نشأة العلوم الاجتماعية
واحدة من علامات تأزم العلوم في بعض المجتمعات هو الغموض الشديد وعدم اتضاح الرؤية حول تعريف هذه العلوم بين المشتغلين بها، ويمكننا مقاربة العلوم الاجتماعية مقاربة أولية على أنها ذلك الحقل المعرفي الذي يهتم بدراسة الإنسان في تفاعلاته الاجتماعية على مختلف الأصعدة مع إنسان آخر أو جماعة أو مؤسسة أو دولة، وذلك من أجل صياغة قواعد تفسيرية عامة ومجردة تمكن من الفهم والتنبؤ والتحكم والتوجيه والتكيف . فحسب قاموس العلوم الاجتماعية، فان العلوم الإنسانية والاجتماعية هي » مجموع العلوم التي تدرس الإنسان داخل المجتمع، بحيث لا يمكن تصور إنسان لوحده ولا مجتمع دون بشر »ولقد كانت نشأة العلوم الاجتماعية عبر سلسلة من التراكمات الفلسفية ابتداء من الإرهاصات الأولى لحضارات الشرق القديم مرورا بالتراث الفلسفي الإغريقي والإسهامات الرومانية والإسلامية ، وصولا إلى عصر النهضة الذي استفاد من الإسهامات السابقة، ثم إعطائه لدفعة منهجية قوية لهذه العلوم لينقلها من فلسفة اجتماعية إلى علوم اجتماعية ذات تقنيات منهجية مستقلة طورت التعامل .
الظواهر من مستوى التوصيف إلى مستوى التحليل والتفسير . هكذا ظهر علم الاجتماع في عصر التنوير فأصبح بعد فترة قصيرة من الثورة الفرنسية، علمًا وضعيًا يتعامل مع المجتمع ينهل من فلسفة العلوم وفلسفة المعرفة .
فنشأت بذلك مدارس أكاديمية تعددت بتعدد الرؤى لمجال الدراسة من جهة ، أو طبيعة المنهج وتطبيقاته من جهة أخرى، ومهما يكن فان هذه التطورات والتحولات المتعاقبة كانت معبرة عن حركية المجتمعات الغربية، ومسايرة للإشكاليات والظواهر والأزمات التي تطرح على مختلف المستويات الأخلاقية والسياسية والاقتصادية، لان تطور المجتمع يفرز تناقضات وإشكاليات تحتاج إلى استيعاب واحتواء لأجل ضمان إنتاج ذلك المجتمع لوسائل نموه وتطوره، من هذا المنطلق لعبت الدراسات الاجتماعية دورا محوريا في عمليات التنمية والمسار البنائي والحضاري للمجتمعات الأوربية، فهي أداة تنظير وبناء وتطوير وتكييف، فما يعرف مثلا عن السياسة في دولة كالولايات المتحدة الأمريكية أنها سياسة تصنعها مكاتب الدراسات والأبحاث، وليس الأشخاص كما في دول العالم الثالث فالسلوك الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لدى الغرب منطلقاته علمية وتؤطره دوائر علمية وأكاديمية .
وقد أصبحت تقنيات الأبحاث الاجتماعية الكمية أدوات شائعة تستخدمها الحكومات والشركات والمنظمات، كما شاع استخدامها كذلك في العلوم الاجتماعية الأخرى . وقد منح ذلك للأبحاث الاجتماعية درجة من الاستقلالية عن نظام علم الاجتماع . وبنفس الطريقة، فقد أصبح مصطلح "العلوم الاجتماعية" مصطلحاً شاملاً يشير إلى الأنظمة التي تدرس المجتمع أو الثقافة البشرية .
وفي الماضي، كان ينظر إلى علم الاجتماع وكذلك إلى العلوم الاجتماعية الأخرى على أنها أقل من مستوى العلوم الأخرى، مثل العلوم الطبيعية ، وفي عصرنا الحالي بدأ النظر إلى العلوم الاجتماعية على أنها علوم ضرورية وهامة، وبالتالي يجب احترامها .
نماذج من العلوم الاجتماعية
أولا : علم الاجتماع
هو الدراسة العلمية للسلوك الاجتماعي للأفراد والأساليب التي ينتظم بها المجتمع بإتباع خطوات المنهج العلمي وهو توجه أكاديمي جديد نسبيا تطور في أوائل القرن التاسع عشر ويهتم بالقواعد والعمليات الاجتماعية التي تربط وتفصل الناس ليس فقط كأفراد، لكن كأعضاء في جمعيات او عات او مؤسسات ومن أهم التعريفات لهذا العلم تعريف جورج زيمل الذي يقول أن علم الاجتماع "هو دراسة لكل أشكال التفاعل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية بين الافراد بغض النظر عن محتوياتها"
يبدو أن علم الاجتماع هو العلم الذي يهتم بكل الظواهر التي نتجت عن وجود الانسان في الجماعة من تضامن وتصارع و زواج، ويهتم بمختلف الجماعات الاجتماعية كالاسرة والقبيلة والحزب كما يهتم بمختلف التفاعلات التي تتم بين أفراد هذه الوحدات الاجتماعية.
يبقى سؤال الحدود بين علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية الاخرى ، حيث تبرز هنا أربع إجابات أولها لـ " كونت " الذي اعتقد أن علم الاجتماع يجب عليه أن يستوعب كل المادة التي درستها العلوم الاجتماعية الاخرى وأن يجردها من سبب وجودها ، بينما الاجابة الثانية لـ " هنري سبنسر " الذي يتصور علم الاجتماع علما فوقيا لا يلاحظ بنفسه الظواهر الاجتماعية لكنه يوحد الملاحظات التي انتهت إليها العلوم الاجتماعية الأخرى ، أما الاجابة الثالثة فهي لـ " جورج زيمل " الذي العلوم الاجتماعية تدرس كل منها غاية معينة ، فعلم الاقتصاد يدرس الانتاج والاستهلاك ، بينما علم السياسة يدرس كيفية الوصول على السلطة وممارستها ، أما علم الاجتماع فهو دراسة الصورة المشتركة بين كل نماذج الجهود والمحاولات الاجتماعية كتكوين الجماعات الانسانية وانحلالها والمنافسة والصراعات ، الاجابة الرابعة لـ " سوروكين فيري " الذي يرى أن علم الاجتماع يهتم بدراسة الخصائص والترابطات المشتركة بين العلوم الاجتماعية الاخرى.
ثانيا : الانثروبولوجيا
أو علم الانسان ، يدرس اصل النوع الانساني و الظواهر المتعلقه به و يدرس ايضا الثقافة الانسانية ، فالانثروپولوچیا تنقسم لنوعين رئيسيين :
- الانثروبولوجيا الطبيعية تدرس مواضيع التطور الانساني وحياة ما قبل التاريخ والاجناس البشرية وتكوين جسم الانسان كعلم التشريح ووظائف الاعضاء البشرية أي الفيزيولوجيا وعلم الحياة أي البيولوجيا
- الانثروبولوجيا الثقافية وتدرس الثقافات المنقرضة وكذا الثقافات الموجودة حيث تهتم باللغة والملبس والثقافة والالات والادوات والعمران والمباني والنظم الاجتماعية وتعرّف الأنثروبولوجيا تعريفات عدة ، أشهرها :
- علمُ الإنسان
- علم الإنسان من حيث هو كائن طبيعي واجتماعي وحضاري .
- علم الجماعات البشرية وسلوكها وإنتاجها .
- علم الحضارات وثقافات المجتمعات البشرية .
- يُصنّف علم السياسة على أنّه واحد من أهم العلوم الاجتماعية الحديثة، نظراً لأهميته في كثير من المجالات المتعلقة بالاستقرار السياسي ودوره في تقدّم وتطوّر الشعوب وضبط وتسيير المجتمع واقتصاد الفرد والمجتمع ككل ويتضمّن علم السياسة مجموعة من التخصصات المختلفة التي تتناوله من زوايا متعدّدة أيضاً كالنظرية السياسيّة وعلم السياسة المقارن إضافة للفلسفة السياسية .
- وتعدّ الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الرائدة في هذا التخصص، تحديداً منذ نهايات القرن التاسع عشر للميلاد، عندما بدأت بتطويره وتعزيزه من خلال إنشاء جامعات ومعاهد متخصصة في تدریسه، بهدف تنظيم حياة البشر بشكل يضمن السعادة والسلام في آن واحدٍ .
- يتجاذب تعريف علم السياسة تياران أساسيان ، أحدهما يجعل من الدولة محور علم السياسة ، بينما يجعل الاخر السلطة ، محور هذا العلم
- علم السياسة باعتباره علم الدولة ، هذا المفهوم يحصر علم السياسة في دراسة الأمور المتعلقة بالدولة من حيث نشأتها وتطوراتها، إضافة لسلطاتها المختلفة، نتيجة تأثره بالقوانين والفلسفات اليونانية والرومانية، تحديداً التي وضعها أرسطو، وأفلاطون ، فقد ركزوا على الدولة من باب المحافظة على ملائمتها مع فترة ظهورها، باعتبارها أكثر أشكال التنظيم الإنساني حداثة لاحتوائها على جميع المواطنين، واحتكارها للسياسية بشكل داخلي وخارجي .
- علم السياسة باعتباره علم السلطة ، حيث ساعد التطوّر التنظيمي وظهور الديمقراطية في المجتمعات على ظهور المدرسة الحديثة الخاصة بالدراسات السياسيّة، والتي رأت بأن السياسية ليست علماً خاصاً بالدولة، بل بالقوة أينما حلت ووجدت من هنا عُرفت السلطة على أنّها علاقة قوة بين جهتين، يتمكن أحدهما من دفع الآخر للقيام أو الامتناع عن عمل ما وهناك تيار ثالث يعتبر علم السياسة هو عملية صنع القرار، فيرتبط هذا المفهوم ارتباطاً قوياً ووثيقاً مع المدرسة الحديثة، بحيث يركز على الخطوات المتبعة في عملية صنع القرار، والمؤسسات المعنية بذلك، وتفضيلات القادة ودورهم وخلفياتهم، إضافة لنوع وجودة القرار السياسي المتخذ، بشكل سياسي وديناميكي وعالمي .
- وهو أحد العلوم الإنسانية الحديثة، وقد اهتم بالطريقة المثلى للقيام بإدارة الأعمال في المؤسسات العامة والخاصة ، ويمكن تعريفه بأنه مجموع القواعد والمبادئ العلمية التي تهتم بالاستخدام الأنسب للموارد من قبل المؤسسات لتحقيق هدف المؤسسة بأقل وقت وجهد وكلفة.
- وقد برع في هذا المجال العديد من العلماء أبرزهم فريدريك تايلور، هنري فايول، آدم سميث .
- علم الإدارة هو فن إنجاز الأعمال من خلال الآخرين ، فهو علم وفن وطرق متجددة وليس قوالب ثابتة ، كما أنه يقوم بالاساس على العنصر البشري ، فرغم أن الادارة مساطر وقوانين ومؤسسات قانونية ، لكنها في الاخير تبقى ذات بعد اجتماعي ، تؤطر وتسير مجموعات بشرية تأخذ الجوانب الانسانية والاجتماعية بعين الاعتبار
واجهت العلوم الاجتماعية العديد من الاراء التي تشكك في قدرتها على إنتاج معرفة تتسم بالعلمية والموضوعية والدقة ، حتى قيل عنها أنها كثيرة المناهج قليلة النتائج ، ويرجع هذا الأمر إلى عوامل ذاتية وأخرى موضوعية ثم عوامل مشتركة بين كل فروع العلوم الاجتماعية
المؤاخذات الموجهة إلى العلوم الاجتماعية
أولا : نتائج غير دقيقة
بالمقارنة مع العلوم الطبيعية والعلوم الحقة نجد أن نتائج العلوم الاجتماعية غير دقيقة ، فالرياضيات مثلا تتسم بالقدرة الدقيقة على التوقع وفي الفيزياء أيضا ، بينما في العلوم الاجتماعية لا يمكن الحديث إلا عن نتائج نسبية ، سواء تعلق الامر برصد الظواهر أو تفسيرها أو توقعها ، عدم الدقة تعاني منه أغلب العلوم الاجتماعية كالاقتصاد والسياسة والاجتماع
ثانيا : غياب الموضوعية
يقصد بذلك قدرة الباحث على فصل ذاته عن الموضوع ، والاحتفاظ بالمسافة اللازمة للحصول على معرفة خالصة بالواقع المدروس . والموضوعية شرط من شروط المعرفة العلمية ، وهي أساس التفريق بين المعرفة العلمية وغير العلمية ، فالمعرفة يجب أن لا تختلط بأفكار الدارس ويمكن أن نعزو هذه الصعوبة إلى ثلاثة أسباب :
- الظواهر الاجتماعية تقتضي البحث في مشاعر الناس ونفسياتهم ، الأمر الذي يجعل التزام الباحث بالموضوعية المطلقة أمرا مستحيلا
- العلوم الاجتماعية تتعلق بالعلاقة بين الانسان والانسان، والباحث أيضا إنسان، فعكس العلوم الطبيعية التي يكون فيها موضوع البحث شيئا مخبريا معزولا عن الباحث، ففي العلوم الاجتماعية موضوع البحث يكون الباحث جزءا منه ولا ينفك عنه، فهو لا محالة يكون حاملا لمعارف مكتسبة و نظرة سبقية عن الظواهر التي يدرسها
- صعوبة عزل الباحث نفسه عن الوقائع الاجتماعية ، وإلا سقط في فخ الدراسة من الخارج وبالتالي إنتاج معرفة سطحية غير متعمقة في الظاهرة الاجتماعية بشكل جيد
العلوم الطبيعية أو العلوم الحقة عرفت تقدما و تطورا كبير بخلاف العلوم الإنسانية التي انعكست نشاتها المتأخرة على تطور و تقدمها ، غير أنه ظهور أزمات نفسية و ظواهر اجتماعية جديدة مع التطور السريع و المهول دفعت بالعلوم الإنسانية إلى السعي نحو تحويل الانسان إلى ظاهرة قابلة للدارسة العلمية و الموضوعية . فماهي قدرة العلوم الإنسانية على فهم و تفسير الظواهر الإنسانية ؟
موقف جون بياجي
یری، أنه من الصعب تحقيق الموضوعية في العلوم الإنسانية لسببين أساسيين :
- السبب الأول : العلاقة بين الذات و الموضوع في العلوم الإنسانية ، حيث تخلق وضعا معقدا فالانسان هو الدارس و هو أيضا موضوع الدراسة و يتمخض عن هذا الوضع المتشعب صعوبة استيفاء شرط الموضوعية
- السبب الثاني : اعتقاد العالم بأنه يملك معرفة قبلية تجعله قادرا على الاستغناء عن التقنيات العلمية هكذا يرى بيجي أن الباحثين في العلوم الإنسانية ينطلقون من خلفيات فلسفية و إيديولوجية سابقة .
ينطلق من تصور منهجي لكل من العلوم الطبيعية و العلوم الإنسانية . فالعلوم الطبيعية أو العلوم الحقة تنظر إلى موضوعها باعتباره ظاهرة خارجية أما العلوم الإنسانية فالمناهج التي تدرس بها تختلف عن العلوم الطبيعية ، فالطبيعة نفسرها و الحياة النفسية نفهمها . فالعلوم الإنسانية تتعامل مع ظاهرة حية كلية لا يمكن تجزيئها كما هو الحال بالنسبة للظواهر الطبيعية القابلة للعزل والدراسة الخارجية فكان لابد أن تطور العلوم الإنسانية مناهجها.
وانطلاقا من هذا التصور الفلسفي الأخير فالعلوم الإنسانية تفترض أن تكون الذات هي نفسها الموضوع المدروس علاوة على ذلك فالعالم يعتبر طرفا وحكما في وقت واحد غير أن ذلك لا يجب أن يؤثر في النظرة إلى القيمة العلمية لهذه الأمور فالغاية الابستمولوجية من إبراز التداخل بين الذات والموضوع يتحدد في تحديد الشروط المنهجية التي يجب اعتمادها . نفس الإشكاليات تعرفها الفيزياء المعاصرة مما جعلها تأخذ بعين الاعتبار تدخل الملاحظ في بناء الظاهرة وهذا يؤكد غياب القطيعة بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية .
موقف ميرلوبونتي
يرى أنه لا يجب النظر إلى الإنسان باعتباره موضوعا للعلوم الطبيعية أو الإنسانية، فالذات هي المصدر الحقيقي للعالم المادي فلولا وجود الذات لما كان للعالم أبعاد وجهات ومن ثمة فالواقع يوجد انطلاقا من الذات ومن أجلها فمصدر المعرفة الإنسانية هو تفاعل الذات مع العالم من خلال التجربة التي تعيشها هذه الذات.
للخروج من هذا الإشكال العلمي يمكن أن نقول أن وجود العلوم الطبيعية ساعد العلوم الإنسانية على تطوير نفسها والبحث عن مناهج تميزها ومسألة الموضوعية المطروحة ليست تشكيكا في قيمة هذه العلوم وإنما يتعلق الأمر بنقاش ابستمولوجي يمكنه إغناء العلوم الإنسانية و دفعها لتوخي الدقة من خلال إدارك خصوصيات الموضوع المدروس ، لأن جميع الصعوبات تتمثل في طبيعة الظاهرة الإنسانية كظاهرة معقدة و متغيرة و واعية .
النظرة الموضوعية للعلوم الاجتماعية
رأينا المعوقات التي تحول دون اعتبار العلوم الاجتماعية متصفة بالمعرفة العلمية ، ودون أن نؤكد أو ننفي هذه الصفة العلمية عن العلوم الاجتماعية يجب أن نأخذ بعين الاعتبار ما يلي :
أولا : الباحث الاجتماعي وسياقه
الباحث العلمي يعمل داخل سياق مفاده عدم قدرة العلوم الانسانية على إنتاج معرفة علمية ، هذا السياق يرى أن الانسان قادر دائما على تسيير أموره دون حاجة إلى علوم كالاقتصاد والاجتماع والسياسة ، فحواسه قادرة على تمكينه من معرفة محيطه والتحكم فيه ، كما نجد أن هناك من يعتبر أن العلوم الاجتماعية لا تأتي بأي جديد ، فأسباب الانتحار مثلا معروفة والعلوم الاجتماعية لم تأت بأي جديد في الموضوع . نلاحظ ايضا أن الباحث يعمل في سياق ثوري ، فالباحث في الظواهر الاجتماعية يبدو ثوريا عندما يكشف عن الحقيقة ، فهو يشكك الناس والدولة في الحقائق المسلم بها ، ويدعو إلى إعادة النظر في طريقة التعامل مع هذه الظواهر فتشكيك الناس في المعتقدات هو تشكيك في شرعية النظام السياسي القائم ، فماركس مثلا عندما ينتقد النظام الرأسمالي فهو يدعو ضمنيا إلى الثورة على هذا النظام ، لذلك يجب الباحث في العلوم الاجتماعية صعوبة في التحلي بالموضوعية الكافية ، ويجد مقاومة من داخل محيطه الاجتماعي الذي لم يرق إلى مستوى دراسة الظواهر الطبيعية ومحاولة التأثير فيها ، الأمر الذي يتعارض مع ما تستلزمه الدراسة العلمية من موضوعية وسياق سياسي واجتماعي يؤمن بالحرية .
ثانيا : الدقة والحتمية الميكانيكية
الباحث الاجتماعي لا يتوفر على أدوات دقيقة لقياس الظواهر الاجتماعية ، فهو لا يملك ميزان حرارة ولا مجهر ، والوقائع الاجتماعية فريدة لا تتكرر خلافا للظواهر الطبيعية والفيزيائية التي يمكن إعادتها بتوفير نفس الشروط ، لذلك كانت الظواهر الاجتماعية لا تخضع للحتمية الميكانيكية التي تخضع لها الظواهر الطبيعية ، فالانسان عكس المادة يملك إرادة ، وقادر على تغيير سلوكه دون سابق اشعار ، فنسبية النتائج التي تتوصل إليها العلوم الاجتماعية هي تجسيد لحرية الانسان .
ثالثا : بناء الموضوعية
لا يمكن تحقيق تباعد كاف في العلوم الاجتماعية بين شخص الباحث وموضوع البحث كما رأينا لكن هل العلوم الطبيعية موضوعية حقا ؟ إننا نرى أن الحقائق تتغير ، فمن مرحلة كانت تعتبر الانسان محور الكون إلى مرحلة تعتبر الشمس مركز الكون ، إلى أخرى تعتقد أن المجموعة الشمسية هي مركز الكون ، يعني ذلك أن الموضوعية بناء تدريجي ، تخضع لها العلوم كيفما كان نوعها وباستمرار وبشكل لا نهائي ، فمن موقف مركزي إلى موقف أقل مركزية إلى موقف موضوعي أخير قد يبدو لاحقا أنه يحتاج إلى موقف آخر
رابعا : التجربة مقياس بين المقاييس
يقصي بعضهم كل علم لا يُخضع الظواهر للتجربة ، وبذلك تصبح الرياضيات مثلا مقصية من دائرة العلوم ، والواقع يقتضي عدم إعطاء التجربة أكثر مما تستحق فهي ليست أكثر من مقياس من بين مقاييس أخرى تستعمل للتحقق من النتائج العلمية .
مراحل تطور المعرفة الإنسانية
أولا : التفكير الخرافي
ارتبط التفكير الخرافي بتقديس زعماء القبائل و الكهنة و السحرة و كل من كان يدعي قدرات خارقة و علاجية . وقد وقف هذا الفكر عائقا أمام بلوغ المعرفة العلمية الصحيحة غايتها ، حيث عمل على رفض كل المعارف التي لا تتفق معه
ثانيا : العلم من وجهة نظر الاتجاه المثالي
يتميز هذا النوع من التفكير بإيمان الانسان المطلق بالمعتقدات و الديانات و بكونها المصدر الفعلي للمعرفة و أن القائمين على الشأن الديني هم ملاك للحقيقة . فالحقيقة العليا في كل مجال من مجالات المعرفة الإنسانية من كان أصلها ديني وأبرز رواد هذا الفكر أفلاطون الذي يعتبر الدين علما من العلوم و أن الدين هو أعلى درجات المعرفة ، لكنه كان يقصد الشق النظري من العلم و لم يتجه لدراسة الطبيعة و بقي فكره يصبو لما وراء الطبيعة و رغم محاولة تلميذه أرسطو الاقتراب من عالم الطبيعة فقد بقي فكره منحصرا في المثاليات .
هذا المفهوم الذي تميز به العلم في إطار الفكر المثالي الوثني امتد خلال القرون الوسطى في إطار الفكر الديني المسيحي الكنسي . حيث كرست الكنيسة حصر المعرفة و العلم في أبعاد دينية و حصر اهتمامات المفكرين و العلماء في نطاق التأمل الفلسفي حتى في تعاملهم مع مظاهر الطبيعة فيمكن القول أن الكنيسة ساهمت كثيرا في تكريس الجمود الفكري عن طريق اضطهاد العلماء فانعكس ذلك على الشعوب حيث انتشر الجهل و التخلف و عاشت أوربا مرحلة من أسوء مراحل التاريخ .
ثالثا : العلم من وجهة نظر الاتجاه المادي
التيار المادي يرى أن المعرفة تستمد من الوجود المادي أي من خلال الاتصال المادي بالطبيعة فالمعرفة حسب هذا التيار ماهي إلا حلول للمشاكل التي يطرحها الواقع العملي وموقف الدين الإسلامي من المدرسة المثالية و المدرسة المادية :
سبب عداوة النظرية المادية للدين هو الممارسة التعسفية للكنيسة على الفكر والمفكرين إبان حكم الكنيسة والاقطاعيين وأما الإسلام فقد أعطى للعلم قيمته الحقيقية كما أنه وازن بين الطابع المادي للعلم و بين المعتقدات الدينية الغيبية فأعطى كل شيء حقه ومستحقه ، بل شجع على العلم وكسبه بالطرق المختلفة ، والاماكن المختلفة ، دون الضرب في الغيبيات التي جعل الايمان بها من كمال الايمان ورشد العقل ، فالعقل مهما بلغ من الذكاء واستعمال الوسائل العلمية لن يعلم كل شيء ولن يصل إلى معرفة الحقائق الروحية بالوسائل المادية .
مناهج العلوم الاجتماعية
تعريف المنهجالمنهج : لغة هو الطريق أو النظام كما يعني الكيفية أو طريقة تعليم شيء معين وفقا لبعض المبادئ بصورة مرتبة ومنظمة . و في الاصطلاح المنهج هو فن التنظيم الصحيح لسلسلة الأفكار العديدة إما من أجل الكشف عن الحقيقة حيث نكون بها جاهلين أو من أجل البرهنة عليها للآخرين حيث نكون بها عارفين
و يعرف الدكتور عبد الرحمان بدوي باعتاباره الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة تهيمن على سير العقل التي تحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة . ويعرفه قاموس ربيير مجموعة الوسائل و الإجراءات التي يسلكها العقل للكشف و التدليل على الحقيقة في العلوم .
مصطلح منهج هو ترجمة لمصطلح Méthode ، وهي كلمة كانت تستعمل من طرف أريسطو وأفلاطون للدلالة على معنى البحث ، ولم يبدأ المنهد بأخذ معناه الحالي وهو القواعد المعتمدة من أجل الوصول إلى الحقيقة العلمية إلا مع عصر النهضة . وبهذا المعنى فالمنهج أداء للكشف عن الحقيقة ، وتقديم هذه الحقيقة وعرضها ، غير أن أصحاب هذا التعريف لا يتحدثون إلا عن الافكار وليس عن الوقائع الفيزيائية والتاريخية ، فهم اهتموا بالمنهج الرياضي الاستدلالي دون المنهج التجريبي التاريخي ، ومن خلال هذه التراكمات في مجال المنطق والرياضيات والعلوم التجريبية ، تكونت فكرة المنهج ، حتى أصبح معناها العام الطريقة والبرنامج المتبع لبلوغ هدف معين ، أي أن المنهج هو أسلوب علمي أو مجموع عة من المبادئ والقواعد والعمليات العقلية التي يستعين بها الباحث ويسير في ضوئها لتحقيق الهدف وهو اكتشاف الحقيقة و استخلاص النظريات والقوانين التي تحكم ظاهرة ما .
تصنيفات كرافيتيز للمنهج :
- المنهج بالمعنى الفلسفي : هو مجموعة من القواعد المستقلة عن أي بحث أو مضمون خاص يحيل بالأساس إلى عمليات وأشكال من التفكير تجعل الواقع المراد إدراكه سهل التناول .
- المنهج طريق للتفسير : أي وسيلة لبلوغ جانب من الحقيقة و الجواب بالأساس على سؤال كيف ؟
- المنهج المرتبط بمجال بميدان معين : يعد مصطلح المنهج مبررا عندما يرتبط بمجال نوعي و يضم طريقة عمل خاصة به
منهج أم مناهج العلوم الاجتماعية
تتوزع مناهج البحث في العلوم الاجتماعية بين شكلين ، المناهج النظرية والمناهج التطبيقية ، وقد يحصل تكامل بين الشكلين ، فنقوم بجمع معلومات نظرية حول الظاهرة ثم نقوم باستعمال أدوات البحث التطبيقية ، فالادوات لا يمكن استعمالها دونما إطار نظري، كما أن الاطار النظري لوحده قد لا يسعف الباحث للوصول إلى تفسير الظاهرة ، فالتمييز بين المناهد النظرية والتطبيقية لا يلغي تكاملهما ، كما أن التمييز لا ينطلق من موقف ينحاز إلى هذه الفئة من المناهج دون الاخرى ، وبسط نماذج عن هذه الفئة لا ينطلق من أولوية المناهج النظرية على المناهج التطبيقية .
التصنيف التقليدي لمناهج البحث العلمي
التصنيف الاول : المنهج التحليلي المنهج التركيبي المنهج التحليلي الاكتشافي أو منهج الاختراع هدفه اكتشاف واختراع الحقائق بهدف تعليمها ونشرها للاخرين المنهج التركيبي أو التأليفي هدفه ترکیب وتأليف الحقائق وما يعاب على هذا التصنيف أنه ناقص لأنه يتحدث عن الأفكار فقط ولا يشمل القوانين والظواهر كما أنه لا يصلح لكافة فروع العلم والمعرفة .
التصنيف الثاني : المنهج التلقائي (و) هو المنهج الذي يسير فيه العقل سيرا طبيعيا نحو المعرفة أو الحقيقة دون تحديد سابق للأساليب و القواعد) . المنهج العقلي التأملي (هو) المنهج الذي يسير فيه العقل والفكر في نطاق أصول وقواعد منظمة من أجل اكتشاف الحقيقة أو الحصول على المعرفة) هذا التصنيف يعاب عليه تحدثه عن طرق ووسائل الحصول على المعرفة والشروط العقلية العلمية وليس مناهج البحث العلمي كمناهج لها أصول وقوانين .
التصنيف الحديث لمناهج البحث العلمي
- تصنيف ويتني : رتب الفقيه ويتني المناهج العلمية على النحو التالي: المنهج الوصفي ، المنهج التاريخي ، المنهج التجريبي ، البحث الفلسفي ، البحث التنبؤي ، البحث الاجتماعي ، البحثالإبداعي .
- تصنيف ماكيز : المنهج الانتروبولوجي ، المنهج الفلسفي ، منهج دراسة الحالة ، المنهج التاريخي ، منهج المسح ، المنهج التجريبي
- ما يلاحظ على هذه التصنيفات أن أصحابها بالغوا في تحديد مناهج البحث العلمي ، فقد أقحموا بعض أنواع البحوث العلمية و طرق الحصول على المعرفة و الثقافة وكذا بعض أجزاء المناهج الأصيلة لكن هناك مناهج أصلية و أخرى فرعية متفق عليها من طرف علماء علم المناهج و هي :
- المناهج الأصلية : المنهج الاستدلالي ، النهج التاريخي ، المنهج التجريبي ، المنهج الجدلي .
- المناهج الفرعية : هي التي لم يتفق العلماء على اعتبارها أصلية وهي : المنهج الوصفي ، المنهج الإحصائي ، المنهج التحليلي ، المنهج المقارن .
المناهج النظرية
تمتاز المناهج النظرية بكونها تزود الباحث بالمفاهيم اللازمة لبحثه كالبنية و الوظيفة و النسق ، كما توجهه نحو ما ينبغي التركيز عليه أثناء البحث ، كالبحث عن التناقضات و البنيات وعلاقات النسق البيئة . المناهج النظرية أحيانا تقترح نوعية الأداء التي يجب استخدامها لجمع المعطيات عن الظاهرة موضوع الدراسة ، كاستعمال أداة المقابلة لاستجواب.وتتعدد المناهج النظرية بتعدد زوايا النظر إلى الظاهرة ، وبتعدد ما يؤخذ بعين الاعتبار من الباحثين ، فهناك من يدرس تاريخ الظاهرة ويرى فيه السبيل إلى فهمها ، بينما هناك من يختار دراسة وظيفة الظاهرة فهو الجانب الأهم فيها .
ولعل أبرز محاولات إخضاع الظاهرة الاجتماعية للمناهج العلمية محاولة الفرنسي اوجست كونت خلال القرن التاسع عشر ، حيث استفاد من التقدم الذي حققته العلوم الطبيعية واقتبس منها المنهج المعمول به فيها و طوعه لينسجم مع طبيعة الظاهرة الاجتماعية .
أولا : المنهج الوضعي
ولد المنهج الوضعي في ظل ظروف تاريخية فرنسية ، في إطار بناء كونت لعلم الاجتماع ، فالثورة الفرنسية أدت إلى صراع بين اتجاهين مجتمعيين ، الأول يريد فرض قوانين المجتمع القديم بينما ينادي الثاني بالتغيير والثورة ، في نفس السياق عرفت فرنسا في هذه الفترة ثورة فكرية وعلمية ، حيث تطورت علوم الرياضيات والفيزياء والميكانيك والكيمياء وعلوم الارض والطب ، لذلك رأى كونت ضرورة إرساء معالم علم الاجتماع لإتمام سلسلة العلوم المكونة للمعرفة الوضعية .
خصائص السوسيولوجيا عند كونت
- الطموح التوحيدي : أراد كونت أن تصل العلوم الاجتماعية إلى نفس درجة الدقة التي تتميز بها العلوم الطبيعية ، فكان متحمسا لوضع أسس علم اجتماع يستوعب الظواهر الاجتماعية ، وكان يرفض تجزيء الدراسات الاجتماعية ، ويرفض تقسيم المظاهر الاقتصادية والسياسية وعزلها ، فموضوع السوسيولوجيا هو موضوع لا يقبل التجزئة عند كونت ، لأنها وضعت للجواب على سؤال شمولي يطرحه المجتمع .
- الطابع الغائي : بالاضافة إلى الطموح التوحيدي عند كونت للعلم الذي أسسه ، فإنه يمتاز بطابعه الغائي ، حيث جعل على عاتق علم الاجتماع تحقيق السلام ، فالصراعات التي أعقبت الثورة الفرنسية جعلت كونت يفكر في تأسيس علم اجتماع يعيد صياغة الظروف الاجتماعية على نحو يضع قواعد جديدة للسلوك الاجتماعي ، فهو يرى أن السوسيولوجيا باعتبارها معرفة علمية هي الحل للمشكل الاجتماعي لأن المجتمع المثقف ينهل من العلوم ويعرف كيف يقود نفسه
- الطبيعة الوضعية : يراد بذلك استقراء واقع الظاهرة لا التفلسف والتأمل والتفكر ، فالواقع هو الاهم ، ومصدر المعرفة هو الواقع لا التأمل العقلي الفلسفي ، فـ كونت تأثر بدقة العلوم الطبيعية وموضوعيتها وأراد تطبيق نفس الأمر على العلوم الاجتماعية .
- تحييد الدين والفكر اللاهوتي عن كل مشاركة في الحياة العملية
- وضع أسس مشروع علمي وفكري ومعرفي يقوم على مبدأين أساسين هما:
- مبدأ العلمية فلا تعامل بعد الآن مع الظواهر والأشياء إلا من منظور علمي
- مبدأ العلمنة وفيه تحييد وإقصاء صريح للدين ولأي تفكير ذي أساس لاهوتي
- التأكيد على أن لا مبرر للتميز بين نموذجين للعلم، أحدهما للموضوعات الطبيعية، والثاني للموضوعات الإنسانية والمجتمعية.
- الموضوع الذي يدرسه علم الاجتماع يجب أن يكون شيئا خارجيا، أي يمكن التعرف عليه من الخارج وهذا ما أكد عليه دوركايم بتركيزه على ضرورة دراسة الظاهرات الاجتماعية كأشياء
- التشديد على ضرورة إحلال فكرة القانون محل القوى الخارقة للعادة التي تحكمت طويلا بتفسير الظواهر العلمية.
- التأكيد على ضرورة إخضاع التخيل أو التصوير الفلسفي الذي كانت تقوم عليه المناهج القديمة إلى الملاحظة.
- يستند منهج البحث الوضعي إلى إعطاء العلاقات التي تربط بين الظواهر الاجتماعية أهمية من أن الفلسفة الوضعية تعتبر نفسها مفسرة للكون ومظاهره وتسعى إلى الكشف عن طبائع الأشياء والقوانين التي تحكمها وهذا بخلاف المناهج القديمة التي لم تعطينا فكرة واضحة عن تحديدها للعلاقات بين مختلف الظواهر وعن الارتباط الحقيقي بينها.
- تنظر الوضعية إلى المجتمع باعتباره كلية اجتماعية تتكون من الأفراد الأحياء والأموات بكل ما تشتمل عليه من بنى ومؤسسات وعلاقات وتراث وسلوكات وثقافات تعبر بانصهارها جميعا عن كلية اجتماعية أو ما يمكن تسميته بالوجود الاجتماعي. ويشدد كونت ودوركايم على تحليل القدرة الاجتماعية ليثبتا أن الاجتماع الإنساني هو الحالة الطبيعية للإنسان وبالتالي فان المجتمع مقدم على الفرد ولا يزول بزوال أفراده. فالفرد لا يعتبر عنصرا اجتماعيا ولا قيمة له إلا في الأسرة أو المجتمع لأن القوة الاجتماعية مستمدة من تضامن الأفراد ومشاركتهم في العمل وتوزيع الوظائف بينهم ، فالاتجاه الوضعي يؤكد على أن الفردية لا يتحقق فيها أي شئ من المظاهر الجمعية دون امتزاج العقول وتفاعل وجدانات الأفراد واختلاف وظائف وتنوع الأعمال ذات الأهداف الواحدة والغايات المشتركة
يرى كونت أن الظواهر الاجتماعية يجب التعامل معها كأشياء ، كما يتعامل الفزيائي مع ظاهرة فيزيائية ، فلا يجب أن نعترف للظواهر الاجتماعية بنظام خاص بل يجب إخضاعها للملاحظة والتجربة المعروفين في العلوم الطبيعية ، فخطوات المنهج العلمي في العلوم الطبيعية هي والافتراض ثم التأكد من صحة الفرضيات عن طريق التجربة ثم تفسير الظاهرة في مرحلة أخيرة .أي تحديد أسبابها والقوانين التي تحكمها ، هكذا اعتبر كونت الملاحظة . القاعدة الوحيدة للمعرفة، وأن التجربة صعبة في ميدان العلوم الاجتماعية ويمكن الاستعاضة عنها بدراسة تاريخ الظاهرة ، لأن التاريخ هو الذي سيكشف عن الاضطراب الاجتماعي ومصادره وسياقه .
آثار تصور كونت على البحث العلمي
لم تتحقق نبوءة كونت في توحيد العلوم الاجتماعية ، ولم يتمكن من تطبيق المنهج الذي جاء به ، وظل علم الاجتماع فرعا من فروع العلوم الاجتماعية ، بل حتى علم الاجتماع نفسه أصبح يفرخ تخصصات جديدة كعلم الانتخابات وعلم الدين وعلم الاجتماع الحضري والقروي ، لكن أفكار كونت وجدت صداها في علم الاجتماع الامريكي الذي أكد النظرة الوضعية الكونتية بكل حذافيرها ، فتميز علم الاجتماع الامريكي بنبذ الدراسات النظرية تحت يافطة تحرير علم الاجتماع من الميتافيزيقا ، وتوجيه اهتمام علماء الاجتماع إلى معالجة المشاكل الاجتماعية ليتحول علم الاجتماع الى علم علاجي اصلاحي أي غائي ، ثم خدمة المجتمع وفهم إمكانيات ضبطه تطبيقا لمقولة كونت " الفهم من أجل الضبط " .
كفر كونت بكل الاديان ، ودعا في آخر حياته إلى دين عبادة الإنسانية، فالإله الجدير بالعبادة حسب أوكوست كونت هو الإنسانية ومصالحها.
ثانيا : المنهج الوظيفي
تنقسم المناهج في العلوم الاجتماعية كما رأينا إلى مناهج نظرية تهتم بتفسير الظواهر بمرجعيات علمية ، أمثلتها : المنهج الوضعي ، المنهج النسقي ، المنهج الجدلي ، المنهج البنيوي ، المنهج النقدي المنهج التاريخي ، المنهج المقارن و أخرى تطبيقية تتعامل بشكل علمي مع الظواهر الإجتماعية أمثلتها : الملاحظة ، الإستبيان ، العينة ، المقابلة ، بالإضافة إلى المناهج المختبرية .
والمنهج الوظيفي يأتي ضمن المناهج النظرية فهو الطريقة العلمية التي تعتمد بالأساس على الوظيفة كآلية لتفسير الظواهر ، وتحيل الوظيفة على الفعل أو العمل الذي يقوم به كائن ما بيولوجيا تحيل الوظيفة على الجهاز العضوي فالعين وظيفتها البصر و اليد وظيفتها البصر واليد وظيفتها اللمس أما قانونيا فتحيل الوظيفة على الدور المؤسساتي فالبرلمان وظيفته التشريع والحكومة وظيفتها التنفيذ ويعني هذا أن الوظيفة هي أداة التحليل في المنهج المذكور والمنهج الوظيفي لا يهتم بتاريخ الظاهرة ولا تركيبها الداخلي بل يسعى إلى الكشف عن وظائفها ، أي ما تقدمه للمجتمع من فائدة وتوازن وبقاء واستقرار .
البيولوجيا أول من عرف مفهوم الوظيفية ، أما في علم الاجتماع فتعود جذور المنهج الوظيفي إلى كتابات عالم الإجتماع "دوركايم" ، حيث أكد في مؤلفه الصادر عام 1898 على ضرورة تحليل وظائف المؤسسات و الممارسات الاجتماعية ، إلا أن التحليل الوظيفي كمنهج له قواعده و أصوله لم يظهر إلا في الثلاثينات من القرن العشرين على يد الإثنولوجيين أمثال مالنوفسكي وميرتون الذي عرف الوظيفة بأنها " كل فعل متكرر لكائن ما يتمثل في الدور الذي يلعبه في الحياة الإجتماعية وفي مساهمته في ضمان استمرارية البنى الإجتماعية " هذا وينطلق الإتجاه الوظيفي من مجموعة الأفكار و الإجراءات في دراسة الظواهر الاجتماعية مستندا بالأساس إلى فكرة الكل الذي يتألف من الأجزاء و يقوم كل جزء بأداء دوره وهو معتمد في هدا الأداء على غيره من الأجزاء و تجدر الإشارة إلى أن التحليل الوظيفي يتراوح بين التفسير المطلق و النسبي في إعتماد الوظيفة كأداة للتحليل
إتجاهات الوظيفية
إذا كان الإثنولوجيين قد جعلوا من الوظيفة منهجا لتفسير الوقائع الإجتماعية ، فإن ثمة إختلافا حول إمكانية أن تكون الوظيفة أداة مطلقة أم نسبية . و لهذا تجاذب التحليل الوظيفي إتجاهان ، الأول يقوده مالينوفسكي ، ويعتبر الوظيفة أداة مطلقة في التحليل ، و اتجاه ثاني يقوده روبرت ميرتون يعتبر الوظيفة أداة للتحليل النسبي.
أ- التحليل المطلق عند مالينوفاسكي
يعتبر مالينوفسكي من رواد المنهج الوظيفي ، حيث ساهم في تطويره خلال دراساته للمجتمعات و هو أول من طالب بوجود مدرسة وظيفية تقف في وجه النزعة التطويرية ، لهذا يرى أن النظرية الوظيفة هي المطلب الأول للبحث العقلي و للتحليل المقارن للظواهر في مختلف الثقافات ، ففي مؤلفه "النظرية العلمية " الصادر 1944 يحلل مالينوفسكي الثقافة من خلال الوظيفة التي تقوم بها في المجتمع اعتمادا على المبدأ القائل بأن سائر نماذج الثقافة وكل عادة أو هدف مادي ، وكل فكرة أو معتقد يقوم بوظيفة حيوية ، و له مهمته التي يؤديها و يمثل جزءا لازما لكل منظومة وهذه الوظيفة معممة أو مطلقة لأن كل عنصر حسب مالينوفسكي " يقوم بوظيفة تجاه الكل لهذا يكون التحليل الوظيفي موجها لدراسة أنساق كاملة وموحدة الأجزاء في إطار المنظومة الشاملة.
ب- التحليل النسبي عند روبرت ميرتون
عكس إطلاقية الوظيفة في التحليل الإجتماعي ، ينطلق روبرت ميرتون من كون الوظيفة أداة للتحليل لكنها تبقى نسبية في فهم و تفسير الظواهر الاجتماعية ، ، و مرد ذلك برأي ميرتون إلى أن صعوبة تحديد الوظيفة ، فهناك الوظيفة الصريحة و الوظيفة الكامنة ، فالشخص مثلا عندما يشتري سيارة فخمة فالمعروف هو أن وظيفتها هي النقل إلا أن الوظيفة الكامنة هي المكانة و الهيبة، زيادة على ذلك فإن التحليل الوظيفي يجد صعوبة في التحليل لأن الجزء يمكن أن يمارس عدة وظائف وفي ذلك يكون المنهج الوظيفي أمام إشكال التمييز بين الوظيفة الرئيسية للجزء و الوظائف الأخرى وبشكل عام فإن ميرتون يبدو أكثر جدية و تحريا في اعتماد المنهج الوظيفي كأداة للتحليل.
محدودية التحليل الوظيفي
عانت الوظيفية من الغموض الذي يعتري مفهوم الوظيفة ، فيراد بها المهنة أو المنصب وقد يراد بها الاختصاص أي المهام التي يتولاها موظف ما أو كأن نتحدث عن الوظيفة التشريعية أو التنفيذية ، بمعنى الاختصاص بتنفيذ القوانين ، كما يراد بالوظيفة النفع الذي نجنيه من ظاهرة ما ، أيضا هناك معنى رياضي للاشارة الى العلاقة بين عنصرين أو أكثر ، بينما في علم الاجتماع فقد تأثر مفهوم الوظيفة بالمعنى البيولوجي ، أي الاسهام الذي يقدمه عنصر ما للنظام أو للكل الذي هو جزء منه ، ففي المفهوم الاجتماعي الوظيفة تعني المماثلة بين جسم كائن حي والمجتمع ، فكما أن الجسم محتاج إلى تنفس وهضم فالمجتمع محتاج إلى ضبط وتطور وتوازن ونظام .
نقد الوظيفية
تعرض المنهج الوظيفي لعدة إنتقادات من أهمها :
- التركيز على الجوانب الثابتة في النسق الاجتماعي و عدم الاهتمام بالمتغيرات إضافة إلى استخدام الأبعاد الثقافية في التفسير أكثر من غيرها من مكونات النسق.
- المبالغة في محاكاة نموذج العلوم الطبيعية، خاصة علم الحياة وكأن النسق الاجتماعي كائن عضوي تحكمه نفس القوانين التي تحكم حركة الكائنات الحية.
- تصور المجتمع نظاما أبديا لا يعرف التطور والانتقال واستبعاد فكرة التغير الاجتماعي.
- صعوبة اختيار كثير من المفاهيم والتصورات والقضايا التي يستند إليها المنهج الوظيفي في فهم المجتمع.
- إهمال فكرة الصراع الطبقي، خاصة أن هذا المتغير أساسي لفهم التغير وتطور المجتمعات الإنسانية.
- عدم طرح أسئلة رئيسية وجذرية حول غاية الفعل الاجتماعي ، فهو يهتم فقط بنتائج الفعل واستمراره دون النظر في مضامينه وغاياته البعيدة.
ثالثا : المنهج البنيوي
البنية هي العلاقة الثابتة نسبيا والمتكررة بين عناصر تنتمي لنفس المجموعة ، تكونت هذه المجموعة من أعداد أو لغة أو أشخاص أو غير ذلك ، فالبنيوية تدعونا إلى دراسة الظواهر الاجتماعية والتركيز على بنيتها ، أي العلاقات الثابتة بين عناصر الظاهرة ، فدراسة الحزب مثلا باستعمال المنهج البنيوي تقتضي التركيز على العلاقات الثابتة فيه ، كعلاقات الصراع بين القمة والقاعدة حول توجهات الحزب ، وعلاقة الحزب بالطبقات الاجتماعية الاخرى ، ينطبق ذلك أيضا على الاسرة مثلا ، وتدرس العلاقات الثابتة بين الأبوة والبنوة أو علاقة الأبوة والأمومة وغيره .
إن البنيوية في أبسط تعاريفها تعني أنه لا أهمية لطبيعة كل عنصر بحد ذاته وأن هذه الطبيعة تقررها علاقة العنصر بكل العناصر الأخرى ، فلا يمكن إدراك الأهمية الكاملة لأي كيان ما لم يتفاعل الكيان مع البنية التي يكون هو جزءاً منها .
يقوم المنهج البنيوي ، والذي يعد كل من هربرت سبنسر وروبرت ميرتون وهانز كيرث من أهم رواده ، على مبادئ أساسية متكاملة تتجلى فيما يلي :
- النظر إلى أي شيء سواء كان كائنا حيا أو اجتماعيا وسواء كان فردا أو مجمو. عة صغيرة أو تنظيما رسميا أو مجتمعا أو حتى العالم بأسره على أنه نسق أو نظام ، وهذا النسق يتألف من عدد من الأجزاء المترابطة وفيما بينها.
- لكل احتياجات أساسية لابد من الوفاء بها وإلا فإن النسق سوف يقف أو يتغير جوهريا، فالجسم مثلا يحتاج للأوكسيجين، والمجتمع يحتاج لأساليب لتنظيم السلوك (القانون) ومجموعة لرعاية الأطفال (الأسرة) وهكذا.
- لابد أن يكون النسق دائما في حالة توازن ، ولكي يتحقق ذلك لابد أن تؤدي أجزاءه المختلفة وظائفها.
- كل جزء من أجزاء النسق قد يكون وظيفيا أي يساهم في تحقيق توازن النسق، وقد يكون ضارا وظيفيا أي يقلل من توازن النسق وقد يكون غير وظيفي أي عديم القيمة بالنسبة للنسق.
- يمكن تحقيق كل حاجة من حاجات النسق بواسطة عدة متغيرات أو بدائل فحاجة المجتمع لرعاية الأطفال مثلا يمكن أن تقوم بها الأسرة وحاجة المجموعة إلى التماسك قد تتحقق ع طريق التمسك بالتقاليد.
- وحدة التحليل يجب أن تكون هي الأنشطة أو النماذج المتكررة بالتحليل الاجتماعي الوظيفي، مثلا لا يحاول أن يشرح كيف ترعى أسرة أطفالها ولكنه يهتم بكيفية تحقيق الأسرة كنظام لهذا الهدف.
فترة الستينات كانت مرحلة حاسمة بالنسبة للبنيوية، حيث بلغت ذروتها كاتجاه فلسفي، وعرفـت سجالا بينها وبين التيارات الاخرى خاصة الماركسية، وقد عرفت بفلسفة موت الانسان .
- قتل الانسان : الفلسفة البنيوية لا تولي أية أهمية للإنسان في البنيات التي يتواجد فيها ، فليس الانسان صانعها ، بل هو صنيعة لها ، فيقول البنيويون أن البشر صنائع أفكارهم ، وأن أفعال البشر لا تتحدد باختيارهم بل هي نتيجة للبنية الكامنة في أفكارهم ، بل يصلون الى حد القول بأن البشر لا يخلقون المجتمع بل المجتمع يخلقهم
- إلغاء التاريخ : لا يمكن الاحاطة بظاهرة دون الرجوع إلى تاريخها ، نشأتها ، التطور الذي قطعته والمراحل التي مرت منها ، فيكون التاريخ أداة رئيسية في تفسير الظواهر الاجتماعية لكن البنيوية تعتقد أن ذلك محض إضاعة للجهد ، فما جدوى تاريخ الظاهرة الذي مضى ؟ إن المهم هو البنية ، أي العلاقة الثابتة ، فهي الجوهر ، فينتقد البعض البنيويين قائلا : إن البنيويون يتحدثون عن التحولات وكأنها أحداث سحرية حدثت دون أسباب .
- السقوط في النظرة الاختزالية : ويقصد بذلك التغاضي عن الجوانب الثانوية في الظواهر التي تدرس ، والاكتفاء باختزالها في صيغ رياضية رغم أنها في كثير من الأحوال تكون مهمة ، فالاهتمام بالبنية يغري الباحث باختزال الواقع حتى يفقد المعنى .
جاءت لتصحح المنهج البنيوي، فكل بنية تبذل مجهودا من أجل تصحيح ماضيها وتحقيق توازنها الراهن والتهيئ للمستقبل ، وذلك تكون البنيوية قد أعادت مكانا للتاريخ وسط تصورها للظواهر،كما أعادت مكانة الانسان حيث اعتبرت البنيوية التكوينية أن الانسان لا يتأثر فقط بالبنية بل هو مؤثر أيضا فيها ، من خلال المجهود الذي يبذله خلال استيعابه للتغيرات التي تطرأ على البيئة التي يعيش فيها والاستفادة منها من أجل تحقيق التوازن والتكيف
رابعا : المنهج النسقى
عرف العالم في منتصف القرن العشرين تحولا مهما وكردة فعل على الماركسية التي تقول بالصراع الاجتماعي وبالثورة، وكردة فعل على الوجودية، التي تولي اهتماما بالإنسان الفرد أكثرمن اهتمامها بالمحيط، أي تهتم بالتداخل أكثر من الخارج، ظهر تيار فلسفي اكتسح ساحة التنظير والتحليل في اللغة والآداب، وفي علوم اجتماعية متعددة كالأنتربولوجيا والسسيولوجيا وعلم السياسة، ثم انتقل إلى مجال العلاقات الدولية، هذا التيار هو البنيوية التي سرعان ما تجاوزت نواقصها عندما دخل عليها التحليل الوظيفي لتأخذ اسم البنيوية الوظيفية، والتي تركت مكانها للمنهج النسقي بعد ذلك ويعتبر المنهج النسقي منهجا علميا من أحدث المناهج نسبيا، ويعتمد على التجريد كأداة بحثية وبناء النماذج كضرورة تتطلبها معالجة المتغيرات المتعددة في الإطار التحليلي، وبرز هذا المنهج في علم الاقتصاد في تحليل الجدول الاقتصادي، وفي علم الاجتماع السياسي من خلال تحليل جداول المدخلات و المخرجات.
مفهوم النظام أو النسق لا يعني التوافق والانسجام التام، بل التفاعل وتبادل المواقف والمواقع بل الصراع أيضا، وفي هذا يقول هربرت سبير" إن النظام السياسي يمكن أن يوجد حينما يعيش الناس لكي يتعاونوا ويتصارعوا من أجل تسوية مشاكل مشتركة" ومع ذلك يجب الحذر من هذا المنهج وعدم التسليم بمقولاته، وخصوصا بالنسبة لدول العالم الثالث ومجتمعنا العربي بالأساس، ذلك أن هذا المنهج يصلح في مجتمعات وصلت إلى درجة من التقدم والنضج في إطار الليبرالية الاقتصادية.
التحليل النسقي في الدراسات السياسية
- وجدت النسقية مجالا خصبا للتطبيق في التحليل السياسي، حيث يذهب النسقيون إلى اعتبار الظواهر السياسية جزءا من النسق الاجتماعي العام، يتبادل مع مكوناته التأثير المتبادل والتناسق ويتأثرالنسق السياسي بالبيئة الاجتماعية و بالمحيط الخارجي في نفس الوقت، ويؤكد المنهج النسقي على أن العلاقة ما بين النسق السياسي والنسق الاجتماعي العام هي التي تساعد الأول على القيام بوظائف التكيف والضبط والتوزيع بما يحول دون اختلال النسق، كما يبين دور البيئة الاجتماعية النسق الاجتماعي في عملية اتخاذ القرار السياسي، فالعلاقة بين الطرفين تخضع لدورة سبرنيتيقية ولا يمكن أن يفهم النظام السياسي إلا من خلال هذه الدورة، ومن أشهر الدراسات السياسية في هذا السياق ما قام به كل من ديفيد أستون وغابرييل ألموند.
- أقام أستون نظريته السياسية على فكرة النظام وهي تعني بالنسبة له إن الحياة السياسية هي جسد التفاعلات ذات الحدود الخاصة التي تحيطها نظم اجتماعية تؤثر فيها بشكل مستمر فهو لا يهتم كثيرا بما يجري داخل العلبة بل أن ما يعنيه من هي علاقات النظام مع بيئته الخارجية أو غير الاجتماعية كالنظام البيئي النظام البيولوجي النظم النفسية والنظم الدولية ويركز أستون اهتمامه على العناصر والمؤثرات المحيطية التي تؤثر على النظام السياسي العلبة السوداء أو ما تسمى بالمدخلات وعلى ما يصدر من ردود فعل بعد تلقيه هذه المؤثرات المخرجات فالتحليل النظمي في نظره يهتم بهذه الحلقات المتتابعة من الأفعال وردود الأفعال ما بين المحيط والنظام السياسي وقدرة النظام على الحفاظ على توازنه والتكيف مع ما يرد عليه من مؤثرات خارجية ليستوعبها ويكيفها بما لا يجعلها مخلة بالنظام.
- وحتى يحافظ النظام على توازنه فإنه يحتاج إلى توفيق بين نوعين من المدخلات والتي تشكل عبئا على النظام إن زادت على الحد كمطالبة العمال بزيادة الأجور أو بتحسين الضمان الاجتماعي وهو في هذه العملية يحتاج إلى مساندة كتعبير المواطنين عن مساندتهم للنظام في أية خطوة يقدم عليها للرد على المطالب اعتمادا على المطالب المساندة والتوازن بينها تصدر المخرجات عن النظام وهذه إما تكون تشريعات جديدة تستجيب لكل أو بعض المطالب أو حملة إعلامية لتوضيح الأمور وتبيان عدم شرعية المطالب أو المبالغة فيها أو القيام بتدابير قمعية كالتحدي للنقابات العمالية أو حل حزب من الأحزاب أو منع المظاهرات والإضرابات
- ويرى أستون أن كل نظام يقوم بثلاث وظائف أساسية -1 وظيفة التعبير عن المطالب. 2- وظيفة ضبط المطالب. -3 وظيفة تقليص أو دمج المطالب.
- ولابد من إشارة هنا إلى دور العلماء الأمريكيين في وضع أسس هذا المنهج وهم بذلك كانوا متأثرين بطبيعة المجتمع الأمريكي الذي هو نظام مكون من عدة ولايات وكل ولاية تتكون من خليط من الأجناس والألوان والديانات، ويحافظ النظام الأمريكي على توازنه بفعل علاقات التساند التكيف سواء بين الولايات بعضها البعض، أو بين الأجناس والأعراق، وحفاظ النظام على توازنه ووجوده لا يعني عدم حدوث اختلالات بل المهم قدرة النظام على تمثل هذه الاختلالات واستيعابها، وهو التصور الذي أخذ به حتى كبار رجال السياسة الأمريكيين، فنجد المستشار الأسبق للأمن القومي بريجينسكي يقول: " في سبيل النظام تفضل الجريمة المنظمة بشكل عام على العنف الفوضوي، وبذلك تصبح الجريمة المنظمة بشكل غير مباشر وغير رسمي امتدادا للنظام".
- ويوضح الظواهر الحاضرة على ضوء الظواهر السابقة ويستخدم علماء الاجتماع المنهج التاريخي عند دراستهم للتغير الذي يطرأ على شبكة العلاقات الاجتماعية وتطور النظم الاجتماعية، والتحول في المفاهيم والقيم الاجتماعية، كذلك عند دراستهم لأصول الثقافات وتطورها وانتشارها عند عقد المقارنات المختلفة بين النظم والثقافات، بل إن معرفة تاريخ المجتمع ضرورية لفهم واقعه.
- المنهج التاريخي هو الأسلوب والطريق المؤدي لمعرفة الحقائق بناء على ظواهر سابقة ، يقول ابن خلدون : " إن فن التاريخ ...لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأول، تنمى فيها الأقوال، تضرب فيها الأمثال...وفي باطنه نظر وتحقیق وتعليل للكائنات وباديها دقیق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق".
- وهو تأريخ لماضي الإنسانية والحضارات وما تركه الإنسان من أثار مادية وثقافية من خلال الكتابة والتدوين وذاكرة الشعوب ومرآة للأمة تعكس لنا حوادث الماضي وحقبات من الزمن والتي كانت نتيجة تفاعل بين الأفراد في مكان ما وزمان ما .
وسمي كذلك بالمنهج الاستردادي لأنه عملية استرداد و عملية إسترجاع للماضي، و هو منهج علمي مرتبط بمختلف العلوم الأخرى ، حيث يساعد الباحث الاجتماعي خصوصا عند دراسته للتغيرات التي تطرأ على البنى الاجتماعية و تطور النظم الاجتماعية في التعرف على ماضي الظاهرة وتحليلها و تفسيرها علميا، في ضوء الزمان و المكان الذي حدثت فيه، و مدى ارتباطها بظواهر أخرى و مدى تأثيرها في الظاهرة الحالية محل الدراسة و من ثم الوصول إلى تعميمات و التنبؤ بالمستقبل.
بعض أعلام المنهج التاريخي
- العلامة ابن خلدون : واستخدم المنهج التاريخي في دراسته للعمران البشري في تحليله لمراحل تطور الدولة وهرمها.
- ماكس فيبر : كذلك استخدم المنهج التاريخي في دراسته لبعض الفرق الدينية البروتستنتية وتأثيرها في المجتمع أنذاك.
- كارل ماركس : أيضا هو استخدم المنهج التاريخي في دراسته لصراع الإنسان مع الطبيعة وتطور النظم في المجتمع عبر مراحلها التاريخية.
- أن تكون للباحث ثقافة واسعة في اللغات و لا سيما لغة البحث
- أن يكون قادرا على فهم و تحليل القضايا
- أن تكون له خلفية تاريخية على موضوع البحث وخاصة المصطلحات الخاصة بوثائق البحث
- كذلك يجب أن تكون له معرفة بالعلوم الأخرى كالأختام والنقود والجغرافيا ، ذلك لأنه لا يمكننا دراسة الحادثة التاريخية بمعزل عن العلوم الأخرى .
خصائص المنهج التاريخي
- يعتمد على ملاحظات الباحث وملاحظات الأخرون
- لا يقف عند مجرد الوصف بل يحلل ويفسر
- عامل الزمن، حيث تتم دراسة المجتمع في فترة زمنية معينة
- أكثر شمولا وعمقا لأنه دراسة للماضي والحاضر
- يساعدنا في التعرف على البحوث السابقة
- يساعدنا على معرفة تطور المشاكل و حلولها السابقة، و دراسة سلبيات و إيجابيات هذه الحلول
- يساعد في التعرف تاريخ و تطور النظم و علاقتها بالنظم الأخرى و البيئة التي نشأت فيها
- يمكننا هذا المنهج من حل مشاكل معاصرة على ضوء خبرات الماضي
- لا يقتصر المنهج التاريخي على التاريخ و العلوم الاجتماعية فقط بل يتعدى استخدامه إلى العلوم الطبيعية، الاقتصادية، العسكرية...
- يمثل تكامل بينه و بين المنهج المقارن.
أهداف المنهج التاريخي
- التأكد من صحة حوادث الماضي بوسائل علمية
- الكشف عن أسباب الظاهرة بموضوعية على ضوء ارتباطها بما قبلها أو بما عاصرها من حوادث
- ربط الظاهرة التاريخية بالظواهر الأخرى الموالية لها و المتفاعلة معها
- إمكانية التنبؤ بالمستقبل من خلال دراستنا للماضي
- التعرف على نشأة الظاهرة
عند دراسة ظاهرة أو حدث تاريخي يتوجب على الباحث إتباع خطوات أثناء دراسته و هي كما يلي:
- اختيار موضوع البحث و نقصد هنا تحديد مكان و زمان الواقعة التاريخية، الأشخاص الذين دارت حولهم الحادثة، كذلك نو النشاط الإنساني الذي يدور حوله البحث.
- جمع البيانات و المعلومات أو المادة التاريخية بعد الانتهاء من تحديد مكان وزمان الواقعة التاريخية يأتي دور جمع البيانات اللازمة و المتعلقة بالظاهرة من قريب أو من بعيد وتنقسم إلى مصادر أولية وثانوية المصادر الأولية وتتمثل في السجلات الوثائق والأثار المذكرات الشخصية المصادر الثانوية وهي المعلومات الغير مباشرة والمنقولة التي تؤخذ من المصادر الأولية ويعاد نقلها وعادة ما تكون في غير حالتها الأولى ونجدها في الجرائد والدراسات السابقة أو الرقصات الشعبية المتوارثة الرسوم والنقوش والصحف والنحوت، الخرائط، التسجيلات الإذاعية و التلفزيونية.
- نقد مصادر البيانات وهذه مرحلة جد مهمة في البحث حيث يجب التأكد من صحة المعلومات التي جمعت و ذلك ليكون البحث أكثر مصداقية وأمانة وفي ذلك قال ابن خلدون: "وكثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثا أو سمينا ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات و حكيم النظر والبصيرة في الأخبار فظلوا عن الحق و تاهوا في بيداء الوهم و الغلط ولا سيما في إحصاء الأعداد من الأموال والعساكر إذا عرضت في الحكايات إذ هي مظنة الكذب ومظنة الهذر ولا بد من ردها إلى الأصول وعرضها على القواعد.
- صياغة الفروض وهي عبارة عن حل مؤقت لإشكالية البحث والذي على إثره تتم دراسة الموضوع .
- تحليل الحقائق و تفسیرها وإعادة تركيبها هنا يتم تحليل الظاهرة الراهنة والتي هي موضوع الدراسة في ظل الحقائق التي قام بجمعها والتنسيق بين الحوادث، ومن ثم تفسيرها علميا مبتعدا عن الذاتية معتمدا في ذلك على نظرية معينة.
- استخلاص النتائج وكتابة التقرير وتعتبر هذه أخر مرحلة في البحث حيث تكون عصارة البحث بالخلوص إلى النتائج التي كان الباحث قد وضع لها فروض سابقة في البداية وكتابة تقريره النهائي حول الظاهرة المدروسة.
- من إيجابيات المنهج التاريخي أنه :
- يعتمد المنهج التاريخي على المنهج العلمي في تقديم البحوث
- النقد الداخلي والخارجي لمصادر جمع البيانات الأولية و الثانوية
- قليل التكلفة في جمع البيانات
- كما تؤخذ عليه بعض المآخذ نذكر منها :
- المادة التاريخية لا تخضع للتجريب و ذلك لانقضائها، مما يصعب إثبات الفرضيات
- يصعب تعميم النتائج المتوصل إليها والتنبؤ بالمستقبل ذلك لارتباط الظاهرة التاريخية بظروف مكانية وزمنية معينة
- صعوبة إخضاع البيانات التاريخية للتجريب مما يجعل الباحث يكتفي بالنقد الداخلي و الخارجي
- المعرفة التاريخية تعد ناقصة لما تتعرض له من تزوير و تلف و تحيز في نقل الأحداث
المقارنة لا تتم إلا بين شيئين متماثلين و لا يمكن أن يكونا متناقضين ، والمنهج المقارن هو ذلك المنهج الذي يعتمد على المقارنة في دراسة الظواهر حيث يبرز أوجه الشبه و الاختلاف فيما بين ظاهرتين أو أكثر ، واستخدام المنهج المقارن في العلوم القانونية حل محل التجربة المستخدمة في العلوم الطبيعية ، وعليه فالدراسات القانونية لا تخلو من المنهج المقارن ، ذلك أن النظام القانوني لا يمكن اكتشاف ما فيه من نقص و فراغ إلا من خلال مقارنته بنظم قانونية لدول أخرى .
المنهج المقارن يمكن استخدامه في كل مراحل البحث ، فالمقارنة جزء من الملاحظة ، بل إن المنهج المقارن يمكنه أن يقترح فرضيات وفي أحيان التحقق من هذه الفرضيات ، ويكمن جوهر الدراسة المقارنة في الوقوف على أوجه التشابه والاختلاف بين الظواهر ، لذلك يعرفها البعض بأنها عملية بواسطتها نجمع بين شيئين أو أكثر في نفس عملية التفكير من أجل استخراج أوجه التشابه والاختلاف .
المناهج التطبيقية
المناهج التطبيقية أو أدوات البحث نشير بها إلى مجموعة من الاليات التي نجمع بواسطتها معطيات ومعلومات حول الظاهرة المدروسة ، وهي بالتالي أدوات أساسية في عملية البحث ، فبدونها لا تقوم المعرفة العلمية ، فنكون أمام معرفة غير علمية لا تعتمد على الواقع مصدرا لها .التمييز بين المناهج النظرية والتطبيقية لا يقلل من قيمة أي منهما ، فالمنهج التطبيقي يحتاج الى تأطير منهجي نظري ، والمنهج النظري لا يمكن أن ينتهي الى التنظير دون أدوات إجرائية ، فهما بالتالي ينتميان إلى صنفين من المناهج ، لكنهما لا ينتجان أي معرفة علمية إلا إذا التقيا وتكاملا .
أولا : أداة العينة
العينة أداة من أدوات البحث ، وهي عبارة عن مجموعة جزئية من مجتمع الدراسة التي يتم اختيارها بطريقة معينة لإجراء الدراسة عليها ، و بعد استخلاص النتائج يتم تعميمها على كامل مجتمع الدراسة الأصلي
أنواع العينة :
- العينة الاحتمالية : هي تلك العينة التي تعتمد على نظرية الاحتمالات أي احتمال وقوع الحدث، بحيث يكون لكل عنصر من مجتمع البحث الأصلي حظ محدد و معروف ليكون من بين العناصر المكونة للعينة .
- العينة العقلانية : وتتوقف على التوفر على معلومات كافية عن مجتمع البحث .
- يجب أن تكون العينة بعيدة عن الانحياز والمحاباة، أي أن يكون اختيارها بشكل عشوائي بين مكونات مجتمع البحث الأصلي.
- أن تمثل العينة مجتمع البحث الأصلي بشكل صحيح، وألا تمثل مجتمعاً آخر، فعند الحصول على النتائج نفسها على عينات ثانية من مجتمع البحث نفسه، فإن هذه العينات تمثل مجتمع البحث بشكل صادق ودقيق، وعليه فإن خواص مفردات العينة تكون قريبة وشبيهة من خواص مجتمع البحث.
- تحقيق التجانس بين مختلف مكونات مجتمع البحث الأصلي، وفي حال عدم القدرة على تحقيق ذلك، وخاصة في المجتمع غير المتجانس فيتوجب على الباحث تجزئته إلى مجتمعات أصغر متجانسة.
- حصر مسبق لكافة مكوّنات مجتمع البحث الأصلي، مع تجزئته إلى وحدات معاينة، وحصر كل وحدة منها داخل إطار إحصائي خاص، ومثال على ذلك، فإنه عند دراسة سكان أحد المجتمعات، فإن وحدة المعاينة ستتمثل في الأسر أو الأفراد أو الجماعات، كما قد يتمثل في المجتمع الصغير عند دراسة المجتمعات الكبيرة.
- مناسبة حجم العينة ونوعها مع الأهداف الأساسية للبحث، ومع طبيعة مجتمع البحث، وطبيعة المشكلة المراد دراستها من خلال هذا البحث.
تعتبر الملاحظة أقدم وسائل جمع المعلومات وتعرف الملاحظة بأنها تلك الوسيلة التي نحاول بها التحقق من السلوك الظاهري للأشخاص وذلك بمشاهدتهم وهم يعبرون عن أنفسهم في مختلف الظروف والمواقف التي اختيرت لتمثل ظروف الحياة العادية أو لتمثيل مجموعة خاصة من العوامل الملاحظة المباشرة طريقة علمية للوصول إلى المعلومات الدقيقة حول الظاهرة المدروسة وهي تهتم بدراسة المجتمعات من حيث عناصرها العرقية أو السلالية وأصولها الثقافية ودياناتها وطقوسها وقيمها وتقاليدها.
شروط الملاحظة المباشرة :
- يجب أن يتدرب الباحث تدريباً دقيقاً على أساليب التفكير العلمي، والتي يجعل منه باحثاً محايداً هدفه الوصول إلى الحقيقة العلمية واكتشاف القوانين الدقيقة التي تحكم العلاقات الأجتماعية.
- يجب أن يكون دقيق الملاحظة، ويتحلى بالصبر وعدم التعجل في استنتاج النتائج.
- عليه أن يتعلم أفرادها وفهم نظام العاطفة الممزوج بنظام التخاطب، وبفكر بمثل ما يفكرون.
- إذا لم يتمكن من إتقان اللغة لضيق الوقت، أو لقلة الأمكانات، عليه أن يتخذ وسيطاً، أو مرشداً من أعضاء مجتمع الدراسة تتوفر فيه شروط الدقة والموضوعية والأمانة في نقل المعلومات على الباحث أن يسجل المعلومات فور الحصول عليها حتى لا تتعرض للنسيان أو الخطأ.
- على أن يستعين بكافة الوسائل التي تعيينه على الحصول على المعلومات الدقيقة في ذات الموضوع الذاتي يبحث فيه، قبل آلات التصوير، وآلات تسجيل الأصوات والخرائط الجغرافية والبيانية، والاستفادة من أحدث الوسائل العلمية في جمع البيانات وتصنيفها وجدولتها.
- أن يتم جمع البيانات بطريقة تلقائية لا تشعر الآخرين بأنهم مراقبين أو مقصودين، مثل المشاركة في الأحاديث العابرة، أو في بعض الشعائر والمراسم والعادات.
- بعد حصول الباحث على المعلومات والبيانات التي يحتاجها في دراسته يقوم بتبويبها وتصنيفها إلى مجموعات متجانسة، وفي شكل تكرارات إحصائية، تفيد في الوصول إلى استنتاجات محددة.
- حيث يتمكن الباحث الأنثروبولوجي بهذه الطريقة أن يصنف بعض النظم الأجتماعية إلى أنماط محددة، كتصنيفهم على أساس نوع القرابة العائلية، أو الدينية، أو العرقية، أو المنافع الاقتصادية.
أولا : الملاحظة الخارجية
وهو النوع الأكثر غلبة في دراسة الظواهر الاجتماعية ، ذلك أن ليس كل الدارسين ينتمون إلى المجتمعات التي يدرسونها ، فليس شرطا أن نكون فقراء لندرس مجتمع الفقراء ، لكن نميز هنا بين الملاحظة الخارجية بدون مشاركة والملاحظة الخارجية بالمشاركة .
- الملاحظة الخارجية بدون مشاركة : يكون الملاحظ في وضعية المتفرج ، فهو كصحفي يوجه كاميرته نحو الوضعيات التي يريد تصويرها ، مع فارق بسيط وهو أن الدارس يختلف عن الصحفي في كونه يكون مسلحا بمعرفة مسبقة حول ما يجب ملاحظته ، فيكون مستعدا لكل الاحتمالات وإمكانية التفاعل بين الباحث والواقع
- الملاحظة الخارجية بالمشاركة : تتميز بانخراط الباحث في الجماعة ، فيعيش وسطهم ويندمج معهم ، وهي طريقة تسمح بفهم أعمق للظواهر الاجتماعية ، تستعمل غالبا في دراسة الشعوب والاحزاب والنقابات وغيرها .
الملاحظ هنا ليس أجنبيا عن أعضاء مجتمع البحث ، لكن نميز هنا بين الملاحظة الموجهة من الخارج فيكلف الباحث شخصا من داخل المجموعة بالملاحظة ، وبين الملاحظة الداخلية بالمشاركة فيكون الباحث هنا منتميا إلى مجتمع البحث موضوع الدراسة ، وهي إذا كانت مهمة نظرا للثقة التي يحظى بها الباحث في مجتمع البحث لكنها قد تكون غير دقيقة عندما يتحول الباحث من باحث محايد إلى باحث موجه للظاهرة .
ثالثا : أداة المقابلة
المقابلة هي عبارة عن محادثة شفوية يقوم بها الباحث و يجمع من خلالها معلومات بطريقة شفوية مباشرة من المبحوث ، فهي عبارة عن حوار يبدأ بخلق علاقة وئام بين الباحث و المبحوث من أجل أن يضمن الباحث الحد ألدنى من تعاون المبحوث .
وتعتبر المقابلة في عصرنا الحالي من الأدوات المهمة في البحث العلمي وظهرت كأسلوب هام في ميادين عديدة مثل الطب والصحافة والمحاماة وإدارة الأعمال والخدمة الاجتماعية وبرزت كأداة بحث رئيسة في مجال التشخيص والعلاج النفسي كما أنها تعتبر من الأساليب شائعة الاستعمال في البحوث الميدانية لأنها تحقق أكثر من غرض في نفس الوقت للباحث .
تصنيفات المقابلة
من حيث الهدف
- مقابلة توثيقية : تستهدف الحصول على معلومات مضت
- مقابلة الرأي : تستهدف معرفة مواقف الناس وآرائهم بشأن قضايا معينة
- المقابلة الحرة : تكون دون تحديد مسبق للأسئلة المزمع طرحها
- المقابلة الموجهة : يكون هناك إعداد قبلي وتحديد مسبق للاسئلة
- المقابلة بأسئلة مفتوحة : يترك فيها للمبحوث حرية الاجابة دون توجيه أو تقييد بعدد من الاسئلة
- المقابلة بأجوبة محددة : فيكون المبحوث أمام اختيار جواب واحد ، مع أو ضد ، موافق أم لا .
- التفتيش عن المبحوثين : حيث ينبغي على الباحث التفتيش عن المبحوثين الذين يشكلون وحدات عينية للمقابلة أو العشوائية، والتفتيش عن وحدات العينة العشوائية أصعب بكثير من التفتيش عن وحدات العينة المقننة، حيث يجب على الباحث التقيد بأسماء العينة العشوائية والذهاب إلى عنوانهم مهما كانت متباعدة.
- تحقيق المقابلة مع المبحوثين : حيث يشجع الباحث المبحوثين على إجراء المقابلة والإجابة على الأسئلة التي وجهها ، ويجب عليه أن يوفر جو المقابلة الإيجابي، ويجب أن تكون الأسئلة الاستبيانية قليلة وواضحة ومركزة.
- طرح الأسئلة الاستبيانية : ثم يبدأ بعد ذلك بطرح الأسئلة على المبحوث.
- تسجيل الإجابات : يقوم الباحث بتدوين الإجابات التي يتسلمها من المبحوث بنفسه ولا شك أن تدوين الإجابة على الأسئلة المفتوحة أصعب من تدوين إجابات الأسئلة المغلقة.
المميزات :
- تقدم معلومات غزيرة ومميزة لكل جوانب الموضوع.
- معلومات المقابلة أكثر دقة من معلومات الاستبيان لإمكانية شرح الأسئلة وتوضيحها أفضل الطرق لتقييم الصفات الشخصية للأشخاص المعنيين بالمقابلة والحكم على إجاباتهم.
- وسيلة هامة لجمع المعلومات في المجتمعات التي تكثر فيها الأمية.
- يشعر الفرد بأهميتهم أكثر في المقابلة مقارنة بالاستبيان.
- مكلفة من حيث الوقت والجهد وتحتاج إلى وقت أطول للإعداد وجهد أكبر في التنقل والحركة.
- قد يخطئ الباحث في تسجيل بعض المعلومات.
- نجاحها يتوقف على رغبة المبحوث في التعاون وإعطاء الباحث الوقت الكافي للحصول على المعلومات.
- إجراء المقابلة يتطلب مهارات وإمكانيات تتعلق باللباقة والجرأة قد لا تتوافر لكل باحث.
- صعوبة الوصول إلى بعض الشخصيات المطلوب مقابلتهم بسبب المركز السياسي أو الإداري لهذه الشخصيات
الاستمارة أو الاستبيان هو أداة أو وسيلة جمع المعلومات المتعلقة بموضوع البحث ، عن طريق إعداد استمارة يتم تعبئتها من قبل عينة ممثلة من الأفراد ، و هذا الاستبيان يتضمن مجموعة من الأسئلة التي يطلب فيها من المبحوث الإجابة عنها بطريقة يحددها الباحث حسيب أغراض البحث ويمكن للباحث أن يستخدم في مجال الاستبيان أنواعا مختلفة من الأسئلة منه :
- الأسئلة المغلقة : يمكن أن نطلق عليه الاستبيان المقيد ، بحيث يكتب تحت كل سؤال أجوبة متعددة على المجيب اختيار بعضها أو كلها و يمتاز هذا النوع من الأسئلة بمميزات منها أن الإجابة تكون محددة وموحدة الشيء الذي يمكن الباحث من المقارنة بسهولة ، ثم سهولة التصنيف و تبویب و تحليل الإجابة مما يوفر الوقت على الباحث. أما عيوبها فهي تقييد المبحوث في إجابات محددة مسبقا كما أن الباحث قد يغفل بعض الإجابات أو الخيارات.
- الأسئلة المفتوحة : ويمكن أن نقول الاستبيان المفتوح وهنا يكون للمبحوث مطلق الحرية في الإجابة عن الأسئلة وتأتي الإجابات متنوعة تنوعا واسعا ويستخدم هذا النوع من الأسئلة عندما لا يتوفر الباحث على معلومات كافية ومعمقة عن الظاهرة المدروسة أو المشكلة المطروحة ومميزات الأسئلة المفتوحة هي عدم تقييد المبحوث بأجوبة معينة وترك الحرية له في كتابة ما يراه مناسبا من المعلومات أما عيوبها فهي انها تطرح على الباحث صعوبات أثناء تصنيف الإجابات وتحليلها.
- الاسئلة المغلقة المفتوحة : ويمكن أن نقول الاستبيان المقيد المفتوح ، بحيث يختار المبحوث الإجابة الملائمة و يعلق عليها حسب ما يبدو له من وجهة نظره . فالباحث يطرح في البداية سؤالا مغلقا يحدد فيه الإجابة المطلوبة ، و يكون المبحوث مقيدا باختيار الإجابة ، ثم بعد ذلك يتبعه بسؤال مفتوح يطلب فيه من المبحوث توضيح أسباب اختياره للإجابة معينة.
- المقدمة : تتضمن التعريف بالباحث و أهمية البحث ، مع إعطاء ضمانات حول سرية المعلومات
- معلومات و إرشادات حول تعبئة الاستبيان و هنا يدرج الباحث عنوانه لكي يستطيع المبحوث الاتصال به من أجل الاستفسار.
- المتن : يتضمن الأسئلة الموجهة للمبحوث.
- صياغة الأسئلة يجب أن تكون بشكل واضح و بلغة سليمة و مناسبة لمستوى الفئات المستهدفة في البحث.
- التدرج في طرح الأسئلة من السهل إلى الصعب و من العام إلى الخاص .
- صياغة الاسئلة : مع الدقة في استعمال المفردات والوضوح وتجنب الاسئلة الغامضة
- تنظيم الاسئلة : لتجنب الملل لدى المبحوث ، فالتدرج مطلوب وطرح الاسئلة وفق تنظيم معين مع مراعاة التنوع بين أسئلة جوهرية وأسئلة لا أهمية لها فقط لتشجيع المبحوث ثم أسئلة فخ .
يكتفي الباحث هنا بالبحث في الوثائق المرتبطة بالموضوع ، كالسجلات والقوانين والانظمة والصحف والمجلات ودراسة محتوياتها .
خصائص تحليل المضمون
- تصنيف البيانات، وترتيبها بالاعتماد على مجموعة من الأبواب أو الأقسام المرتبطة بالنمط المحدّد لتحليل المضمون.
- يعتمدُ تحليل المضمون على الموضوعية، كالثبات على منهج محددٍ في صياغة المفاهيم، والأفكار، والنقاط التي يتكون منها البحث.
- التركيز على الكلمات، والجمل، والمصطلحات والمفاهيم التي تم تكرارها في النص، ويُساهم ذلك في تحديد مدى أهمية الفقرات والنصوص التي يتضمنها مضمون البحث.
- يجب أن يعتمد التحليل على نتائج صحيحة، ودقيقة، والمعلومات الواردة في مضمون النص.
التحليل الكلاسيكي
أسلوب قديم ويستعمل كثيرا لتحليل الوثائق ، من نماذجه الطريقة المستخدمة في تحليل النصوص الادبية والتعليق عليها ، هذه الطريقة لها خاصيتان أولهما أنها تحليل كيفي يبحث عن مغزى النص والمستتر فيه ويستخرج الافكار الاساسية والثانوية ، والثانية أنه تحليل غير كمي ، بمعنى أنه لا يعتمد على إحصاء عدد تكرار المفردات ، فهو ينطلق من قناعة أن فكرة ترد مرة واحدة في النص يمكن أن تكون هي الفكرة الأساسية. هذا الاسلوب يعتمد على الحدس للتمييز بين ما هو أساسي وما هو ثانوي .
التحليل الكمي
هي الطريقة الحديثة التي تقوم على إدخال الاحصاء في دراسة النصوص ، حيث تقوم على احتساب العناصر التي تشكل النص وتقوم بإحصائها وتصنيفها ، هذه الطريقة تدعي الموضوعية عندما تجعل نتائج التحليل مستقلة عن ذاتية الباحث كما هو الامر في التحليل الكلاسيكي الذي يخضع للتقييم الذاتي للباحث
عرفت هذه الاداة تطورا كبيرا إدى إلى إدخال تقنيات جديدة في تحليل مضامين الخطاب ، من ذلك أنه لم يعد يقوم على الاحصاء فقط بل أصبح يراعي مدى غنى قاموس وأشكال وطرق التعبير ففي دراسة قارنت خطاب الحملة الانتخابية الفرنسية لسنة 1974 بين ميتيران و جيسكار ، تبين أن میتیران تكلم بمعدل 129 كلمة في الدقيقة بينما تكلم جيسكار بسرعة 148 كلمة في الدقيقة ، أما طول الجمل فقد جاء متعادلا ، أما القاموس فقد كان أكثر غنى عند ميتيران منه عند جيسكار .
تعليقات
إرسال تعليق