لقد كان لفظ
الجريمة اصطلاحا مشتركا بين القانونين الجنائي والمدني قبل أن يستقل القانون
الجنائي عن القانون المدني، و بالرجوع الى نص الفصل 110
ق،ج نجده عرف الجريمة بأنها "عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب
عليه بمقتضاه" والعلة في اعتبار الفعل أو الترك مجرما هو ما يحدثه هذا الفعل
أو الامتناع من اضطراب اجتماعي.
وقد عرف بعض الفقه
الجريمة بما يلي "الجريمة هي كل فعل أو امتناع جرم المشرع اتيانه في نص من
النصوص الجنائية ،وقرر له عقوبة أو تدبير وقائيا بسبب ما يحدثه من اضطراب اجتماعي
ويكون هذا الفعل أو الامتناع صادر عن شخص أهل للمساءلة الجنائية.
من خلال هذا
التعريف يتضح أن للجريمة ركن قانوني م1 وركن مادي م2 وركن معنوي م3.
المبحث الأول : الركن القانوني :
المقصود بالركن القانوني للجريمة أن أي تصرف للفرد ولو أضر بالآخرين لا يعتبر جريمة إلا ذا نص القانون على تجريمه وحدد له عقابا يطبق على المخالف ،وباعتبار أن الفعل أو الامتناع جريمة بمقتضي نص من النصوص الجنائية لا يكفي وحده لاعتبار مرتكبها مجرما ومساءلته
المطلب الأول : خضوع الفعل أو الامتناع لنص تجريدي.
المقصود بمبدأ
ضرورة خضوع الفعل أو الامتناع لنص من النصوص التجريم هو أنه يعتبر فعل أو امتناع
ما جريمة يلزم وجود نص جنائي يجرم هذا الفعل أو الامتناع ويضفي عليه صبغة عدم
المشروعية وهذا المبدأ هو ما يعبر عنه أحيانا "شرعية الجرائم وعقوبتها"
وأحيانا يعبر عنه بمبدأ التشريع الجنائي يحترمها المشرع ولا يجرؤ على حرفها.
المطلب الثاني : الآثار المرتبة على هذا المبدأ.
يلزم
لتطبيق المبدأ السابق والمحافظة على مدلوله التقيد بقاعدتين هامتين وأساسيتين هما:
- قاعدة عدم رجعية
القانون الجنائي.
- وقاعدة عدم التوسع في
تقسيم القانون الجنائي.
الفقرة الأولى : قاعدة عدم رجعية القوانين.
إن القانون عندما
ينشر ويدخل حيز التنفيذ فإن هذا القانون لا يسري على الماضي وإنما يسري فقط على المستقبل،
بحيث إذا كانت الأفعال السابقة غير مجرمة تبقى كذلك غير مجرمة ولا يعاقب عليها
النص الجديد "وإذا كانت مجرمة بنص خاص تبقى محكومة بهذا النص الخاص ولا يسري
عليها القانون الجديد إلا استثناء.
أولا : نطاق تطبيق مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي
والاستثناءات الواردة عليه.
إن قاعدة عدم
الرجعية تفرض نفسها بقوة مستمدة من الفصل الرابع من القانون الجنائي الذي جاء فيه
أنه " لا يؤاخذ أحد على فعل لم يكن يعتبر جريمة بمقتضى القانون الذي كان
ساريا وقت ارتكابه "، إلا أنها لا تفعل ذلك بنفس القوة في جميع الحالات حيث
يختلف الأمر فيما يخص القوانين إذا كانت موضوعية أو شكلية .
- القوانين الموضوعية : بالنسبة للقوانين الجنائية ينص المشرع صراحة على أنها تطبق بأثر رجعي كما وقع بالنسبة لقضية الزيوت المسمومة حيث طبق عليها ظهير 1959/29/10 عرف ظهير 12 أكتوبر 1953 وهي حالة استثنائية، أما في الأصل فإنها لا تخضع لمبدأ رجعية القوانين الجنائية.
- القوانين الشكلية : بالنسبة لقواعد الشكل المتعلقة بالاختصاص والمسطرة، وحتى التقادم، فإنها لا تخضع لقاعدة عدم الرجعية لأنها تعتبر أكثر اهتماما بتحقيق العدالة الجنائية وبالتالي يجب تطبيقها فورا ولو على الجرائم المرتكبة قبلها بل ولو كانت في غير صالح المتهم لأنها لا تخلق جرائم ولا تشدد عقوبات وإنما مهمتها ضمان حسن تطبيق القواعد الموضوعية.
ثانيا : شروط ونطاق تطبيق عدم الرجعية.
يقتضي
تطبيق مبدأ انعدام الأثر الرجعي للنصوص الجنائية الوقوف على أمرين:
- تحديد وقت العمل بالقانون الجديد: وهو معرفة ما إذا كانت الجريمة قد ارتكبت في ظل القانون الجديد أو في ظل القانون القديم وبالتالي تطبيق هذا القانون أو ذاك.
- تحديد وقت ارتكاب الجريمة: تحديد وقت ارتكاب الجريمة الى تاريخ حدوث الواقعة المقصودة بعدم الرجعية والقاعدة العامة في هذا الشأن أن وقت ارتكاب الجريمة يتحدد بوقت اعتراف الفعل المكون لها.
ثالثا : أهم الاستثناءات التي ترد على مبدأ عدم رجعية القوانين
الموضوعية.
إن المشرع المغربي لم يجعل من مبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية الموضوعية مبدأ مطلقا ،وإنما أورد استثناءات نظرا لأهميتها وهي:
- القوانين الجنائية المتعلقة بتدابير من التدابير الوقائية إذا صدر بعد ارتكاب الجريمة وقبل انتهاء المحاكمة قانونا يقرر تدبيرا وقائيا لم يكن موجودا وقت ارتكاب الجريمة، تعين تطبيق هذا القانون الجديد ولو أنه يعتبر أشد من القانون الذي ارتكبت في ظله الجريمة.
- القوانين المفسرة هي التي تحدد معنى قانون سابق، يصدره المشرع عندما يرى المحاكم لم تهتد فيه إلى المعنى الذي أراده منه، وبما أن القانون التفسيري يتحد مع القانون الأصلي ويندمج فيه فإنه يجب أن يكون له معنى النطاق الرجعي.
- القانون الأصلح للمتهم وهو أهم استثناء نص عليه المشرع في الفصل السادس من القانون الجنائي و الذي جاء فيه ما يلي: "في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول، بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها يتعين تطبيق القانون الأصلح للمتهم" و يتضح من هذا النص أن رجعية هذا النص مشروط بعدم صدور حكم نهائي، فإذا صدر هذا الحكم فإنه لا يبقى من سبيل إلا التماس العفو قصد التخفيف من العقوبة، فعندما يقوم المشرع بتخفيف عقوبة جريمة من الجرائم فإن معنى ذلك أن العقوبة السابقة كانت قاسية و غير ملائمة و أن العقوبة الجديدة الأخف على التي يتعين تطبيقها على الجاني الذي لم تتم محاكمته بعد، فهي التي تعتبر مناسبة و عادلة له.
الفقرة الثانية: قاعدة عدم التوسع في تفسير
القانون الجنائي.
إن قاعدة عدم
التوسع في تفسير القانون الجنائي أو قاعدة التفسير الضيق تفرض على القاضي الامتناع
عما يلي: استعمال القياس – إكمال النص إذا كان غامضا ناقصا – تطبيق النص الغامض
صالح المتهم.
المطلب الثالث: عدم خضوع الفعل أو الامتناع المجرم لسبب من أسباب التبرير
يمكن تعريف أسباب
التبرير والإباحة بأنها "رخص قانونية تبيح أو تبرر لمن توافرت لديه أن يرتكب
فعلا أو تركا جرمه المشرع الجنائي في نص من نص.
الفقرة
الأولى: أسباب التبرير المنصوص عليها في الفصل 124
ق،ج.
1 : تنفيذ أوامر القانون أو ما يصطلح عليه ب "أداء الواجب :
إن أمر القانون لا
يقصد به الحالة التي يوجب فيها المشرع في نص صريح فعل شيء أو الامتناع عن فعله
فقط، وإنما يمتد ليشمل الحالة التي يجيز أو يبيح فيها إتيان الفعل أو الترك دون
إلزام بذلك، كما في حالة الشخص العادي الذي يقوم بالقبض على مجرم متلبس بجريمة من
الجرائم و يسوقه إلى أقرب مركز للشرطة أو للنيابة العامة، فهذا الشخص من الجمهور
لا يكون واجب عليه قانونا القبض على المجرم المتلبس بالجريمة، وإنما مرخص له بذلك
فقط، فإن هو فعل فلا يكون معتديا لأنه امتثل للأمر الضمني للقانون، إلا أن أمر
القانون وحده لا يكفي لقيام هذا السبب للتبرير الذي يتوقف على اجتماع شرطين أو
عنصرين معا، وهما أمر القانون أولا، وأوامر السلطة الشرعية ثانيا، فإن توافرا معا
انتهى الأمر حيث يكون الفعل آنذاك مبررا بلا خلاف، وتجدر الإشارة إلى أن في بعض
الحالات يكون أمر القانون وحده كافيا لتوافر التبرير دون أمر السلطة الشرعية.
2 : حالة الضرورة والقوة القاهرة :
- المقصود بحالة الضرورة: هي الحالة التي يرتكب فيها الشخص نشاطا يجرمه القانون
الجنائي ويلحق أدى بنفس الغير أو ماله، ويكون الفاعل مضطرا إلى ارتكاب هذا النشاط
المجرم بقصد المحافظة على حياته أو ماله وأمثلة ذلك، الشخص الذي يقتله الجوع، ولا
يجد ما يسد به الرمق يكون في حالة ضرورة و اضطرا وهو إن أخذ طعاما للغير بدون مبرر
رضائه وأكله بقصد المحافظة على حياته من الهلاك لا يكون مجرما سارقا وحالة الضرورة
لازم توفر فيها الشروط الآتية: * تواجد خطر جسيم يهدد النفس أو المال، * أن لا
يكون الخطر مشروعا، * أن لا يكون الخطر قد تسبب فيه عمدا الفاعل للجريمة، * يلزم
أن تكون الجريمة هي الوسيلة الوحيدة لتجنب الضرر الناجم عن الخطر.
- القوة القاهرة: هي الحالة التي يستحيل معها على الفاعل ماديا اجتناب
الفعل بسبب خارجي لم يستطع مقاومته.
3 :
الدفاع الشرعي :
إذا كان تبرير إتيان فعل يعتبر جريمة أثناء ممارسة الشخص لحق الدفاع الشرعي.
أولا:
الشروط اللازمة توافرها في الاعتداء:
- أن يهدد الاعتداء النفس أو المال.
- أن يكون خطر الاعتداء حالا: - إذا كان الاعتداء لم يقع ولكنه وشيك الوقوع بحسب المجرى المألوف للأمور – إذا كان الاعتداء قد وقع فعلا ولكنه لم ينته بعد.
- أن يكون الاعتداء غير مشروع.
ثانيا:
الشروط الواجب توافرها في فعل الدفاع:
- أن يكون لازما وضروريا لصد الاعتداء.
- أن يكون فعل الدفاع متناسبا مع فعل الاعتداء.
الفقرة الثانية : أسباب التبرير التي لم يتعرض
لها المشرع في الفصل) 124( ق،ج.
إن المشرع عند
ذكره في الفصل) 124( أسباب التبرير للجريمة فلم يقصد بها الحصر
،وإنما الإشارة فقط إلى أهم هذه الأسباب، لأننا نصادق في الحياة المعيشية وتحت
إلحاح الضرورة والحاجة بعض الوقائع التي تعتبر مبررة وبدون خلاف لأنشطة مكونة لجريمة
من الجرائم ودون أن يكون المشرع قد بررها بعبارة صريحة ،وفي هذا الصدد يمكن القول
بأن أغلب هذه الأسباب غير المنصوص عليها تندرج ضمن أسباب الإباحة الناجمة عن
استعمال الحق التي تحكمها نظرية "عدم التعسف في استعمال الحق."
أولا :
أسباب التبرير الناجمة عن استعمال الحق :
- الحق في ممارسة الألعاب الرياضية : إن ممارسة بعض الأنواع من فنون الرياضة ،تقتضي باستعمال العنف وتبادل الملاكمة وغيرهما.
- حق التأديب : حق تأديب الأبناء والتلاميذ ومتعلمي الحرفة والزوجات مقرر عن بعض التشريعات صراحة وفي بعضها الآخر سكت عنها، ولكن الإجماع حاصل على تخويل الآباء والأمهات حق تأديب أطفالهم وتأديب الزوجة كذلك.
- حق ممارسة المهن الطبية : إن ممارسة المهن الطبية )الجراحة، المداواة بالأشعة ،التحاليل المجهرية، التوليد، التمريض...( تجيز لصاحبها إتيان أعمال تعد بحد ذاتها جرائم كما في الجراح الذي يشق بطن المريض لاستئصال مرض معين.
ثانيا :
مدى صلاحية رضاء المجني عليه كسبب مبرر للجريمة في القانون المغربي :
إن القانون
الجنائي المغربي تجاهل إيراد نص تشريعي صريح وعام يحدد فيه موقفه من إشكالية
اعتبار أو عدم اعتبار لإرضاء المجني عليه سببا للتبرير، لكنه في نفس الوقت أورد
تطبيقات أخذ فيها إما صراحة وإما دلالة برضاء المجني عليه كسبب تبرير في حالات
خاصة واستثنائية مما يسمح بالقول على أن الأصل في قانوننا هو عدم إعطاء أية قيمة
تبريرية لرضاء المجني عليه في غير ذلك الحالات الخاصة والاستثنائية التي نص عليها
المشرع.
المبحث الثاني : الركن المادي
إن
الركن القانوني لا يكفي وحده لوجود الجريمة، وإنما يلزم توفر عنصر مادي بجانبه.
المطلب الأول : عناصر الركن المادي:
يتمثل الركن
المادي للجريمة في نشاط إجرامي ونتيجة إجرامية وعلاقة سببية بين النشاط والنتيجة.
الفقرة الأولى : نشاط إجرامي يصدر من الجاني:
بالرجوع للقانون الجنائي المغربي نجد أن المادة 110 من القانون الجنائي تنص على أن: "الجريمة هي عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي، ومعاقب عليه بمقتضاه" ومن النص السابق يتضح أن النشاط الإجرامي الذي يصدر من الجاني إما أن يكون إيجابيا أو سلبيا.
أولا : النشاط الإيجابي
قد يحدث هذا
النشاط بحركة أعضاء الجسم، كتحريك اليد للبطش أو الاختلاس أو التزوير أو كتابة
عبارات القذف أو السب أو تحريك أجهزة الصوت بالنطق شهادة الزور أو الاتفاق على
مؤامرة، أو اتفاق جنائي كما قد يتم بحركة الجسم كله كجرائم الهروب ،ودخول منزل
الغير.
ثانيا : النشاط السلبي
إن النشاط أو
الفعل السلبي المكون للركن المادي أيضا يتحقق بمجرد الترك والامتناع عن القيام
بعمل إيجابي وهو نوعان: امتناع يكون هو نفسه جريمة وامتناع يكون وسيلة لارتكاب
الجريمة.
➢ الامتناع جريمة:
- يعتبر القانون الامتناع جريمة بصرف النظر عن حدوث نتيجة ضارة أو عدم حدوث شيء.
- الامتناع وسيلة لارتكاب الفعل المجرم.
- عندما ترتكب جريمة أمام شخص كان بإمكانه القيام بعمل يمنع ارتكابها، أما عندما يمتنع فيكون مشاركا للفاعل الأصلي بالنسبة لجرائم كالقتل والسرقة والإحراق، ومجرما أصليا في جرائم أخرى كترك غريق يموت.
الفقرة الثانية: نتيجة إجرامية.
يقصد بالنتيجة
الإجرامية كعنصر من عناصر الركن المادي الأثر المترتب على السلوك الإجرامي والذي
يأخذه المشرع بعين الاعتبار في التكوين القانوني للجريمة، من هنا سوف نتناول النتيجة
في مدلولها المادي والقانوني ومدى الصلة بينهما.
- النتيجة في مدلولها المادي : يتحصل هذا المدلول في اعتبار النتيجة مجرد ظاهرة مادية أو عبارة عن الآثار المادية أو الطبيعة التي تحدث في العالم الخارجي وترتبط بالسلوك برابطة السببية ومما تجدر الإشارة الى أن النتيجة الإجرامية في مدلولها المادي ليست عنصرا لازما في جميع الجرائم، بمعنى أنه توجد جرائم لا يتطلب المشرع لتمامها تحقق نتيجة معنية كجريمة حمل السلاح بدونترخيص، أما الجرائم ذات نتيجة فهي القتل والنصب.
- النتيجة في مدلولها القانوني : لا يسلم جانب من الفقه الجنائي الحديث بصحة التصوير المادي للنتيجة الإجرامية باعتبارها الأثر المادي الملموس لسلوك الجاني، وإنما ينظر إليها باعتبارها حقيقة قانونية محضة تتمثل في الاعتداء على الحق والمصلحة التي يحميها القانون بالعقاب على الجريمة اعتداء يتخذ إما صورة الإضرار بهذه المصلحة وإما صورة تعريضها للخطر.
أن
المفهوم المادي للنتيجة هو الأساس الذي ينهض عليه المفهوم القانوني لها طالما أن
هذا الأخير لا يغدو أن يكون تكييفا قانونيا للأول ومؤدي هذا أن القول بوجود اعتداء
على حق يحميه القانون إنما هو تقدير أو تكييف قانوني للآثار المادية التي أنتجها
النشاط الإجرامي:
الثاني:
أن المفهوم القانوني للنتيجة هو الذي يحدد نطاق مفهومها المادي.
الفقرة الثالثة : علاقة سببية.
أولا : الأهمية القانونية لعلاقة السببية
من المتفق عليه
فقها وقضاء، أنه لا يكفي لإسناد الجريمة إلى الجاني قيامه بالنشاط الإجرامي ووقوع
النتيجة المعاقب عليها، وإنما يلزم فضلا عن ذلك أن تقوم بين الأمرين صلة معينة هي
صلة بالمعلول بحيث يكون الأول سببا والثاني نتيجة، ولاشك أن هذه العلاقة التي تعرف
بعلاقة السببية هي التي تحكم الصلة بين عنصرين الركن المادي للجريمة فتقيم بذلك
وحدة هذا الركن و تضفي تماسكا على كيانه، كما أن لعلاقة السببية دورا أساسيا في
السياسة الجنائية باستبعادها إزاء كل نتيجة لا ترتبط بالفعل ارتباطا سببيا ،ولو
كان الفعل في ذاته غير مشروع وتوافر لدى مرتكبه الركن المعنوي المتطلب لقيام
الجريمة.
ثانيا : علاقة السببية في القانون المغربي
من خلال قراءة
فاحصة للمدونة الجنائية المغربية يتضح بأن توافر علاقة السببية أمر لازم لقيام
المسؤولية، حينما تتدخل مع نشاط الجاني عوامل أخرى تؤثر في النتيجة النهائية
،وهكذا فإنه سواء في جرائم الأشخاص الواقعة عمدا أو خطأ كالقتل أو الضرب أو الجرح
فإن المشرع قد تجنب الإشارة إلى تلك الأسباب الأجنبية و عدم بيان الأثر المترتب
على تدخلها مكتفيا باكتمال ألفاظ تسبب أو تنج أو نشأ.
ï
تجدر الإشارة أن العلاقة السببية كعنصر في الركن المادي خاص بجرائم النتيجة
،أما الجرائم الشكلية فلا يوجد فيها لهذه العلاقة لأن النتيجة نفسها غير ضرورية
بالنسبة إليها، وإذا كانت العلاقة السببية بين نشاط الجاني وبين النتيجة الإجرامية
تبدوا واضحة أحيانا فإنه في الكثير من الأحيان تتطلب من القاضي مجهودا غير يسير في
البحث والاستقصاء لاكتشافها وإبراز التسلسل الطبيعي بين الفعل والنتيجة.
المبحث الثالث : الركن المعنوي للجريمة القصد الجنائي.
يعرف القلة القصد الجنائي بأنه القوة النفسية التي تقف وراء نشاط المجرم الذي يستهدف به الفاعل إراديا الاعتداء على مصلحة من المصالح الحمية من طرف المشرع الجنائي، من هنا يتضح أن للقصد الجنائي عناصر
المطلب الأول : عناصر القصد الجنائي.
لا يتوافر القصد الجنائي عند الفاعل إلا إن وجه الجاني نشاطه الإرادي في صورة فعل أو امتناع من أجل تحقيق واقعة إجرامية الفقرة الأولى، وكذلك يجب أن يكون الجاني عالما بحقيقة هذه الواقعة المجرمة واقعيا وقانونيا الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى : توجيه إرادة الجاني إلى تحقيق
الواقعة الإجرامية.
إن لم يتعمد
الجاني تنفيذ الواقعة المكونة للجريمة لا يتوفر القصد الجنائي، فمن يسوق
سيارةبسرعة مفرطة مخالفا بذلك قانون السير ،فيصدم أحد المارة فيرديه قتيلا، لا
يتوفر عندهالقصد الجنائي )كقاتل عمد( لأنه لم يوجه إرادته إلى تحصيل النتيجة التي
هي إزهاق روح أحد المارة، وعكس ذلك في حالة ما إذا تربص شخص بأحد له عداوة به
فأطلق عليه النار ،مما أدى إلى قتله نجد أن إرادة الجاني وجهت إلى إزهاق روح
المجني عليه، و الجاني هو الذي وجه إرادته بطبيعة الحال، ومعلوم أن إثبات وجود هذا
القصد لدى الجاني أو عدم وجوده مسألة موضوعية، تنفرد محكمة الموضوع بالبث فيه.
الفقرة الثانية : العلم بحقيقة الوقائع
الإجرامية من الناحيتين الواقعية والقانونية.
لا يكفي لتوافر القصد الجنائي توجيه إرادة الجاني نحو تحقيق الوقائع المكونة للجريمة من الناحية القانونية، بل يلزم إضافة إلى ذلك أن يكون عالما بتلك الوقائع تمام العلم ومحيطا بها إحاطة تامة، ولا يكون هذا العلم كاملا إلا إذا كان ملما بعناصر الجريمة واقعية كانت هذه العناصر أو قانونية، ومعنى هذا أن القصد الجنائي لدى الفاعل ينتفي مبدئيا إذا وجه إرادته نحو تحقيق الواقعة -أو الوقائع- المكونة للجريمة ولكن عن جهل أو غلط في أحد عناصرها سواء كانت من الناحية القانونية أو الواقعية.
المطلب الثاني : أنواع القصد الجنائي.
تتنوع
صور القصد الجنائي في الجرائم العمدية.
❖ القصد العام والقصد الخاص.
- القصد الجنائي العام : هو توجيه الجاني لإرادته نحو تحقيق الواقعة أو الوقائع المكونة للجريمة مع علمه بعناصرها كما يحددها القانون في النص الجنائي المجرم إحاطة تامة سواء من الناحية القانونية أو الواقعية، ولا يتبن أبد قيام جريمة عمدية دون وجود قصد عام لدى الجاني لا فرق في ذلك بين الجناية أو الجنحة أو المخالفة.
- القصد الجنائي الخاص : يتأثر الجاني بعوامل مختلفة كالحاجة واللذة والرغبة في الانتقام ... تولد عنه عادة حالة منالحالات الانفعالية بحيث تكون محركا للنشاط الإجرامي لديه ،فيندفع إلى ارتكاب الجريمة ،وذلك بهدف تحصيل النتيجة التي يعتقد بأنها تحقق في نفس الوقت اشباعا للرغبة التي حركتها إحدى العوامل المؤثرة في اتجاه منحى الإجرام عند الفرد عموما.
❖ القصد المباشر والقصد غير المباشر.
- القصد المباشر : يكون القصد مباشرا عندما تتجه إرادة الجاني إلى المس مباشرة بالمصلحة التي حماها المشرع في نص جنائي، وتستهدف في نفس الوقت نتيجة إجرامية معينة وهكذا يكون قصد الجاني مباشرا في جريمة القتل العمد حينما يأخذ الجاني أداة ويعتدي بها على المجني عليه مريدا إزهاق روحه ويحدث ذلك بالفعل.
- القصد غير المباشر أو الاحتمالي : القصد غير المباشر أو الاحتمالي هو كأن يسرع شخص بسيارته في مكان مزدحم بالمارة فيتوقع أن يؤدي إلى إصابة بعضهم ويتحقق فعلا ما توقعه.
❖ القصد المحدود والقصد الغير المحدود.
- القصد المحدود : يكون القصد الجنائي محدودا فيما تتجه إرادة الفاعل إلى ارتكاب جريمة بنتائج محددة وكما كان يقدرها أو يتصورها عند ارتكابه لها، فهذا النوع من القصد يشكل الصورة المألوفة للقصد الجنائي، ذلك أن الذي يقتل مثلا لا يزهق عادة روح أي كان والذي يسرق لا يسرق أي شيء.
- القصد غير المحدود : يعتبر القصد غير محدودا عندما تنصرف إرادة الجاني إلى ارتكاب جريمة، لكنه لا يستطيع لحظة ارتكابه لها تحديد ما يمكن أن يترتب عنها من نتائج، وبعبارة أخرى فإن القصد الجنائي يكون غير محدود إذا انصرفت إرادة الجاني إلى تحقيق واقعة إجرامية ولكنه دونتحديد تام لنتائجها ومثال ذلك أن يضع إرهابي مثلا قنبلة في طائرة لكي يثير الانتباهويطالب بفدية مثلا، فتنفجر تلك القنبلة وتقتل عددا كبيرا من الركاب هذا القصد غير محدود لدى الجاني، إلا أنه يكون مسؤولا كقاتل عمد لتوافر القصد الجنائي المطلوب لتحقق هذه الجريمة.
❖ القصد الفجائي والقصد المقرون بسبق الإصرار.
- القصد الفجائي : القصد الفجائي كمن يرتكب الجريمة العمدية فور تقريره إتيانها ،فيوصف القصد الجنائي عنده إذ ذاك بأنه قصد فجائي وذلك كمن يثور تحت تأثير إهانة أو عنف فيرتمي على المجني عليه فيقتله مثلا.
- القصد المقرون بسبق الإصرار : إن مرتكب الجريمة مع سبق الإصرار لا يقدم على ارتكابها إلا بعد العزم عليها واتخاذ قرار بشأنها، ولا يكون ذلك إلا بعد التفكير العميق قد يطول أو يقصر وبالتالي تهيئ الوسائل المادية التي يستخدمها في التنفيذ وينفذها في الأخير، فيكون مرتكبا للجريمة بقصد مقترن بسبق الإصرار.
المطلب الثالث : الخطأ غير العمدي
يتوافر الركن
المعنوي في الجرائم الغير العمدية فقط بسلوك خاطئ يأتيه الفاعل إرادة ولكن دون
استهداف للنتيجة الجرمية التي قد تترتب على هذا السلوك، ولقد عرف القصد الخطأ غير
العمدي بأنه كل فعل أو امتناع لا يتفق مع واجب الحيطة والحذر أو أنه اتجاه إرادة
الشخص إلى إتيان سلوك خطر دون القيام بما هو واجب عليه من التدبر والحيطة.
❖ الفارق المميز بين الخطأ غير العمدي والقصد الجنائي.
إذا كان الأصل في
الجرائم العمدية أن ركنها المعنوي يتمثل في القصد الجنائي، فإن جرائمأخرى تقع على
نحو غير عمدي ويتخذ ركنها المعنوي صورة الخطأ، وعلى الرغم منكون القصد والخطأ
صورتين للركن المعنوي فهما يختلفان في كون الإرادة يسيطر سيطرة فعلية على عناصر
الجريمة كافة في حالة القصد في حين تقتصر سيطرتها على بعض هذه العناصر إذا لم
يتوافر سوى الخطأ.
من هناك كان
الفاعل في الحالة الأولى عالما بالنشاط والنتيجة وتكون إرادته متجهة إليها معا،
بينما يكون في الحالة الثانية عالما بالفعل وموجه إرادته إليه دون أن تتوافر لديه
إرادة تحقيق النتيجة غير المشروعة ولكن القانون يلقي تبعتها عليه نظرا لما انطوى
عليه سلوكه من تقصر تسبب عنه الإضرار بالغير.
فالفاعل في
الجريمة غير العمدية وإن كان لا يقصد تحقيق النتيجة الإجرامية إلا أنه يعد مسؤولا
عنها إما لأنه لم يتوقع حدوثها في حين إنه كان في استطاعته ذلك كمن يطلق عيارا
ناريا وسط مجموعة من الأفراد بقصد إرهابهم مما يترتب عليه إصابة أحدهم بجروح وهذه
صورة الخطأ البسيط وإما لأنه توقع النتيجة بالفعل ولكنه مضى في نشاطه اعتقادا منه
أنه في استطاعته تداركها، مثلا من يقود سيارته بسرعة فائقة في شارع مزدحم اعتمادا
على مهارته فيصدم شخصا ويقتله وهذه صورة الخطأ الواعي.
❖ عناصر الخطأ :
يقوم الخطأ غير العمدي على مفترض أساسي قوامه إتيان الجاني للسلوك على نحو مشوب بعدم احتياط ومخل بواجب الانضباط.
- الإهمال : ومثال ذلك الشخص المكلف بإعطاء دواء للمريض في ساعات معينة فينشغل في أمر آخر ويترك موعد الدواء فيموت المريض من جراء ذلك أو يصاب بضرر.
- عدم التبصر : هو خطأ يرتكب في الغالب في إطار مهني من طرف بعض الفنيين كالأطباء والصيادلة والرياضيين نتيجة عدم قيامهم بعملهم كما يجب أو هملهم بقواعد فنهم.
- عدم الاحتياط : ومثال ذلك كالسائق الذي يسوق سيارة في مكان آهل بالمارة بسرعةكبيرة غير مناسبة لظروف الزمان والمكان فيصدم أحد المارة ويقتله أو يصيبهبأذى.
- عدم الانتباه : يظهر في النشاط الذي يرتكبه صاحبه بكيفية لا يمكن أن يعذر عنها كمن يقود كلبا شرسا دون أن يحكم حراسته، فيفلت منه ويهجم على أحد المارة فيصيبه بجروح.
- عدم مراعاة النظم القانونية : كالنظام الذي بموجبه يمنع التدخين في أماكن انتاج الغاز وتعبئته.
- الرعونة: وهي قيام أحد الأشخاص برمي أحد الأشياء الثقيلة من شرفة المنزل إلى الشارع فيصاب أحد المارة في رأسه فيموت أو يصاب بجروح خطيرة، فنكون أمام رعونة هنا حيث أن الشخص أتى سلوكا دون اتخاذه للاحتياط اللازم لتلافي ومنع وقوع بعض النتائج الضارة.
❖ المحاولة
مراحل ارتكاب الركن المادي.
تمر الجريمة
بمراحل أربعة حيث تبدأ فكرة في ذهن الجاني، وبعد ذلك يعمد إلى التهييء والتحضير
لارتكابها كشراء سلاح لاستعمالها في تنفيذها، أما المرحلة الثالثة فعلها يبدأ
بتنفيذ الجريمة بالفعل )يشرع فيها( كأن يكسر باب المسكن الذي ينوي سرقته ويدخل إليه
،أما المرحلة الأخيرة فهي مرحلة إتمام تنفيذ الجريمة التي تتميز بتحقيق النتيجة
التي قصدها الجاني من نشاطه الإجرامي، كالإستيلاء على مال الغير بدون رضاه بعد
الدخول إلى المسكن.
أولا:
التنظيم التشريعي للمحاولة :
تعرض المشرع للمحاولة في الباب الثاني من الجزء الأول من الكتاب الثاني من المجموعة الجنائية تحت عنوان في المحاولة وخصها بأربعة فصول وهي :
- الفصل 114 : "كل محاولة ارتكاب جناية بات المشرع في تنفيذها أو بأعمال لا ليس فيهاتهدف مباشرة إلى ارتكابها إذا لم يوقف تنفيذها أو لم يحصل الأثر المتوخى منها إلالظروف خارجة عن إرادة مرتكبها تعتبر كالجناية التامة ويعاقب عليها بهذه الصفة."
- الفصل 115 : لا يعاقب على محاولة السرقة إلا بمقتضى خاص"
- الفصل116 : "محاولة المخالفة لا يعاقب عليها مطلقا."
ثانيا:
تمييز الأعمال التحضيرية في الأعمال المكونة لها:
- مرحلة التحضير للجريمة : هذه المرحلة مادية غير ذهنية بسبب أن المجرم لا يصل إليها إلا بعد أن يكون اتخذ قراره بارتكاب الجريمة ،فيعمد إلى تهيئ الوسائل والسبل التي سينفذ بها مشروعه الإجرامي.
- مرحلة الشروع في الجريمة : وهو المرحلة المادية الخامسة، حيث إن إرادة الجاني تظهر إلى العالم الخارجي فاضحة النية الإجرامية لصاحبها في شكل نشاط مادي يوصل مباشرة إلى ارتكاب الجريمة.
- المعيار المادي أو الموضوعي في تميز العمل التحضيري عن المشروع : بحسب هذا المعيار فإن العمل التحضيري هو الذي لا يدخل في التعريف القانوني للجريمة المراد ارتكابها )كعنصر من عناصر الركن المادي فيها(، ولا يشكل ظرفا من ظروف التشديد فيها، في حين أن الشروع في الجريمة يتحقق بكل نشاط يدخل في التعريف القانوني للجريمة كجزء من الركن المادي فيها المراد ارتكابها أو في الأقل يعد ظرفا من ظروف التشديد فيها.
- المعيار الشخصي أو الذاتي في التمييز بين الأعمال التحضيرية و الشروع في الجريمة : حسب هذا المعيار إن إرادة الفاعل إذا كان خالطها التردد في العزم على ارتكاب الجريمة ،فإن كل عمل قام به إن ذاك يعتبر عملا تحضيرا لا يمكن مساءلته أو العقاب عنه، والقاضي بحسب هذا المعيار عليه أن يتقصى قصد الجاني ومدى عزمه على تنفيذ الجريمة التي لميصل إلى تحقيق النتائج التي توخاها منها لسبب من الأسباب، وبالتالي يرى القائلون بهذاالمعيار بأنه عند التمييز بين الوقائع المكونة للأعمال التحضيرية للجريمة والشروع فيها ،ينبغي وجوب الاعتداء بالقصد الجنائي للفاعل.
- الحل الذي اتبعه المشرع المغربي في موضوع التمييز بين ما يعتبر شروعا في الجريمة أو عملا تحضيريا لها : وقف المشرع الجنائي من المعيارين الفقهيين موقفا توفيقيا، حيث اقتبس منهما معا في الفصل 114 ق،ج: ذلك أنه عاقب على محاولة الجناية إذا بدت بالشروع في تنفيذها وهذا اعتناق منه وكما هو واضح للمعيار الموضوعي في الشروع وعندما عاقب المحاولة إذا بدت بأعمال لا لبس فيها تهدف مباشرة إلى ارتكاب الجريمة يكون قد اعتد جزئيا بالمعيار الشخصي في المحاولة و بالتالي فطبقا لهذا المعيار فقد اشترط المشرع في النشاط الذي قام به الفاعل شرطين أولهما عدم اللبس و ثانيهما أن يهدف مباشرة إلى ارتكاب الجريمة.
ثالثا:
عناصر المحاولة :
لقيام أية محاولة يلزم توافر شرطين :
- البدء في التنفيذ : وهذا الشرط يستفاد من الفصل 114 ق،ج عندما قال" كل محاولة ارتكاب جناية بدت بالشروع في تنفيذها أو بأعمال لابس فيها يهدي مباشرة إلى تنفيذها لأن كل عمل دون ذلك لن يعتبر سوى عملا تحضيريا للجريمة غير معاقب مبدئيا ما لم يقرر المشرع عقابه لاعتبار معين.
- انعدام العدول الإرادي عن تحقيق النتيجة : بالرجوع للفصل 114 ق،ج، نجد يعتبر أن البدء في التنفيذ وهو العنصر المادي في المحاولة لا يمكن اعتباره مشكلا للجريمة المحاولة إلا إذا لم يوقف تنفيذها أو لم يحصل الأثر المستوفي منها إلا لظروف خارجة عن إرادة مرتكبها، إذن فالمشرع قد اعتبر عن طريق مفهوم المخالفة بأن التراجع العدول الاختياري عن تنفيذ الجريمة التامة و تحصيلالنتيجة فيها، يؤدي في حالة ثبوته إلى غياب المحاولة أصلا لانتفاء العنصر المعنوي.
رابعا : صور المحاولة :
تأخذ
المحاولة ثلاثة صور في العمل.
- المحاولة في صورة الجريمة الموقوفة : الجريمة الموقوفة هي كل جريمة يبدأ الفاعل في تنفيذها فعلا، إلا أنه يتوقف عن إتمام هذا التنفيذ لسبب خارجي عن إرادته هي أمثلة هذا النوع من صور المحاولة أن يعزم زيد على قتل عمر ويوجد نحوه المسدس، لكن يحدث أن يأتي بكر فيقبض بيد زيد ويفوت عليه فرصة إطلاق النار.
- المحاولة في صورة الجريمة الخائبة : الجريمة الخائبة هي كل جريمة أتى الفاعل ركنها المادي واستنفذ كل الأنشطة الاجرامية التي اعتقد أنها ستوصله الى النتيجة التي استهدفها بنشاطه، إلا أن مسعاه يخيب ويكلل بالفشل دون تدخل أي عامل أجنبي أو عدول من طرفه، فلا تتحقق النتيجة رغم أنها كانت ممكنة التحصيل، ومثال ذلك إن يطلق زيد الرصاص على عمر وبقصد قتله، ولكن الخطأ في الرمي يخطئه فلا يصيبه، فالنتيجة هي ازهاق الروح في هذا المثال كانت ممكنة الحدوث لولا خطأه في التصوب.
- المحاولة في صورة الجريمة المستحيلة : عاقب المشرع على المحاولة في صورة الجريمة المستحيلة وهي كل جريمة لا يمكن أن تتحقق فيها النتيجة المتوخاة من نشاط الجنائي لاستحالة ذلك إما من الناحية القانونية ومثال ذلك الشخص الذي يضبط وهو يواقع مطلقته كرها عنها ثم تبين أن هذه الواقعة قد حصلت أثناء فترة العدة من طلاق رجعي، وإما من الناحية القانونية ومثال ذلك من يضع مادة يعتقد أنها سامة في طعام لآخر وهو يقصد تسميمه، في حين أنها ليست كذلك وبالتالي فالنتيجة الاجرامية يستحيل تحقيقها ماديا.
- لقد عاقب المشرع على المحاولة في صورة الجريمة المستحيلة استحالة مادية دون الجريمة المستحيلة استحالة قانونية الفصل 117.
خامسا : عقاب المحاولة :
- عاقب المشرع على الشروع في الجريمة أو المحاولة فيها الجريمة الناقصة بعقوبة الجريمة التامة ولقد ميز من حيث المبدأ في العقاب على المحاولةفي الجنايات وهو مقرر دوما، أما بالنسبة للجنح فالمبدأ أن لا تعاقب محاولتها إلا إذا تقرر ذلك بنص أما المخالفات فإن محاولاتها غير معاقبة أبدا.
المطلب الثالث : المساهمة والمشاركة في الجريمة
الجريمة كمشروع
إجرامي إما أن يتم من طرف شخص لوحده فيسمى فاعلا أصليا وحيدا لها، وإما أن يتم هذا
التنفيذ مع الغير أي من طرف عدة أشخاص، وفي هذه الحالة فإننا سنتواجد من الناحية
القانونية في مواجهة إحدى الحالتين الآتيتين:
- عبر عنها المشرع الجنائي بالمساهمة : فيما يكون كل واحد من الفاعلين قام شخصيا بتنفيذ بعض الأعمال المكونة للجريمة كما يعرفها النص الجنائي و مثال ذلك أن يقوم ثلاثة أشخاص كل على حدا و باتفاق سابق بينهم برمي الضحية بالرصاص في جريمة القتل، أو الإيذاء العمدي، فالمساهمة تعني إعادة الفاعلين بعضهم لبعض في تنفيذ الجريمة ماديا، وكل مساهم يعتبر فاعلا أصليا للجريمة بدوره، يعاقب مبدئيا بالعقوبة المقررة للجريمة كأنه هو الذي اقترفها منفردا، لكن بالرجوع لمجموعات القانون الجنائي نجد المشرع قد خرج على القاعدة العامة السابقة في بعض الأحيان لضرورات قدرها في الفصل 128 التي تقصر صفة المساهم على من أتى عملا من الأعمال المكونة للركن المادي للجريمة واعتبر المساهمة قائمة أيضا في بعض الحالات التي لم تقسم فيها الشخص بتنفيذ أي عمل يدخل في الركن المادي للجريمة وذلك بنصوص خاصة كما في الفصل 305 ق،ج الذي اعتبر مرتكبا للعصيان كل من حرض عليه سواء بخطب ألقيت في أمكنة أو اجتماعات عامة.
- عبرعنها المشرع الجنائي بالمشاركة 129 ق،ج : في هذه الحالة يقوم بالتنفيذ المادي للجريمة بعض الجناة المساهمون أو أحدهم )فاعل أصلي وحيد( أما الباقون فتقتصر دورهم على المساعدة وذلك بقيامهم بأعمال ثانوية لا تصل إلى مرتبة القيام بكل أو بعض أفعال التنفيذ المادي للجريمة، أي أنهم يقومون بأعمال ثانوية لاتعتبر مشكلة لوقائع الجريمة بحسب التعريف القانوني لها، ومثال ذلك أن يطلب زيد من عمرو إعارته سلاحه بقصد قتل الضحية فيقبل عمرو طلبه وهو عالم قصده، وتتم جريمة فعلا، ففي هذه الحالة يعتبر زيدا فاعلا أصليا للجريمة وعمرو مشاركا له في نفس الجريمة.
- إما بأمر شخص بارتكاب جريمة.
- إما أن تتم بالتحريض في ارتكاب الجريمة ويجب أن يكون التحريض مباشرا الدفع بالمحرض الى ارتكاب الجريمة مباشرة أما إذا كان غير مباشر فإن الاشتراك لا يكون بحيث يكون التحريض عنها بالتأثير على أحاسيس المحرض دون أن يستهدف بتحريضه ارتكاب الجريمة مباشرة
- إما من طريق المساعدة: وهذه الحالة تشمل المساعدة عن طريق تقديم الأسلحة والأدوات أو أية وسيلة أخرى بهدف استعمالها في تنفيذ الجريمة.
- إما عن طريق إيواء الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد الدولة أو الأمن العام أو ضد الأشخاص.
❖ شروط تحقق المشاركة.
إن الشخص لا يمكن
أن يسأل باعتباره مشاركا في الجريمة في القانون المغربي إلا إذا توافرت الشروط
التالية:
- ضرورة علم المشارك بما ينوي الفاعل الأصلي القيام به من أنشطة مجرمة.
- ارتباط العقاب على المشاركة بوجود جريمة معاقبته )ارتكبت من طرف فاعل أصلي(، ويترتب على ذلك أنه إذا لم ترتكب الجريمة أصلا، أو وقع العدول عن ارتكابها عدولا اختياريا بعد أن بدا في تنفيذها أو القيام بعمل لا لبس فيه بهدف مباشرة إلى ارتكابها، فإن المحرض عليها أو الذي قدم سلاحا بغرض تنفيذها لا يعاقب.
- أن تكون الجريمة التي أتاها الفاعل الأصلي جناية أو جنحة أما إن كانت مخالفة فلامشاركة فيها.
- ضرورة قيام علاقة بين النشاط الذي أتاه المشارك وبين تنفيذ الجريمة من طرف الفاعل الأصلي.
❖ عقاب المشاركة:
جاء في الفصل 130 ق،ج "المشاركة في جناية أو جنحة يعاقب بالعقوبة المقررة لهذه الجناية أو الجنحة" ويظهر من هذه المادة ما يلي :
- إن عقوبة المشارك هي نفس العقوبة المقررة للجناية أو الجنحة التي تطبق على الفاعل الأصلي، وعليه فالمشارك في القتل العمد يعاقب بدوره بالسجن المؤبد مثله مثل الفاعل الأصلي.
- يتأثر الشريك بالظروف المادية أو العينية المتعلقة بالجريمة والتي تشد العقوبة مثل ظرف الترصد في القتل العمد، ويتأثر الشريك أيضا بالظروف المادية التي تخفف العقوبة على الفاعل الأصلي.
- لا يتأثر الشريك بالظروف الشخصية العائدة لشخص الجاني )الفاعل الأصلي( والتي يقضي توافرها فيه إلى التشديد أو الإعفاء أو التخفيف عليه من العقوبة ما لم تتوافر في الشريك شخصيا.
المطلب الرابع : الفاعل المعنوي للجريمة
في بعض الحالات يقوم شخص بتسخير شخص آخر غير ممكن معاقبته في تنفيذ الجريمة بذله، ففي مثل هذه الصورة يسمى المسخر بالفاعل المعنوي للجريمة ومثال ذلك من يناول مسدس لطفل صغير غير مميز ويوعز له بإغرائه في غريم له فيقتله أو يجرحه بالفعل، وقد تعرض المشرع لعقاب الفاعل المعنوي للجريمة بعد فعله في المساهمة و المشاركة في الجريمة مباشرة وذلك في الفصل 131 ق،ج حيث قال: "من حمل شخصا غير معاقب بسبب ظروفه أو صفته على ارتكاب جريمة فإنه يعاقب بعقوبة الجريمة التي ارتكبها هذا الشخص" من هنا فالمشرع عاقب الفاعل المعنوي بالعقاب المقرر للجريمة التي ارتكبهاالفاعل المادي.
تعليقات
إرسال تعليق