القائمة الرئيسية

الصفحات

العلاقات الدولية الإطار العام

ظهرت العلاقات الدولية في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى ، وتطورت بشكل
خاص عقب الحرب العالمية الثانية خاصة لدى هذين البلدين نظرا لعدة عوامل من بينها دورهما في الساحة
الدولية في تلك المرحلة، ثم نظرا لمرونة نظمهما الجامعية.


تعريف العلاقات الدولية
العلاقات الدولية مصطلح مركب من لفظتين العلاقات ' و ' الدولية ' فالعلاقات هي جمع علاقة وهي في اللغة ما تربط بين شيئين أو شخصين والعلاقة هي الصلة والرابطة وهي من فعل علق يعلق علوقا أما الدولية فاصل الكلمة من الدولة وهي في اللغة تعني التحول من مكان لمكان آخر. وتداول القوم الشيء إذ انتقل بين أيديهم. الدولة في اللغة بتشديد الدال مع فتحها أو ضمها العاقبة في المال والحرب، والإدالة الغلبة، أديل لنا على أعدائنا أي نصرنا عليهم ، وكانت الدولة لنا.

التعريف

  1. تعرف الدولة بأنها ، شعب مستقر على إقليم معين ، وخاضع لسلطة سياسية معينة ، وهذا التعريف يتفق عليه أكثر الفقهاء لأنه يحتوي العناصر الرئيسة التي لا بد لقيام أي دولة منها ، وهي الشعب ، والإقليم والسلطة .
  2. يثير مفهوم العلاقات الدولية ، العديد من الاشكاليات النظرية والتحليلية، حول تعريف المفهوم ، وتداخله مع العديد من المفاهيم التي تتشابه معه .
  3. فهناك فجوة تفصل بين معنى المصطلح الشائع استخدامه في الغرب international Relation وترجمته الحرفية العلاقات الاممية وبين الترجمة العربية الشائعة العلاقات الدولية.
  4. إن هذا التعريف يركز على طبيعة العلاقات الدولية في كونها علاقات صراع وتعاون في نفس الوقت يرجع ذلك الى الاختلافات الجوهرية بين الدول عقائديا ، مذهبيا ، إيديولوجيا ، إقتصاديا ، عسكريا ، ثقافيا وتكنولوجيا .
  5. حسب تقرير منظمة اليونسكو بشأن العلوم السياسية أن مادة العلاقات الدولية تشمل ثلاثة مواضيع رئيسية وهي :
  • السياسة الدولية وما تشمله من دراسة للسياسات الخارجية للدول وتفاعلها مع بعضها البعض.
  • التنظيم الدولي وما يتضمنه من دراسة للمنظمات الدولية والاقليمية على حد سواء. 
  • القانون الدولي وما يحتويه من دراسة للقواعد القانونية التي تقوم بتقنين علاقات الدول بعضها ببعض وعلاقتها بالتنظيمات الدولية.
التمييز بين تيارات أساسية في تعريف العلاقات الدولية
  1. يرى أن العلاقات الدولية هي "العلاقات بين الدول" ويهتم بالبحث عن أنواع الدول وأنماط العلاقات بينها، ودور الجماعات الأفراد في صنع السياسة واتخاذ القرار في هذه الدول.
  2. يرى أن العلاقات الدولية هي "العلاقات بين الأمم"، أي بين الحكومات أو بين الجماعات والأفراد التي تنتمي إلى أمم مختلفة والتي تثير موضوع قوة الدولة. وهذا التعريف يغفل بعض العلاقات التي لا تثير بالضرورة مشكلة قوة الدولة، ففي حين تتضمن التجارة الدولية ذلك البعد فإنه لا يثار فى مسألة أخرى، كالاتصالات البريدية كما أن هذا التعريف ينكر وجود وحدات دولية أخرى غير الأمم.
  3. يرى أن العلاقات الدولية هي "العلاقات بين مجموعات ذات قوة"، ويتسم هذا التعريف باتساع نطاقه لدرجة تظهر معها الحاجة إلى التمييز بين أنماط العلاقات السياسية والاقتصادية، والثقافية .... وتحديد أكثر دقة للمقصود بالجماعة ذات القوة.

خلاصة هامة

  1. سميت العلاقات الدولية بمجموعة من التسميات: الدراسات الدولية الشؤون الدولية ، الشؤون الخارجية، السياسة الدولية الا ان الباحثين استقروا على اعتماد تسمية العلاقات الدولية الأشمل والأوسع الاطار المفاهيمي لعلم العلاقات الدولية متعدد الأبعاد البعد الوظيفي البعد البنيوي ، البعد الاجرائي.
  2. العلاقات الدولية هي مجموع العلاقات التي تنشؤها الدولة مع غيرها من الدول، والفاعلين الآخرين من غير الدول المؤثرة في السياسات الدولية. وهما شرطين أساسيين لاكتساب الروابط بين الدول المفهوم العلمي للعلاقات الدولية : - الطبيعة السياسية للعلاقة أو قدرة هذه العلاقة على احداث أثار سياسية، الشرط - جغرافي تخطي هذه الأثار الحدود المنطقية التي نشأت فيها العلاقة.
  3. مفهوم العلاقات الدولية لا يشمل العلاقات بين الدول فقط بل يشمل العلاقات القائمة أيضا بين الدول والمنظمات الحكومية الأمم المتحدة الاتحاد الاوروبي والمنظمات من غير الدول ( الكنائس منظمات الاغاثة الانسانية والشركات المتعددة الجنسيات).
  4. إن تعريف العلاقات الدولية يدور حول محورين أساسيين هما : أنماط العلاقات ونطاقها وطبيعتها، والوحدات الأساسية التي تقع بينها هذه العلاقات.
  5. وهو ما يثير التساؤل حول الوحدات الأساسية في دراسات العلاقات الدولية، ومستويات تحليل الظاهرة الدولية، ونطاق امتداد مجال دراسة العلاقات الدولية، وهل يضم كل أنماط العلاقات بين كل الوحدات الدولية
  6. يرى بعض الباحثين ان مصدر الخلاف يتمحور حول تسمية التفاعلات التي تقع خارج حدود الدول والتي تدور حول محورين : الأول ماهية هذه التفاعلات وما إذا كان من الافضل تسميتها علاقات ام شؤون ؟ الثاني يدور حول اطراف هذه التفاعلات، وهل الافضل نسبتها الى الامم والشعوب ام الى الدول ام الى العالم ككل.
  7. العلاقات الدولية تعنى بكل العلاقات السلمية والحربية بين الدول، بصفتهما القضيتان الأبرز في العلاقات الدولية.
  • مجال السلم الأفعال وردود الأفعال المرتبطة بالمجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
  • مجال الحرب الجوانب المتعلقة باعلان الحرب وحقوق الأسرى وحقوق المدنيين......
وهكذا فالعلاقات الدولية هي مجموع السلوكيات والتصرفات المتبادلة بين دولة وغيرها من الدول والتي يطغى عليها الطابع
السياسي الدولي بحكم طبيعة أطرافها.

دراسة تطور علم العلاقات الدولية

يذهب أغلب الباحثين الى أن علم دراسة العلاقات الدولية ظهر بصورة منهجية وعلمية بعد الحرب العالمية الأولى، بفعل ما عرفته السياسة الدولية من أحداث كبيرة غيرت من ملامح العالم، وهكذا فتاريخ نشأة العلاقات الدولية ارتبط بحدث الحرب ، كما ارتبط بظهور فكرة الدولة في التاريخ السياسي للبشرية.
الحضارات القديمة :
  1. مصر القديمة - هند القديمة «قانون مانو» الذي وضع عام 1000 قبل الميلاد الحضارة الصينية: تعاملت بمعاهدات السلام والتمثيل الديبلوماسي
  2. العلاقات الدولية في أوروبا القديمة: الاغريق والدولة الرومانية
  3. الحد الفاصل في العلاقات الدولية القرن السابع عشر
  4. وضع حد فاصل لثلاثين سنة من الحروب
  5. الحضارة الاسلامية.
العهد التقليدي :
  1. دشنته أحداث ق17م حتى قيام ح ع 1
  2. الأسس المعرفية الأولى لعلم يشتغل على تنظيم العلاقات الدولية
  3. مخرجات ضعيفة نظرا لسيادة الفوضى واندلاع الحرب العالمية الأولى.
  4. نهاية ووفاة هيئة عصبة الأمم.
  5. أزمات اقتصادية سياسية واجتماعية.
عهد ما بعد الحرب العالمية الثانية :
  1. میلاد مجموعة من الفاعلين : المنظمات الدولية الحكومية خلاصة وغير الحكومية
  2. حركات التحرر الوطني .
  3. الشركات المتعددة الجنسييات.
  4. تفعيل آليات الديبلوماسية
  5. التحكيم الدولي والوساطات في حل النزاعات والخلافات الدولية.

تيارات المقاربات المختلفة للعلاقات الدولية

الفقرة الأولى : الحقبة الأولى : المدرسة المثالية
تمتد من أوائل العشرينيات إلى أواخر الثلاثينيات وتتميز بأربع خصائص:
  1. ازدهار التاريخ الدبلوماسي بسبب الكشف عن المحفوظات والوثائق الدبلوماسية بعد انهيار الإمبراطورية الروسية والنمساوية وتدني النفوذ الألماني في أوروبا على إثر الحرب العالمية الأولى (فهذا امتداد للمرحلة السابقة التي أسميناها بالمرحلة "ما قبل العلمية".
  2.  ظهور ما يمكن أن نسميه (اقتداء بالكاتب الفرنسي فابر بعلم القضايا الدولية، أي دراسات شاملة تحاول إعطاء بعض الأجوبة لقضايا محددة تطرحها أحداث الساعة، إنه نوع من التحليل الصحفي من مستوى عال.
  3. فهي دراسات تطبعها المثالية ( وجوب إخضاع العلاقات الدولية للقانون والقيم العدالة والتسامح والتضامن).
  4. وهي بذلك تسجل قطيعة مع المدرسة القانونية الوضعية التي سادت في القرن 19 وعودة إلى مفهوم "القانون الطبيعي" (جروتيوس).
  5. ثم إنها دراسات متفائلة إمكانية) تنظيم العلاقات الدولية وإقرار السلم إذا استعلمت بعض الأدوات الضرورية. فانصبت جهودها على دراسة المنظمات الدولية.
  6. ولهذا سميت هذه الحقبة بمرحلة "المثالية" وسبب ذلك سياسي مثالية ولسون رئيس الولايات المتحدة آنذاك النقاط الأربعة عشر التي أعلن عنها وأرادها أن تكون أساس لمعاهدات السلام بعد الحرب من جهة.
  7.  اكتمال نظرية "الامبريالية" لدى الماركسيين بعد جدل حاد وطويل بدأ منذ 1910 
  8. وفي سنة 1916 صدر للنين كتابه الشهير "الإمبريالية : طور أسمى للرأسمالية.
  9. وفي عام 1925 كرس اليسار العالمي كأحدث منظر للامبريالية.
الفقرة الثانية : المرحلة الثانية ( المرحلة الواقعية )
  1. تمتد من أواخر الثلاثينيات إلى منتصف الخمسينيات أي بعد وصول القوى النازية والفاشية إلى الحكم في ألمانيا وإيطاليا، وفشل عصبة الأمم في القيام بالدور الذي أنيط بها، واندلاع الحرب العالمية الثانية (1939-1945) ، ثم "الحرب الباردة (1947-1955)، إلى "التعايش السلمي" وبداية حرب الفيتنام الثانية مع تدخل الولايات المتحدة ابتداء من 1956 وكان أهم ما ميز هذه الحقبة في بدايتها هو صدور كتاب إدوارد هاليت کار البريطاني تحت عنوان "أزمة العشرين عاما -1919 1939" سنة 1939، الذي تصدى فيه بالنقد للفكر المثالي المتمني الأخلاقي الذي طغى على حقل العلاقات الدولية في تلك الحقبة، وسيفعل نفس الشيء هانز موركنتاو الأمريكي الجنسية والألماني الأصل بعد الحرب العالمية الثانية خصوصا في كتابه "السياسة" بين الأمم"، حيث سينتقد بشدة مرة أخرى بعد كار المثالية والليبرالية العقلانية لدى الأنجلو ساكسون (يعيب عليهم اندفاعهم وتفاؤلهم المفرط خلال الحرب وبعدها بشأن قيام نظام دولي مطابق لمثلهم وقيمهم ظنا منهم بأن الشعوب والدول الأخرى لها نفس القيم وتؤمن بنفس المثل).
  2. وهكذا تحت تأثير الأحداث وبعض تيارات "الجيوسياسية" في أوروبا وأمريكا (هاوسهوفر الألماني وسبايكمان (الأمريكي ستشهد هذه الحقبة تألق المدرسة "الواقعية" التي ستعود إلى الفلسفة السياسية التقليدية (تيوسيديدس) ماكيافيلي، هوبز، روسو، كلاوزفتس لتستقي منها منطلقاتها التي عليها ستبني نظرياتها وتحاليلها، ومن تم كانت الكتابات المشهورة لمارتن وايت و هربرت باترفيلد مثلا في بريطانيا، وجورج كنان، وأرنولد وولفرز ورينولد نايبور، وكنيت تومسون وغيرهم في الولايات المتحدة، وإيمون آرون في فرنسا.
  • إن المدرسة الواقعية ليست موحدة ، ولكن يمكن أن نجمل مواقفها في النقاط التالية:
  1. رفض المثالية الأخلاقية والقانونية: أي يجب أن ينظر إلى العلاقات الدولية كما هي ولا كما يجب أن تكون.
  2.  البحث في الثوابت، وجوهر الظواهر وفي المتكرر ومنطق الأشياء، بدل السرد التاريخي للأحداث والوقوف عند مظاهرها وهذا يعني تحديد المفاهيم والكشف عن القوانين والأنماط التعليلية.
  3.  العلاقات الدولية كما هي تعني تضارب المصالح القومية وأنانية الدول والصراع من أجل "القوة" و"السلطان" والحروب التي تنجم عن ذلك ودور الدبلوماسية والحذر" أو "الحكمة" الأساسي في الحل السلمي للخلافات والحفاظ على السلم ولكن بالاستناد إلى القوة (العسكرية) الرادعة.
  4.  رفض المقاربة الماركسية للعلاقات الدولية لأنها اقتصادية محضة (تتجاهل الجانب السياسي العسكري للظاهرة، لأنها تتوهم أن طبيعة العلاقات الدولية يمكن أن تتغير جذريا بتغيير الطبيعة الطبقية للمجتمعات. 
  5.  فإن ما يحرك التاريخ ليس صراع الطبقات، ولكن رغبة الإنسان الطبيعية في القوة والسلطان التي تأخذ صورة الصراع على السلطان بين الدول على الصعيد الدولي حيث لا توجد سلطة مركزية موحدة يحتكم إليها الجميع.
  6.  ولذا فالاعتراف بهذه الرغبة واكتشاف قوانين سياسة السلطان" في العلاقات الدولية هما الخطوة الأولى الضرورية لكل تفكير في وسائل تحسين هذه الأخيرة.
الفقرة الثالثة : الحقبة الثالثة
  1. تبتدئ من منتصف الخمسينيات إلى أواسط الستينيات، وهناك من يرى بأن هذه المرحلة استمرت إلى أواخر السبعينيات.
  2. على أية حال كل تيار ظهر ويتأسس ويصبح له أنصار (حتى خارج الحدود الوطنية) وبالتالي يبقى مفعوله وتأثيره مستمرين بدرجة أو بأخرى.
  3. هذه الحقبة هي أمريكية محضة، وعرفت بالثورة السلوكية (ليجبهارت) والسلوكية اسم ارتبط بمدرسة شيكاغو لعلم السياسة التي نادت بأن تتركز الدراسات السياسية على السلوك السياسي للأفراد بدل المؤسسات الشكلية وذلك باستعمال المناهج العلمية التجريبية، بدل الأساليب التاريخية الوصفية والقانونية.
  4. لقد أثر هذا التيار في علم العلاقات الدولية تأثيرا عميقا، ومس تأثيره حتى الأوساط الأكاديمية في الاتحاد السوفياتي. ولكن خلف في الولايات المتحدة ما أسماه أولسوان وأونوف بنهاية - الإجماع" وبداية الاضطراب أو المتاهة.
  5. إلا أنه من جهة أخرى أضاف إلى حقل العلاقات الدولية حقلا فرعيا آخر: دراسة المناهج والابستمولوجيا عن طريق الانتقاد اللاذع الذي وجهته المدرسة السلوكية إلى مناهج المدرسة الواقعية، وكل المدارس السابقة التي أصبحت تدعى "بالتقليدية" ومن تم كان الجدل الثاني الكبير بين العلماوية والمدرسة التقليدية.
  6. إن رفض التيار السلوكي للنظريات العامة المنبثقة عن التحليل الانطباعي المستند إلى المعرفة الفلسفية والقانونية والتاريخية، وضع مادة العلاقات الدولية أمام "أزمة ابستمولوجية، أو "بالأحرى" أمام ثورة منهجية" مما دفع جورج ليسكا إلى وصف الفترة التي طغت فيها أبحاث السلوكيين "بالعقد البطولي" وتمثل ذلك في ثلاث موجات :
  •  اقتحام الحقل من طرف مختصين في علوم أخرى غير العلاقات الدولية كالانثروبولوجيا، وعلم النفس، وعلم النفس الاجتماعي، وعلم الاجتماع وعلم التواصل والرياضيات والإحصاء و"التحليل العملياتي"، وعلم الاقتصاد. فحملوا معهم إلى العلاقات الدولية مناهج هذه العلوم ومصطلحاتها وغلب على الحقل الاجتهاد الشكلي، والتشديد على تدقيق المفاهيم ومناهج التحليل المستويات الفرضيات، الصرامة في تحديد مواضيع البحث الوصول إلى نتائج ملموسة وقابلة للاختبار والانشغال بالقياس واستغلال تقنياته فبرزت نظريات جزئية متعددة : نظرية صنع القرار، نظرية الصراع. نظرية الردع (انطلاقا من نظرية اللعبة ونظرية الاندماج... وكذا بعض الأنماط التحليلية كأنماط تحليل السياسة الخارجية (Snyder)، أو قدرات الدولة (k.knorr, M.Sprout ) أو مفهوم التأثير (D.Singer ). وكان الهدف هو تمكين علم العلاقات الدولية من قدرة التفسير ، والتوقع، والتحكم في الأحداث قبل وقوعها.
  • رد الفعل الأول بدأ بالشعور لدى أنصار السلوكية من المختصين في العلاقات الدولية بانقسام المادة وضياع وحدتها وتوزعها بين علوم مختلفة، فقامت محاولات لوضع إطارات عامة تهدف إلى تجميع النظريات الجزئية وتنسيقها انطلاقا إما من مفهوم جامع، أو بعض النظريات الشكلية كنظرية النسق وأهم نتيجة لذلك كانت هي ترتيب كل تلك الدراسات المتفرقة في فرعين فرع "السياسة الخارجية" .
  • أخذت بعد ذلك الأبحاث اتجاها آخر كارل (دوتيش) وهو اتجاه جمع وتحليل المعطيات، سواء تمثلت هذه الأخيرة في شكل (خصائص) الدول أو "أحداث تفاعلات وقد تم التعبير عن مضمون المعطى بصفة عامة بهذا السؤال: "من يقول أو يفعل ماذا ولمن ومتى؟". وفعلا تكونت أبناك من المعطيات على هذا الأساس مع كل تقنيات القياس والمقارنة التي واكبتها، وساعد في ذلك استعمال الحاسوب.
الفقرة الرابعة : الحقبة الرابعة (مرحلة ما بعد السلوكية)
وستبتدئ مع مطلع السبعينات وبصورة خاصة حوالي منتصف هذا العقد، وهي التي أطلق عليها في
الولايات المتحدة بحقبة ما بعد السلوكية. وستشهد هذه الأخيرة بعض "الاثراءات" و"الاحياءات" (أو
التجديدات)، و"الافرازات"، ولكن الطابع التعددي لمادة العلاقات الدولية سيتعزز ، بل وإن المدرسة الواقعية
التي ستطفو من جديد على السطح بعد استفادتها من المنهجية السلوكية، ستتلقى هجمات في العمق هذه
المرة، من تيارات منافسة ذات اتجاه ماركسي أو ليبرالي.
فمن حيث الإثراء برزت خارج العالم الانجلوساكسوني مراكز جديدة للإنتاج العلمي في العلاقات
الدولية في أوروبا (النرويج، فرنسا)، وأستراليا، وكندا واليابان وأمريكا اللاتينية (التي انطلقت منها
"نظرية التبعية") ، وكوريا والهند وإفريقيا التي أحيت وجددت الدراسات القانونية بطرح قضايا جديدة
تتعلق بالتنمية والبيئة والسيادة والمساعدة الدولية والاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية حيث ستقوم
محاولات أكاديمية جادة تعيد طرح إشكالية العلاقات الدولية من منظور ماركسي - لنيني متجدد لا يتطابق
بالضرورة وما ينشر عادة في العالم الثالث وأوروبا والولايات المتحدة من دراسات نظرية أو ميدانية ذات
إيحاء ماركسي.
أما من جانب الاحياءات فقد تمثل ذلك، في الولايات المتحدة وبريطانيا، في عودة الدراسات القانونية
مستفيدة من دروس الواقعية والسلوكية، وأخذة بعين الاعتبار تعقيدات العالم المعاصر (أي دون مثالية
مفرطة، كما تجسدت تلك الاحياءات أيضا في تجديد الطرح الأخلاقي (مسألة الحرب "العادلة" في العصر
النووي، العدل حقوق الإنسان التضامن الدولي، والبحث في إشكالية التنظيم الدولي وعلاقته بإشكالية
"العدالة التوزيعية" ، وقد توزعت هذه الطروحات بين الميولات الفلسفية المثالية R.Beiz، والقانونية المثالية
R.Falk ، أو الوضعية M.Walzer والواقعية السياسية S. Hoffmann ، ولكن الشيء الملفت للنظر هو
الانبعاث القوي للمدرسة الواقعية في حلة جديدة (الواقعية الجديدة لا فقط لأنها ساهمت في إعادة طرح
معضلة الأخلاق والتنظيم في العلاقات الدولية، ولكن أيضا لأنها التزمت أكثر بالصرامة المنهجية, Giplin
Waltz وانفتحت أكثر على إشكالية "التعاون" انطلاقا من نظرية اللعبة تأثير السلوكية"، كما أنها تعززت

المبحث الثالث : القضايا الأساسية لمادة العلاقات الدولية

كما يتضح مما سبق إن العلاقات الدولية تطرح قضايا متعددة النظرية المنهج، الموضوع، الوحدة والانسجام، الفائدة المعرفية والعلمية، طبيعة المفاهيم، دور القيم والخلفيات الإيديولوجية والحواجز الثقافية والميولات السياسية في عملية تشكيل المفاهيم ووضع النظريات، ومعضلة الأخلاق. ولكننا هنا لن نعرض إلى كل هذه القضايا، مكتفين ببعض منها فحسب، متناولين العلاقات الدولية لا كعلم في مجموعه، ولكن فقط كمادة علمية في بلد كالمغرب لازال لم تترسخ فيه مادة العلاقات الدولية كما هي معروفة سواء في الشرق أو الغرب، أو في كثير من بلدان العالم الثالث ولذا سنحصر اهتمامنا في إشكاليتين رئيسيتين: إشكالية الموضوع. وإشكالية المنهج.
  • إشكالية الموضوع :
إن التعريف الذي أعطيناه للعلاقات الدولية في نهاية المبحث الأول هو تعريف للظاهرة، وليس تعريفا يتحدد به بالضرورة موضوع العلم الذي نشأ لدراسة هذه الظاهرة فالعلاقات الدولية هي "مستوى" آخر من العلاقات الاجتماعية، وهي لهذا السبب متعددة الجوانب، وليس في مقدور علم واحد أن يشملها. كلها، فلا بد له من تحديد موضوعه ليكون ذا فائدة.
ليس للعلاقات الدولية موضوع محدد "نظريا"
  1. إن الذي جعل أن العلاقات الدولية تربط أصلا بعلم السياسة، وذلك خلال فترة تألق المدرسة الواقعية هو أنها كانت تفهم كعلاقات بين "الدول" أو تفاعلات "السياسات الخارجية" للحكومات، أو صراع بين هذه الأخيرة، على "القوة" و"النفوذ" (السلطان)، في وقت كان علم السياسة ولا يزال يتأرجح بين تعريفين : كعلم "للدولة" وكعلم "للسلطة" . فمال رايمون آرون وكان له في ذلك تأثير عميق على مستقبل علم العلاقات الدولية في فرنسا إلى التعريف الذي يركز على الدولة وعى السياسة الخارجية، وحصر موضوع العلاقات الدولية في دراسة علاقات السلم والحرب بين الأمم الدول)، ومن ثم أبرز خصوصية هذا العلم : علم يهتم بعلاقات ليست اجتماعية إلا جزئيا، لأنها تجرى في وسط يتميز "بالفوضى" (لا يخضع لسلطة مركزية وبحق كل دولة "الفعلي" في اللجوء إلى القوة عند الاقتضاء انتفاء احتكار الاستعمال الشرعي للعنف). وكان من نتائج ذلك أن فصل حقل العلاقات الدولية (بالمعنى المعرفي) عن حقول العلوم الأخرى المهتمة بالعلاقات الاجتماعية داخل المجتمع المنظم.
  2. أما الأنجلوساكسون (من المدرسة الواقعية طبعا) فجنحوا إلى تعريف أوسع لعلم السياسة كعلم "السلطة" Pouvoir . وانطلقوا من كون أن السياسة داخل الدولة والسياسة بين الدول تتشابه، لأنهما معا صراع على شيء واحد يسمى "السلطة" في الداخل و"السلطان" بين الدول (هذا) تمييز لا يوجد عندهم حيث كلمة Power تدل على اللفظتين معا، انظر الفقرة الموالية). ولذا فموضوع العلاقات الدولية عند هؤلاء، من موركنتاو إلى هولستي ورينولدس ونورتيدج مثلا، هو "السياسة الدولية" (التشديد هنا ليس على "السياسة الخارجية" كما هو الحال عند آرون، ولكن النتيجة واحدة كما سنرى). ومن تم جاء إلحاحهم على التمييز بين التعابير الثلاثة "العلاقات الدولية"، "السياسية الدولية" "السياسة الخارجية" وكثيرا ما استعمل لفظ "السياسة "الدولية" في بريطانيا بالخصوص بدل "العلاقات الدولية" للتعبير عن المادة، ولا زال الاضطراب قائما، ولكن بحدة أقل إذ هناك اتجاه عام نجو إجماع حول المصطلح الأخير.
الفقرة الثانية : موضوع العلاقات الدولية "بالاتفاق"
  1. إذا كان علم العلاقات الدولية كأحد فروع علم السياسة يهتم بدراسة "السياسي" على المستوى الدولي يجب على الأقل تحديد الشروط الدنيا الضرورية (النواة الصلبة) لتعريف هذه الأخيرة.
  2. وسوف لن نخوض هنا في المقارنة بين التعريفات التي أعطيت في هذا المجال، وسننطلق من إشكالية جان لوكا التي أثرناها الفقرة السابقة.
  3. لقد اعتمد لوكا على أفكار كاتب آخر Fred Frohock لتحديد موضوع علم السياسة تحديدا اتفاقيا فعبارة "السياسة" كما ورد في مقاله، يمكن أن تعرف بعناصر مركزية لا تتغير، وإذا تغيرت تغير معنى اللفظ ، وهذه العناصر هي "التوجيه"، و"الوحدة الجامعة .
  4. ومعنى ذلك أن "السياسي" يتجلى في "عمل يهدف إلى توجيه سلوك الآخرين في مجال جماعي أو عام يضم أفرادا أو جماعات" وانطلاقا من هذا التعريف يحدد لوكا الموضوع السياسي" الذي لا ينطبق كله على مجال العلاقات الدولية، ولكنه يتضمن عناصر تفيد موضعنا.
  5. وهذه العناصر هي ثلاثة أنواع: "عمليات "الصراع" و"التعاون" التي تتصادم فيها مصالح متعددة من أجل التحكم في موارد نادرة".
  • إشكالية المنهج :
  1. إن الأمر هنا لا يتعلق بما يُعنى به علم العلاقات الدولية، ولكن بالكيفية التي بها يدرس هذا العلم مادته ويعالج مواضيعه ولا يجب أن يفهم من هذا الطرح أن هناك استقلالا بين الموضوع والمنهج، بين المضمون والشكل بل إن هناك ربطا جدليا بين الإشكاليتين.
  2. إذ يمكن للمنهج أن يتحدد بفكرتنا المسبقة عن الموضوع، كما كان الحال عند الواقعيين التقليديين وأفضل مثال عن ذلك كتاب "السلم والحرب بين الأمم" لرايمون آرون خصوصية الموضوع (السلم والحرب تحدد نوعية المنهج (عدم ملائمة مناهج البحث المطبقة على الظواهر الاجتماعية الأخرى كالاقتصاد مثلا اعتماد التحليل السوسيولوجي والتاريخي أساسا).
  3. من جهة أخرى يمكن لاختيار المنهج أن يؤثر إلى حد بعيد في رسم ملامح الموضوع أو امتدادات حدوده، وهو ما فعلته السلوكية انطلاقا من مطمح "العلمية"، أو المدرسة الماركسية باعتمادها الجدلية الهيجيلية والمادية التاريخية من هنا يأتي الاختلاف الرئيسي حول المناهج في العلاقات الدولية.
  4. فوراء المنهج تكمن تصورات معينة ومسبقة حول الموضوع، أو خلفيات فلسفية حول المنهج الصحيح للوصول إلى الحقيقة العلمية (هناك أسباب أخرى ذاتية كتكوين الباحث وميولاته الشخصية نحو هذا المنهج أو ذاك، كتقبله أو لا للتقنيات الرياضية مثلا).

الفقرة الأولى: النظرية" و"البرديغم" و"النهج" في العلاقات الدولية:
  • المعنى والمضمون تستعمل في العلاقات الدولية كحقل معرفي عدة مصطلحات خاصة بالخطاب العلمي "كالنظرية" و"النهج" و"البراديغم " قلما يتم التدقيق فيها وكثيرا ما يجهل معناها أو دورها في العلاقات الدولية. ومن الشائع في الكتابات الأكاديمية الفرنسية أو المتأثرة بها أن لا يقدم الجانب النظري إلا كمدخل لدراسة وصفية تجريبية" وأن يختزل الجانب المنهجي إلى خطة (تصميم) لعرض أفكار الموضوع. في المغرب وفي مادة العلاقات الدولية بالذات لا زال التكوين النظري والمنهجي قاصرا إلى حد كبير النظرية لها معان كثيرة ، ولكنها في الأصل (عند (اليونان كانت تعني "علمية الملاحظة"، ثم أصبحت ترمز إلى مجموعة منسقة من المقولات حول ظاهرة تجري عليها علمية الملاحظة"، كالحرب إلا أن النظرية تتمثل في أشكال كثيرة كرستها الاستعمالات المختلفة لمصطلح النظرية، وأهم الاختلافات تكمن في الهدف المتوخى من النظرية، وفي درجة التعميم المراد لهذه الأخيرة فلقد أفرزت الممارسة التنظيرية أن للنظرية بصفة عامة وظائف أربعة :
  1. التصنيف والترتيب وفي العلاقات الدولية تعني هذا جمع المعلومات والمعطيات المتصلة بالمادة تحت عناوين جامعة وفق بعض المعايير كالصفات المشتركة بين عناصر كل عنوان مثلا: الفاعلون الدوليون الأنظمة الدولية، تقنيات اللعبة الدولية أهداف السياسة الخارجية، الخ... ويمكن أن نعطي كمثال عن ذلك الجزء الأول من كتاب ريمون آرون، السلم والحروب بين الأمم تحت عنوان "النظرية".
  2. التفسير ويقوم على تحديد الأشياء المتغيرات وتعريفها للتمييز بينها ثم البحث في نوع العلاقات التي تربط بينها بقدر من الدقة وفي بعض الأحيان باللجوء إلى وسائل القياس والمعالجة الكمية وهنا يكمن أو يبدأ الاختلاف الكبير بين المنظورين في حقل العلاقات الدولية لا فقط حول المتغيرات المفسرة وتمييزها عن أسباب الحروب، أو العوامل المحددة للسياسة الخارجية بل أيضا حول نوع العلاقة بين المتغيرات التي يجب اعتمادها كأساس للتفسير وبالتالي للتنظير آرون يحلل هذه الإشكالية في الجزء الثاني من كتابه المشار إليه أعلاه وهو الجزء الذي يحمل عنوان "سوسيولوجيا" ويستنتج من تحليلاته أن المتغيرات المفسرة متعددة منتقدا التفسيرات الأحادية القائمة على عامل مفسر واحد كالاقتصاد، أو الجغرافيا وأن على النظرية السوسيولوجية تحديد المتغيرات المفسرة بصفة كاملة على أساس العلاقات المتكررة عبر التاريخ بين هذه الأخيرة وسلوك الدول.
  3.  التوقع هذه الوظيفة مرتبطة بالوظيفة السابقة، وتعنى في العلاقات الدولية إمكانية استباق معرفة الأحداث والتنبا بما سيحصل انطلاقا من مقولات النظرية لكن هذه الوظيفة لا يقرها الجميع كشرط في العلاقات الدولية فبينما السلوكية والماركسية تقولان بإمكانية بل وجوب توفر هذا الشرط، فإن المدرسة التقليدية تنفي إمكانية التوقع بالمعنى العلمي الدقيق للكلمة، وتكتفي بأن تساعد النظرية المحلل على "تفهم" حالة ما واستنتاج بعض التطورات المحتملة (أوالميولات على أساس مقاربة تحليلية - انطباعية).
  4.  التدخل للتأثير في الأشياء الأحداث (المتغيرات وتوجيهها نحو هدف معين. هذه الوظيفة الأخيرة تيسرها طبعا الوظائف السابقة، ولكنها غير ممكنة في كل المجالات المنظومة الشمسية أما في العلاقات الدولية، فكل نظرية لها بعد عملي، أي لها تأثير أو تريد أن يكون لها تأثير على صعيد الممارسة وهذه الوظيفة هي التي خصص لها مثلا ر آرون الجزء الرابع من كتابه "السلم والحرب" تحت اسم Praxéologie أو نظرية العمل التي يطرح فيها الكاتب معضلة السلوك الدولي لدى رجل الدولة وينصح هذا الأخير بالتحلي بالواقعية و الحكمة" Sagesse نفس الانشغال نجده عند المنظرين الماركسيين (تغيير وجه (العالم والسلوكيين تدبير الأزمات أو التحكم في السباق نحو التسلح.

تعليقات