاهيا عند رجال الكنيسة في العصور الوسطى، إذ يشكل هذا التوجه قانونا إلاهيا موحى به لا يدركه العقل البشري -

عرفت نظرية القانون الطبيعي تطورا مع فلاسفة العقد الاجتماعي توماس هوبز جون جارك روسو ...) الذين عملوا من خلال نظرية

العقد الطبيعي على البحث عن أصل القاعدة القانونية، وأساس شرعيتها، والسبب في إطاعة الأفراد لهذه القواعد، وأن القانون وجد

من أجل تحقيق ما ينشده الأفراد، والدولة وجدت من أجل السهر على تحقیق صالح الأفراد وحمايتهم.

وقد أدت النقاشات السالفة الذكر إلى الانتقال من قانون طبيعي إلى الحقوق الطبيعية، والتي ترتبط بالفرد منذ ولادته، كما أصبح النقاش يدور حول علاقة المحكوم بالحاكم، وعن قدر الحقوق التي تم التنازل عنها من طرف الفئة الأولى لصالح الثانية أو الهيئة الحاكمة.

تأثرت الثورة الفرنسية بالنقاشات السالفة الذكر، وبمجرد نجاحها بادرت إلى إصدار إعلان اشتهر بإعلان حقوق الإنسان والمواطن، والمتبوع بتصريح حقوق الإنسان لسنة 1793، تم التركيز فيهما على حقوق الإنسان وفق ما هو مضمن بالنظرية الطبيعية والمذاهب الفردية، من قبيل التنصيص على أن الناس يولدون أحرار ومتساوين في الحقوق، غاية كل جماعة المحافظة على الحقوق الطبيعية الدائمة للمواطن.

أمام الانتقادات التي وجهت للتوجهات التي عرفها القانون الطبيعي برز هذا الأخير في حلة جديدة على يد الفقيه الألماني ستاملر والفقيه الفرنسي سالي، والذي أطلق عليه " القانون الطبيعي ذي المضمون المتغير" .

تقوم نظرية القانون الطبيعي ذي المضمون المتغير على فكرة السعي نحو العدالة، لكن المضمون متغير من حضارة لأخرى، وتخضع لنظرة تلك الحضارة في تحقيقها لمبادئ العدالة، وعليه لا نصبح أمام قواعد كونية أزلية كما كان يسود الاعتقاد سابقا، فما يطلق عليه قانون طبيعي في عصر من العصور أو بالنسبة لشعب من الشعوب قد لا يعتبر كذلك بالنسبة لشعب أخر في عصر آخر.

تمت إزاحة مفهوم الثبات والجمود التي ألصقت بالقانون الطبيعي، وأصبحنا نتكلم عن قواعد قابلة للتغيير من حضارة لأخرى، وعليه قد يعد أمر معين بمثابة عدل في زمان ومكان معينان، لكن لا يعتبر كذلك في مكان وزمان مختلفان.

وقد وجهت لهذه النظرية انتقادات شديدة من قبيل نعتها "بزجاجة فارغة زينت بلافتة جميلة " ، وأنها مجموعة من الأفكار المتناقضة،

وأنها أفرغت نظرية القانون الطبيعي من محتواها.

المدارس الوضعية

يطلق عليها أيضا المدارس الشكلية ترتكز على مبادئ مفادها أن القانون ما هو إلا عمل المشرع وإرادة الدولة في التنظيم، وذلك من منطلق أن الدولة هي التي تضع القوانين المعتمدة، والتي تعتبر ملزمة لأفراد المجتمع، وعليه فهي تتعارض مع فكرة القانون الطبيعي، وتعتبر أيضا أنه لا وجود لأي قانون آخر إلا ذلك المطبق فعلا في زمن محدد ومجتمع معين ومن أهم المذاهب الشكلية أو الوضعية نجد:

نظرية كلسن

جعل الفقيه النمساوي كلسن الدولة بمثابة مجموعة من من النظم والضوابط والعلاقات السياسية، الاقتصادية الاجتماعية، والإدارية،  ومن أجل قيامها بمهام الضبط، والفرض مبادئها السياسية تحتاج أداة إجبار، وهذه الأداة ليست سوى القانون، لذلك فالقانون حسب كلسن ليس سوى الدولة، والدولة هي القانون أي أنهما يتطابقان، فمتى تحدثنا عن القانون نقصد الدولة، والعكس صحيح .

وقد تعرضت نظرية كلسن للانتقاد، وذلك من منطلق أن فكرة المزج بين الدولة والقانون جعلها لا تبحث عن مصدر القانون، مما جعل الهرم المعتمد دون سند واقعي يؤكد النظرية المعتمدة.

نظرية أوستن

جعلت نظرية أوستن القانون بمثابة قاعدة وضعت لتوجيه سلوك كائن مدرك من قبل كائن مدرك آخر له سلطان عليه، وعليه لا يمكن تصور القانون إلا بوجود مجتمع منظم سياسيا، ووجود حاكم ومحكومين، وجزاء يسمح بإلزام المحكوم دون النظر إلى نظام الحكم السائد، ويبقى الأساس وجود نظام تستطيع معه الدولة إرغام أفراد المجتمع على تطبيق القانون.

على الرغم من المزايا التي ميزت نظرية أوستن من خلال بساطتها ووضوحها، من خلال اعتبارها القانون هو إرادة الحاكم، فإن ذلك لم يمنع من بروز العيوب: جعل التشريع المصدر الوحيد يخالف الواقع، الذي يتمثل في كونه المصدر الأساسي وليس الوحيد؛ نفي صفة القانون عن القانون الدولي العام، يتنافى مع وضع هذا الأخير، خاصة في ظل وجود هيئة دولية.

نفي صفة القانون عن القانون الدستوري من منطلق أن الحاكم غير ملزم بتطبيقه، ولغياب الجزاء في مواجهة مخالفه، توجه يمكن الرد عليه أن القانون الدستوري هو أسمى قانون؛ اعتماد نظرية أوستن على التفسير الذي يتلاءم مع توجه الحاكم قد يؤدي إلى جمود القواعد القانونية في ظل التغيرات الاجتماعية التي يشهدها المجتمع.

نظرية الشرح على المتون

تعود نشأة نظرية الشرح على المتون إلى مطلع القرن التاسع عشر، وقد جعل أنصار هذه النظرية النصوص التشريعية ذات مكانة عالية، وعليه فهي تلتقي مع نظرية أوستن من حيث جعل التشريع أساس القانون ومصدره الوحيد، وتقوم على أساس تقديس النصوص التشريعية.

وقد سميت بمدرسة الشرح على المتون لكونها تركز فقط على إرادة المشرع دون التوغل في الآفاق النظرية، كما لا تعمد إلى تحليل القانون تحليلا فلسفيا إذ يتم تفسير النصوص بالرجوع إلى إرادة واضعها، أي الاتجاه إلى الإرادة الحقيقية أو المفترضة للمشرع وقت وضع النصوص لا وقت تفسيرها.

وجهت لمدرسة الشرح على المتون مجموعة من الانتقادات التي تشترك فيها مع المدارس الأخرى، من قبيل أنه إذا كان من المهم الاستعانة بإرادة المشرع في تفسير النصوص القانونية، فذلك لا يعني التعمق في تلك الإرادة بشكل قطعي، وإنما يقتضي الأمر الخوض في الظروف المحيطة .

المدارس الواقعية

تتعدد المدارس الواقعية، والتي تركز على فكرة أساسية هي أن القانون نتاج المجتمع، وإن كانت مختلفة فيما بينها في التفاصيل، والتي تتمثل في المدارس التالية:

المذهب التاريخي

برز المذهب التاريخي في القرن الثامن عشر لدى مجموعة من المفكرين الفرنسيين، ومن ذلك ما أشار إليه المفكر الفرنسي "مونتسكيو في كتابه "روح الشرائع من أنه ينبغي أن تكون القوانين خاصة بالشعب الذي تخلق له، وعليه يجب أن تساير القوانين طبيعة المجتمع الذي تنشأ فيها، وطبيعة الحياة التي يعيشها أفراد هذا المجتمع، ودين السكان وأخلاقهم وعاداتهم.

هذا، ويعتبر الفقيه سافيني الرائد القانوني لهذه المدرسة، وقد اعتبر القانون من صنع الزمن وحصيلة الماضي، وهو نتاج التطور التاريخي للجماعة ووليد حاجاتها التي تختلف من جيل إلى جيل على مر الزمن دون تدخل الإرادة الإنسانية.

ويمكن تحديد مقومات المدرسة التاريخية فيما يلي:

القانون وليد حاجة المجتمع، ويتأثر بالظروف المحيطة به مع مرور الزمن، وليس وليد إرادة الحاكم كما يقول أوستن؛ 

الاعتماد الكبير على العرف في التقنين لكونه المصدر الأمثل للقانون، وتعبير صادق عن ضمير المجتمع، وباعتباره القانون غير المكتوب الذي ينبع من الجماعة ذاتها؛ ضرورة اعتماد المشرع أثناء سن القوانين على التجارب الماضية والواقع المعيشي لأفراد المجتمع، واستحضار التصورات المستقبلة.

انتقادات

- وفي مقابل ذلك وجهت للمدرسة التاريخية انتقادات يبقى أبرزها: إغفال دور الإنسان ونشاطه في صناعة القوانين والتشريعات، نظرا لكون القانون ينشأ انطلاقا من إرادة الإنسان في توجيه وتسيير الجماعة؛

- الإسراف في الاعتماد على الظروف الاجتماعية لكل جماعة، وإغفال الإرادة الواعية التي تحكم تصرفات الإنسان وسلوكه الاجتماعي؛

- الاعتماد على العرف كمصدر وحيد للقانون لا يستقيم مع التوجهات الحديثة للمجتمعات، الشيء الذي يفرض ضرورة تدخل الإرادة الواعية.

مذهب التضامن الاجتماعي

شهدت أواخر القرن التاسع عشر بروز مذهب التضامن الاجتماعي، والذي تم تبنيه من طرف الفقيه الفرنسي ليون ديجي، حاولت هذه المدرسة أن تتعامل مع القانون بمنطق الطريقة العلمية المتبعة في مجال العلوم الطبيعية، والتي ترتكز بالأساس على تسجيل الملاحظة، وتأييد ذلك عن طريق التجربة.

جعل ديجي نظريته ترتكز على أن الإنسان اجتماعي بطبعه لا يمكن له العيش إلا داخل الجماعة، وأن أفراد المجتمع الواحد تفرض عليهم طبيعة الحياة المشتركة التضامن .

التضامن يتجلى فيما يلي: تضامن بسبب التشابه في الحاجيات والأحاسيس والميول مما يفرض على أفراد المجتمع العيش سوية ضمن رابطة مشتركة، وهذا ما يسميه ديجي بالتضامن؛

تضامن بسبب التقسيم في العمل انطلاق من الاختلاف في القدرات الخاصة بكل فرد داخل المجتمع، فذلك يقتضي تبادل الخدمات وتقسيمها بينهم، وهذا ما يسميه ديجي بالتضامن في تقسيم العمل.

وقد تعرضت نظرية التضامن الاجتماعي لانتقادات يبقى أبرزها أن الاقتصار في إخضاع القانون للمنهج الواقعي الذي تؤيده التجربة، لم يأخذ بعين الاعتبار طبيعة القانون والوظيفة التي يسعى إليها، كما أن افتراض التضامن يصدم بالنزاع الذي قد يحدث أثناء سعي الأفراد تحقيق المصالح الشخصية الشيء الذي يصبح معه التضامن مجرد افتراض.

نشاة وتكوين القاعدة القانونية

مذهب العلم والصياغة

أمام اختلاف المدارس التي تناقش أساس القانون، حاول بعض الفقهاء وفي مقدمتهم الفقيه الفرنسي جيني اعتماد مذهب يجمع النقاط والآراء الصحيحة التي تضمنتها باقي المذاهب، وأقام نظريته على جعل أساس القانون هو المزج بين ما هو عقلي وعلمي.

ويرتكز مذهب العلم والصياغة على عنصرين، جوهر القانون الذي يقدم الحقائق التي يمكن أن تصبح أساس بناء قواعد قانونية ملائمة، وشكل القانون أي الصياغة الذي يتيح لنا أن نصوغ هذه القواعد القانونية بشكل معين يجعلها صالحة للتطبيق العملي.

جوهر القانون

أطلق جيني على جوهر القانون مصطلح " العلم" القاعدة القانونية بأربعة حقائق  حيث تعتبر هذه الحقائق بمثابة عوامل تؤثر في تكوين القواعد القانونية أي أسس تبنى عليها هذه القواعد.

الحقائق الواقعية : المراد بهذه الحقائق تلك الظروف والمعطيات التي تحيط بأفراد المجتمع، والتي تؤثر في سن المقتضيات القانونية

الحقائق التاريخية : تصبح القواعد الماضية صالحة لكي يستفاد منها في ضبط نشاط الأفراد داخل الجماعة

الحقائق العقلية : يحتاج تكوين القاعدة القانونية للحقائق العقلية التي يتم يستخلصها العقل البشري من طبيعة الإنسان وعلاقته بغيره

من أفراد الجماعة

الحقائق المثالية: تشكل الحقائق المثالية الأهداف التي يطمح إليها كل مجتمع ويعمل على تحقيقها والتي تختلف باختلاف الجماعة، كما تختلف باختلاف الزمان والمكان

شكل القانون

يقصد بشكل القانون الصياغة التي يجب أن يتم اعتمادها عند إخراج القواعد القانونية، والتي تمنح القانون الشكل الذي تصلح معه قواعده للتطبيق ولتنظيم الروابط الاجتماعية، الشيء الذي يجعل الصياغة أساس نجاح القاعدة القانونية في تحقيق هدفها.

رغم محاولة مدرسة العلم والصياغة في التوفيق بين المدارس

وظائف القاعدة القانونية المختلفة لتفسير أساس القاعدة القانونية، فذلك لم يجعلها تسلم من نشأة وتكوين القاعدة القانونية النقد، والذي انصب على الجانب العلمي الذي تتصف به، فإذا كانت

خصائص القاعدة القانونية

تتميز القاعدة القانونية بالعديد من الخصائص التي تميزها عن باقي القواعد، ويبقى أبرزها:

قاعدة سلوك اجتماعية

يطلق على القاعدة القانونية أنها قاعدة سلوك اجتماعي، لأنه لا يمكن تصور سنها إلا بوجود مجتمع يعيش فيه الناس وينشطون وتربطهم نشأة وتكوين القاعدة القانونية ببعضهم علاقات وروابط شتى تستلزم التنظيم والضبط، وعليه فهي خصائص القاعدة القانونية ترتبط بوجود المجتمع أيا كان شكله.

كما أن القواعد القانونية ومن منطلق اعتبارها قواعد اجتماعية ترتبط بالمجتمع وتطور حاجياته، يجعلها دائمة التغيير، وذلك لمواكبة التطورات التي تشهدها معاملات المجتمع، أو بالنظر إلى طبيعة الإشكاليات التي قد تطرح مع مرور الزمن، الشيء الذي يجعل المقتضيات المعمول بها غير ذات جدوى في حالة لم تواكب حاجيات المجتمع.

تؤدي خاصية أن القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعية إلى اختلاف القوانين بين الدول، فالقواعد القانونية الخاصة بتنظيم الأحوال الشخصية تختلف بين المغرب وفرنسا مثلا، انطلاقا من فكرة أن القواعد القانونية قواعد اجتماعية ترتبط بالمجتمع.

قاعدة عامة ومجردة

تحقيق الاستقرار والعدل في مجتمع معين يرتبط بوجود قواعد قانونية تتسع أحكامها لتشمل جميع الأشخاص والوقائع التي قد تطرأ حالا أو في المستقبل.

يقصد بخاصية أن القاعدة القانونية عامة ومجردة أنها تستهدف جميع الأشخاص دون استثناء، وتشمل جميع الوقائع متى توفرت شروطها وأوصافها لا علاقة لذلك بواقعة بذاتها، ويمكن القول أن العمومية والتجريد خاصيتان، متلازمتان بل هما وجهان لخاصية واحدة، كما يرتبط التجريد بالصياغة والنشأة، أما العمومية فلها علاقة بالتطبيق.

القاعدة القانونية لا تخاطب شخصا معينا بالذات أو بالاسم، ولا واقعة معينة بالذات، بل بذكر الأوصاف التي يتعين توفرها في الأشخاص المعنيين بها، والشروط التي يجب توفرها في الوقائع، وذلك من منطلق أنه لا يمكن حصر الوقائع بذاتها والحالات الفردية، وأيضا للرغبة في تحقيق المساواة بين الأفراد والوقائع.

قد يوجه تطبيق القاعدة القانونية إلى فئة معينة دون باقي الفئات أو إلى إقليم معين دون باقي الأقاليم، أو إلى شخص معين بصفته ومع ذلك تحتفظ القاعدة القانونية بخاصيتها العامة والمجردة، ومثال ذلك ما ينص عليه المشرع المغربي من خلال المادة الأولى من مدونة التجارة التي تنص على أنه " ينظم هذا القانون القواعد المتعلقة بالأعمال التجارية والتجار".

قاعدة ملزمة

ترتبط خاصية أن القاعدة القانونية قاعدة ملزمة بالحاجة إلى تنظيم المجتمع عن طريق ضبط النظام وتحقيق الانسجام وإقرار العدل فيه، الشيء الذي يحد من سلطة الفرد داخل المجتمع ويرسم له الحقوق والواجبات.

وبهذا تصبح القاعدة القانونية قاعدة ملزمة، إذ لا يمكن أن نتصور رفض أو قبول الشخص تطبيق تلك القواعد أو أن تعمد إلى تقديم النصح والإرشاد، وإنما تلزم أفراد المجتمع على تطبيقها عن طريق الجزاء القانوني الذي توقعه الدولة، الشيء الذي يجعلها تختلف عن قواعد المجاملات والأخلاق التي تتلخص في تأنيب الضمير أو استقباح المجتمع لسلوك معين.

ويتميز الجزاء في القواعد القانونية بأنه ملموس، يؤثر على الشخص الذي خالف المقتضى القانوني، كما يمكن أن يتخذ الصور التالية:

الجزاء الجنائي

يشكل الجزاء الجنائي ردة فعل المجتمع اتجاه جرم أرتكب من طرف وظائف القاعدة القانونية أحد أفراده، وذلك نظرا لخطورة الفعل المرتكب على مصالح المجتمع نشأة وتكوين القاعدة القانونية الشيء الذي يفرض ضرورة التدخل من أجل ردع مرتكب الجرم خصائص القاعدة القانونية وإعطاء العبرة لباقي أفراد المجتمع. وهذه الجزاءات قد تتخذ شكل تمييز القاعدة القانونية عما يشابهها

أولا: العقوبات

جعل المشرع المغربي العقوبات إما أصلية يمكن الحكم بها لوحدها وظائف القاعدة القانونية دون إضافة عقوبة أخرى، أو إضافية لا يسوغ الحكم بها لوحدها:

أ: العقوبات الأصلية

العقوبات الجنائية الأصلية

- الإعدام؛

- السجن المؤبد ؛

- السجن المؤقت من 5 سنوات إلى 30 سنة؛

- الإقامة الجبرية؛

- التجريد من الحقوق الوطنية.

العقوبات الجنحية الأصلية

- الحبس من شهر إلى خمس سنوات باستثناء حالات العود التي تحدد لها مددا أخرى؛

- الغرامة التي لا تقل عن 1200 درهم.

- كما تنقسم الجنح إلى تأديبية وضبطية، والمعيار الفاصل بينهما السنتان حبسا أو الغرامة فحسب، فالجريمة التي تفوق عقوبتها كحد أقصى سنتين سميت جنحة تأديبية، أما التي تبلغ عقوبتها كحد أقصى سنتين أو أقل أو بغرامة تزيد عن 1200 درهم يطلق عليها جنحة ضبطية.

العقوبات الناتجة عن المخالفات :

يقل فيها الاعتقال عن شهر؛

- الغرامة بين 30 درهم وأقل من 1200 درهم.

ب: العقوبات الإضافية

وهي تلك العقوبات التي لا يسوغ الحكم بها لوحدها:

الحجر القانوني؛ التجريد من الحقوق الوطنية؛ الحرمان المؤقت من ممارسة بعض الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية؛ الحرمان النهائي أو المؤقت من الحق في المعاشات التي تصرفها الدولة والمؤسسات العمومية؛ المصادرة الجزئية للأشياء المملوكة للمحكوم عليه؛ حل الشخص المعنوي؛ نشر الحكم الصادر بالإدانة.

الحجر القانوني؛

التجريد من الحقوق الوطنية؛

الحرمان المؤقت من ممارسة بعض الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية؛

الحرمان النهائي أو المؤقت من الحق في المعاشات التي تصرفها الدولة والمؤسسات العمومية؛

ثانيا : التدابير الوقائية

يطلق عليها أيضا بالتدابير الاحترازية وتدابير الأمن والإجراءات المانعة، والهدف منها الدفاع عن المجتمع باعتماد إجراءات احتياطية تهدف الحيلولة دون وقوع الفعل الجرمي.

أختلف حول الطبيعة القانونية للتدابير الوقائية بين اعتبارها جزاء جنائيا أو مجرد إجراء أو معاملة أو إعادة للتأهيل، أم ذات طبيعة قضائية أم إجراءات إدارية، المشرع المغربي حسم الموضوع باعتبارها ذات طبيعة قضائية، وأخضعها لمبدأ الشرعية ولإشراف السلطة القضائية التامة عليها، والتي يمكن أن تأخذ إما تدابير وقائية شخصية أو عينية.

أ- التدابير الوقائية الشخصية:

- الإقصاء؛

- الإجبار على الإقامة بمكان معين؛

- المنع من الإقامة؛

- الإيداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية؛

- الوضع القضائي داخل مؤسسة للعلاج؛

- الوضع القضائي في مؤسسة فلاحية؛

- عدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو الخدمات العمومية؛

- المنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن سواء كان ذلك خاضعا لترخيص إداري أم لا؛

- سقوط الحق في الولاية الشرعية على الأبناء؛

ب التدابير الوقائية العينية

- مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها؛

- إغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة؛

الجزاء المدني

يمس الجزاء المدني الذمة المالية للشخص، ويتم توقيع هذا النوع من الجزاءات في حالة مخالفة قاعدة من قواعد القانون المدني سواء

كان لها طابع آمر أو تكميلي، وتختلف هذه الجزاءات حسب إرادة الطرف الدائن والتي قد تتخذ 

تعويض عن الضرر

يعمد أحد أطراف العلاقة التعاقدية إلى إلحاق الضرر بالطرف الثاني، ونظرا لاستحالة إرجاع الوضع إلى ما كان عليه في بعض الأحيان، يتم اللجوء إلى المطالبة بالتعويض تجعل الطرف المتضرر يحصل على تعويض عن ما لحقه من أضرار جراء الخطأ المرتكب، وذلك يرتبط بضرورة توفر شروط معينة.

إرجاع الوضع إلى ما كان عليه

يتم اللجوء في بعض الأحيان إلى هذا النوع من الجزاءات بغية إرجاع الوضع إلى ما كان عليه، وفي هذا الإطار نص المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود من خلال الفصل 963 على أنه " ... ب - إذا كان الشيء غير قابل للقسمة حق لباقي المالكين على الشياع أن يلزموا من أجرى التجديدات بإعادة الأشياء إلى حالها على نفقته وذلك مع التعويض إن كان له محل".

البطلان والإبطال

يعتبر العقد باطلا إذا كان أحد أطرافه عديم الأهلية أو نظرا لعدم توفر أحد أركانه أو نتيجة نص قانون، أما العقد القابل للإبطال فالمقصود به ذلك العقد الذي يكون أحد أطرافه ناقص الأهلية أو أصابت إرادته أحد عيوب الإرادة أو نتيجة نص قانوني .

الإجبار على الوفاء

إذا كانت مخالفة القاعدة القانونية يجعل الطرف المرتكب لذلك معرضا للجزء، فالإجبار على الوفاء يبقى من صوره، إذ للطرف المتضرر من العلاقة التعاقدية أن يحمل الطرف الآخر على تنفيذ التزامه باللجوء إلى الإجراءات التي يضمنها له القضاء.

حبس الشيء

يقصد بحق الحبس هو حق حيازة الشيء المملوك للمدين، وعدم التخلي عنه إلا بعد وفاء ما هو مستحق للدائن، ولا يمكن أن يباشر إلا في الأحوال الخاصة التي يقررها القانون، وبناء عليه قد يعمد بائع سلعة معينة على عدم تسليمها للمشتري إلى حين أداء المبلغ الذي تم الاتفاق عليه كمقابل لذلك الشيء المبيع.

حجز الأموال

يعمد الدائن في مواجهة عدم تنفيذ المدين لالتزامه إلى اللجوء لمسطرة الحجز عن طريق استصدار أمر بالحجز التحفظي من رئيس المحكمة الابتدائية، ويترتب عن ذلك وضع القضاء يده على المنقولات والعقارات التي انصب عليه الحجز، ويترتب عن ذلك منع المدين من التصرف في الشيء المحجوز، كما ينتقل الحجز من التحفظي إلى التنفيذي بطلب من الدائن.

الجزاء المهني

تنص المادة 41 من قانون المتعلق بالهيئة الوطنية للطبيبات والأطباء 12-08-2 على أن اختصاصات المجالس الجهوية تخولها النظر في القضايا التأديبية التي تهم الطبيبات والأطباء الذين أخلوا بواجباتهم المهنية أو بالالتزامات التي تفرضها عليهم النصوص القانونية والتنظيمية ومدونة أخلاقيات المهنة والنظام الداخلي للهيئة.

الجزاء الإداري

يوجد إلى جانب الجزاء الجنائي والمدني نوع آخر من الجزاءات وهو الجزاء الإداري التأديبي، وهو الجزاء الذي يتم توقيعه على أحد الموظفين في حالة عدم أدائه لواجبه الوظيفي، أو ارتكابه أحد الأخطاء التي تستوجب المعاقبة.

- الإنذار؛

- التوبيخ؛

- الحذف من لائحة الترقي؛ الانحدار من الطبقة؛ التقهقر من الرتبة؛ 

- العزل من غير توقيف حق التقاعد؛

- العزل المصحوب بتوقيف حق التقاعد.

خاصية الاستقرار والثبات

تحقيق أهداف القواعد القانونية يتطلب الاستقرار والثبات، غير أن الثبات والاستقرار المطلوب ليس المطلق، إذ أن تطبيق هذه القواعد وتعدد القضايا التي قد تشملها، والخوض في تفسيرها من قبل الفقه، والوقوف عند تطبيقها والثغرات التي تعرفها من قبل القضاء، والتي تغيب عن المشرع أثناء سنها، تجعله يعيد النظر في تلك المقتضيات بالتعديل متى تبين أن الأمر يتطلب ذلك.




تعليقات