القائمة الرئيسية

الصفحات

مبحث تمهیدی مفهوم مناهج العلوم القانونية

المطلب الأول: ماهية علم القانون
الفرع الأول : مفهوم العلم
العِلْمُ La Science لغة مصدر لفعل عَلِمَ ويعني إدراك الأمر بحقيقته، وهو مُرادف المعرفة اليقينية، فيُقال عَلِمَ الأمر، إذا أدرك حقيقته يقينا أما اصطلاحا فيُطلق العِلْمُ على ذلك الفرع من الدراسة المؤسسة على معرفة منظمة بدقة، ويسمح باكتشاف الحقائق بأسلوب ومنهج منطقي يُمكن من ضبط القوانين التي تحكمها.
والعِلْمُ أيضا هو المعرفة المُنَسَّقة المتولدة عن الملاحظة والدراسة والتجربة، والتي تروم تحديد طبيعة وأسس وأصول الشيء محل الدراسة.
الفرع الثاني: تمييز العلم عن المعرفة

  • المعرفة La Connaissance يمكن تعريفها بأنها مجموع المعتقدات والمعاني والتصورات والمفاهيم والأحكام الفكرية، التي تتكون لدى الإنسان من خلال محاولاته
  • المتكررة لفهم الأشياء والظواهر المحيطة به.
  • وهناك اتجاهات متعددة لفهم طبيعة المعرفة الإنسانية، أهمها المذهب العقلي الذي يجعل المعرفة تصورا ذهنيا للأشياء، أي أنها انعكاس للعالم الخارجي على العقل، هذا الأخير الذي يعتبر مرآة تتلقى الأشياء وتعكسها بعد تمحيصها وضبطها.
  • وأما المذهب الواقعي العملي، فيتجاوز التفكير النظري إلى النتائح المحققة فعليا، وبالتالي فالمعرفة تتحقق في نظره من خلال ثبوت منفعتها وجدواها بالتجربة العملية.
  • وانطلاقا من ذلك، يمكن القول بأن المعرفة موضع اهتمام ودراسة العلم، فهي مادته ومنطلقه للوصول إلى الحقيقة العلمية؛ فلا يمكن الحديث عن العلم بدون وجود معرفة، التي تعتبر مناطه. ولذلك، فإن المعرفة هي أوسع وأشمل من العلم، فهي تضم كل ما أحاط به الفكر البشري من معلومات استطاع الوصول إليها بحواسه وعقله؛ وعليه فمن الخطأ إطلاق تعبير العلم على كل أصناف المعارف، لأن ماهية العلم غير مرادفة لماهية المعرفة، فهذه الأخيرة أوسع مدلولا وأكثر امتدادا من الأولى، باعتبار أن المعرفة تحتوي معارف علمية ومعارف غير علمية، والمعرفة العلمية هي التي تعتمد على العلم في تحصيل معطياتها.
الفرع الرابع: خصائص المعرفة العلمية القانونية
تتميز المعرفة العلمية القانونية بالعديد من السمات أهمها:
أولا : الدقة واليقين
حتى تستحق المعرفة نعث العلمية يجب أن تستند على معلومات ومفاهيم محددة بدقة لا لبس فيها، كما يشترط في هذه المعلومات أن تكون مؤكدة لا ريب يُخالج صحتها، وبالتالي فعلى الباحث أن يَنْقُدَ ويُقصي من مجال بحثه كل المعلومات غير الواضحة الدلالة بدقة أو غير المبرهن على ثبوتها.
ثانيا: التجريد
التجريد هو صفة ملازمة للمعرفة العلمية، ويقصد به تحويل خصائص الظواهر والأشياء إلى أفكار ومفاهيم ذهنية تُدرك بالعقل حتى وإن لم تُدرك بالحواس؛ فإذا كان رجل القانون يعلم بأن الأصل في إبرام التصرفات القانونية المدنية مثلا هو الرضائية في الانعقاد، إلا ما اشترط القانون فيه صراحة الشكلية أو العينية، فهو يعلم عندما يركب سيارة الأجرة بأنه أبرم عقد النقل، وعندما يزور عيادة الطبيب أنه أبرم عقد الاستشفاء، وعندما يخرج للتبضع بالخضر أو الفواكه أو الثياب بأنه أبرم عقود شراء...... فرجل القانون باستعمال خاصية التجريد يتميز بمعرفته العلمية التامة بطبيعة كل تصرف قانوني يأتيه في حياته اليومية، وما يخضع له من أحكام وإن لم يُصغ في شكل ملموس.
ثالثا : التعميم والشمولية
لتكون المعرفة علمية يجب أن تعمم نتائجها، وأن تكون مقبولة من قبل الجميع طوعا أو جَبرا، فهذه الشمولية تُفيد في الانتقال من المعلوم إلى المجهول، أو من حالة أو حالات منعزلة إلى الكل.
رابعا : البحث عن الأسباب
تقوم المعرفة العلمية على أسس السببية والعِلية، فلكل ظاهرة عامل أو مجموعة عوامل أدت إلى نشوئها وتطورها، ولكل نتيجة سبب، والأكيد أن فهم الظواهر وتفسيرها يتطلب البحث في أسبابها والعوامل المفضية إليها ؛ فالمنهج العلمي السليم لا يؤمن بالخرافة ولا بالصدفة؛ ومن ذلك مثلا فإن ظاهرة الإرهاب كانت سببا في صدور القانون رقم 86.14 القاضي بتغيير وتتميم بعض أحكام القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية المتعلق بمكافحة الإرهاب.
خامسا : التنظيم
يقصد بالتنظيم تصنيف الظواهر التي يُعنى كل فرع علمي بدراستها، تصنيفا منطقيا يراعي خصوصيتها ومميزاتها ونقاط التقائها وافتراقها، والفكر المُنَظم يبتعد عن التلقائية والعفوية؛ ولذلك نجد مثلا في العلوم القانونية أن المعاملات المدنية منظمة في إطار القانون المدني والمعاملات التجارية خاضعة للقانون التجاري، والتجريم والعقاب مُنظم في إطار القانون الجنائي، وعلاقات العمل خاضعة لقانون الشغل.....
سادسا: التراكمية
التراكمية تعني أن المعرفة العلمية كالبناء الذي يعلو الآخر يُكمله ولا يَنْقُضُهُ.
المطلب الثاني : ماهية المنهج
الفرع الأول : مفهوم المنهج

  • كلمة مَنْهَج هي اسم المكان المُشتق من الفعل "نَهَجَ"، وتصح على وجهين: مَنْهَجٌ على وزن مَفْعَلٌ، ومِنْهَاجٌ على وزن مِفْعَالٌ ، وجمعها مَنَاهِجٌ ؛ وتأخذ معنى السبيل أو الطريق.
  • وكانت في اليونان تعني عند أفلاطون الدراسة والبحث والمعرفة، وعند أرسطو كانت تعني البحث.
  • وكلمة منهج في اللغة الفرنسية méthode وفي الإنجليزية Method مشتقتين من لفظ يوناني مكون من méta ومعناها السير في اتجاه محدد، ومن hodos وتعني الطريق، والمعنى العام للمقطعين هو التزام الطريق أو méthodos .
  • والفعل نَهَجَ في اللغة يعني سار وسلك واتَّبَعَ ، ومنهج يعني طريق أو سبيل، وقد عرفه المعجم الفلسفي باللغة العربية بأنه: الطريق الواضح في التعبير عن شيء، أو في تعليم شيء طبقا لمبادئ معينة، وبنظام معين، بغية الوصول إلى غاية معينة".
  • ومنه أصبح المنهج الوسيلة الموصلة إلى الغاية المطلوبة، وذلك بأن يتبعها الباحث في دراسته للمسألة عن طريق مجموعة من القواعد الموجهة بهدى العقل لأجل إيجاد الحل المناسب لها.
  • ومن المؤكد أن الباحث عندما تواجهه مشكلة في مسألة علمية ما، فإنه يبدأ بالتفكير كيف سيجد لها حلا، والمنهج هو الطريق إلى الحل.
  • كما أن اختلاف المنهج المتبع للوصول إلى الحل يؤدي إلى اختلاف النتائج أو الحلول المتوصل إليها، وفي هذا الجانب يقول بيرسون perason : "تستند وحدة كل علم إلى المنهج لا إلى الموضوع، فليست الوقائع في ذاتها هي التي تخلق وتصنع العلم، ولكنه المنهج الذي بواسطته تعالج تلك الوقائع".
الفرع الثاني : القواعد الأساسية للمنهج
أولا : قاعدة الموضوعية الإيجابية
يتوجب على الباحث القانوني خلال دراسته للقانون أن ينهج أسلوب موضوعي في التعامل مع المادة القانونية محل الدراسة سواء كانت نصا قانونيا أو نازلة أو حكما أو قرارا قضائيا أو استشارة قانونية, ومعلوم أن المادة القانونية تختلف عن المواد المدروسة في إطار العلوم البحتة، والتي يؤخذ فيها المنهج الموضوعي بصرامة، حيث لو قام فيها باحثان أو أكثر بإجراء نفس الخطوات لبحث ظاهرة علمية ما ستكون النتيجة المتوصل إليها واحدة ؛ أما الموضوعية المتحدث عنها في منهج دراسة المعرفة القانونية فهي موضوعية نسبية؛ أي أن الباحث القانوني كل ما يشترط فيه ليكون موضوعيا ألا ينطلق مسبقا بناء على أساس منظومة فكرية أو إيديولوجية أو عرقية متشددة ليصدر أحكاما قيمية أو معيارية، وإنما ينبغي عليه أن يتعامل مع علم القانون بموضوعية إيجابية، تركز على قيمة وجدوى موضوع الدراسة، مع مناقشة آراء الباحثين السابقين بمصداقية، وإبراز الرأي الشخصي بناء على أسس منطقية.

ثانيا : قاعدة التحليل
طبقا لهذه القاعدة فإنه على الباحث القانوني أن يقوم بتحليل المادة القانونية من خلال تقسيم الإشكال أو الإشكالات المطروحة إلى أجزاء بسيطة، بحيث يمكن فهمها كجزئية مستقلة ومن ثم إيجاد الحل المناسب لها؛ ذلك أن العينة القانونية موضوع الدراسة متى كانت قابلة للتفكيك، فلا يمكن التعامل معها في كليتها، حيث إن كل حرف في المادة القانونية يكون محل اعتبار في التفسير والتأويل وحل الإشكال المطروح.
ثالثا : قاعدة التأليف والتركيب
بعد تحليل وتجزئ وتفكيك المادة القانونية محل الدراسة، يتعين إعادة تأليفها وتركيب أجزائها من جديد، ويُراعى في ذلك المرور من الكل إلى الجزء أي المنهج الاستنباطي، أو العكس من الجزء إلى الكل أي المنهج الاستقرائي؛ ثم التدرج في تنظيم الأمور من الأبسط والأسهل إلى الأصعب حتى يتيسر الإلمام بها جميعا لأن المواد القانونية يشرح بعضها بعضا؛ ثم إكمال البناء من خلال فرض ترتيب بين الأجزاء التي لا ينبغي أن يسبق بعضها بعضا منطقيا، مستعينا في ذلك بأدوات العطف والربط الملائمة لكل مقام.
رابعا : قاعدة التدقيق
ومؤداها أن نقوم بإعمال الفكر في حركيته المتصلة بكل الموضوعات التي ترتبط بالغرض محل الدراسة، وأن تُحيط بها بشكل ممنهج، ثم نُعمل آليات الملاحظة والتمحيص والمقارنة الدقيقة لفهم واستيعاب الإشكال المطروح والخروج بحل وبعد تحديد مدلول أهم المصطلحات المكونة للمادة، نمر إلى دراسة مناهج البحث كالتالي.
الفصل الأول : مناهج البحث العلمى بين النظرية والتطبيق
لقد أثبتت التجربة الجامعية - كمصدر سلوكي للفكرة - أن تكوين الشخصية العلمية القانونية لدى طالب القانون، يجب أن تتم من خلال المزاوجة بين الدروس النظرية التي تزوده بما يلزم من معلومات في شتى فروع القانون، وبين أدوات ووسائل وأساليب تنمية المَلَكَةُ الفكرية بطريقة سليمة وذلك ليتمكن من استخدام قدراته الفكرية بكيفية سديدة في استخراج المسائل القانونية من خلال الأحداث والوقائع المعروضة، وكيفية البحث عن الحلول القانونية لها ومن تم كيفية عرض هذا الحل بطريقة علمية وأسلوب مقنع وبذلك يتميز دارس القانون ببعد النظر الذي يمكنه من تجاوز العقبات وتذليل الصعوبات وتفادي العثرات وتجنب الأخطاء والأغلاط.

المبحث الأول: أهم نظريات مناهج البحث العلمي

لم يتوحد الباحثين المهتمين بعلم المناهج حول وضع تصنيف حصري وقار للنظريات التي تُعنى بمناهج البحث العلمي، غير أن جُلهم يُقرون ببعض النظريات التي تركت بصمتها فيه، وكان لها دورا أساسيا في تطوير هذا العلم ولضرورة منهجية فقد قسمنا هذه النظريات إلى أربعة أقسام رئيسية :
المطلب الأول : نظريات رصد التطور
ينضوي تحت هذا الصنف من مناهج البحث العلمي التي تدرس الظاهرة الاجتماعية باعتبارها مادة تتطور باستمرار، وتتأسس على فكرة رصد وتتبع هذا التطور كأسلوب للتفسير والتحليل وإيجاد الحلول العديد من المناهج العلمية أهمها :
الفرع الأول : المنهج الوصفي
أولا : مضمون المنهج الوصفي

  • الوصف لغة مصدر لفعل وَصَفَ الشيء أي نعته بما فيه، والوصف عند الفقهاء ما يكون تابع للشيء غير منفصل عنه، وعند الأصوليين هو العلة.
  • وتُعرف البحوث الوصفية بأنها تلك التي تهتم بالظروف والعلاقات القائمة والممارسات الشائعة ووجهات النظر والقيم والاتجاهات عند الناس، والتأثيرات التي يستشعرها الأفراد، والتيارات والاتجاهات الآخذة في النمو.
  • ووصف الظاهرة الاجتماعية يكون من خلال تحديد طبيعتها وخصائصها ووظيفتها وشروطها، وجميع ما يرتبط بها من حيثيات ومعطيات عن طريق تجميع بياناتها باستخدام تقنيات وأدوات الوصف العلمي؛ وبالتالي فإن المنهج الوصفي يتكيف مع ظروف الظاهرة الاجتماعية المتسمة بعدم الثبات والمتغيرة باستمرار.
  • كما يهتم البحث الوصفي أحيانا بدراسة العلاقة بين ما هو كائن وبين بعض الأحداث السابقة، والتي قد تكون أثرت أو تحكمت في تلك الأحداث والظروف.
  • فهذا المنهج يهدف بالأساس إلى جمع الحقائق المرتبطة بظاهرة أو موقف معين، لمحاولة تفسيرها تفسيرا كافيا وتجري خطوات المنهج الوصفي حسب ما يلي:
  1. تحديد الظاهرة محل الدراسة؛
  2. وضع الطريقة المناسبة للمعاينة الكمية والقيمية لمختلف عناصر ومكونات وحدة الدراسة؛
  3. فحص العوامل المؤثرة في تنظيم الظاهرة وفي وظائفها؛
  4. وضع التقرير الوصفي للظاهرة المعنية بناء على ما سبق.
  5. هذا ونميز في المنهج الوصفي بين النوعين التاليين.
ثانيا : نوعي المنهج الوصفي
أ- المنهج المسحي
  • المسح لغة مصدر لفعل مَسَحَ ، فيقال مسح الأرض أي قاسها ليعرف مساحتها بالمتر المربع، أي حدد أبعادها من خلال ضبط معطياتها ؛ وفعل مَسَحَ يطلق على أي إجراء منظم لجمع المعلومات في ميدان محدد.
  • والمنهج المسحي يقوم على جمع وتحليل البيانات عن طريق أدوات بحثية كالمقابلة أو الاستمارة، من خلال استفسار عدد كبير من المعنيين بالظاهرة محل البحث.
  • وبذلك، فمنهج المسح هو الدراسة العلمية القائمة على عملية تسجيل الوضع السائد لنظام أو مجموعة لغرض التحليل والاستنتاج، ويُشترط أن يكون ضمن وقت محدد، وأن يكون القصد منه الحصول على معلومات كافية لغرض استنتاج قواعد تصلح للتطبيق في الأعمال المستقبلية.
  • أساليب منهج المسح من حيث تقنياتها إلى مسح كشفي، ومسح تشخيصي، و مسح وتتنوع تتبعي، ومسح تفصيلي...
  • كما تتنوع أساليب منهج المسح من حيث الموضوع إلى مسح الرأي العام، ومسح السوق التجاري، ومسح مدرسي (تعليمي)، ومسح المجتمع المحلي...
ب- منهج دراسة الحالة
  • دراسة الحالة هي بحث معمق في العوامل التي تُسْهِمُ في تشيكل ظاهرة ما، وذلك بالاستعانة بأدوات البحث الضرورية لتجميع البيانات.
  • وتتميز دراسة الحالة عن المسح بأنها تتعمق في الحالة المدروسة وتركز عليها بعد عزلها نسبيا ومؤقتا.
  • وبالتالي، فإن من أهم صفات منهج دراسة الحالة هو بحث الحالة المدروسة بعمق، من خلال تتبع وضعيتها منذ نشوئها إلى وقت الدراسة.
  • وبذلك، فدراسة الحالة ليست فقط أداة من أدوات البحث تقوم بتجميع البيانات والمعطيات وتصنيفها، بل تعتبر منهجا قائم الذات يُعنى بتتبع الحالة في مختلف مراحلها، ويحلل المعلومات المتوصل إليها، وينتهي بوضع تقرير بمثابة النتيجة النهائية للبحث وتتم دراسة الحالة من خلال الخطوات التالية:

  1. تحديد الظاهرة المطلوب دراستها بدقة؛
  2. ضبط المفاهيم والفروض العلمية التي سيستعملها الباحث؛
  3. التأكد من توفر البيانات؛
  4. تحديد وسائل جمع البيانات كالملاحظة والمقابلة ....
  5. تحليل البيانات المجمعة؛
  6. استخلاص النتائج.
الفرع الثاني : المنهج التاريخي
أولا : التاريخ منهج للبحث والتفسير
  1. من بين أدق التعاريف في تقديرنا للتاريخ من الناحية اللغوية: "تعريف الوقت"، في دلالة على مجموع الظواهر في علاقتها بزمن وقوعها، فهو بمثابة السجل الذي تسجل فيه جميع الأحداث الماضية والحاضرة والمستقبلية.
  2. والتاريخ بوجه عام هو بحث واستقصاء الماضي، أو سجل الخبرات السالفة، ومنهج البحث التاريخي هو الذي يوظف التاريخ إما لأجل معرفة علمية لأحداث ماضية، أو لفهم أداة مهمة واقع ظواهر معاصرة، باعتبار أن حاضر الظاهرة قد لا ينفصل عن ماضيها ويعتبر امتدادا لها؛ ولذلك يصنف في إطار المناهج التي تعنى برصد تطور الظواهر الاجتماعية.
  3. والدراسات التاريخية ليست حكرا على علم دون غيره من العلوم الاجتماعية بما فيها علم القانون، بل هي قاسم مشترك بينها جميعا، لأنها تتناول مجموع جوانب الحياة الإنسانية.
  4. وبالتالي، فإن التاريخ ليس مجرد سرد الأحداث الماضي بل أساسا أداة تفسير إذا أُخذ من جانب المقارنة وهكذا ذهب دوركايم إلى أن التاريخ المقارن هو للتحليل والشرح والتفسيير وهو بهذا المعنى معادل للمنهج التجريبي لأنه من خلال مقارنة حوادث متعددة عبر التاريخ يمكن فهم العلاقات المنطقية بينها واستخلاص القوانين.
  5. وبذلك، فإن البحث في الأحداث الماضية للكشف عن كيف نشأت وكيف تطورت والتدقيق في ماهية العوامل التي حكمت نشأتها وتطورها وأفولها؟ يؤدي بالتأكيد إلى الوصول إلى المبادئ والقوانين العامة التي تحكمها.
  6. وبناء عليه، يُعَرَّف المنهج التاريخي بأنه: "عملية منظمة وموضوعية لاكتشاف الأدلة وتحديدها وتقييمها والربط بينها من أجل إثبات حقائق معينة، والخروج منها باستنتاجات تتعلق بأحداث جرت في الماضي؛ إنه عمل يتم بروح التقصي الناقد لإعادة البناء.".

ثانيا : التاريخ منهج نقدي

  1. يعتمد منهج البحث التاريخي على عدة تقنيات ويستلزم المرور ببعض الخطوات، التي تبدأ كما هو الشأن بالنسبة لسائر المناهج باختيار موضوع البحث، ليقوم الباحث عقب ذلك بجمع المعطيات اللازمة من مصادرها، وتخضع هذه الأخيرة لعملية نقد والتي تسمى أيضا بعملية التحليل التاريخي، ويلى ذلك عملية التركيب أي استخراج ذلك الرابط المنطقي أو القاسم المشترك بين الماضي والحاضر، أو بين الواقعة المقارنة والواقعة المقارن بها؛ للخلوص بالنتيجة إلى استنتاجات أو قوانين تكون الغاية الأساسية عند كتابة تقرير البحث.
  2. وعليه يتبين أن أهم خطوة في منهج البحث التاريخي هي عندما يفرغ الباحث من تحديد المصادر ليُشرع في نقد الوثائق وذلك من خلال التأكد من صحة كل وثيقة معتمدة والتحقق من هوية صاحبها وصحة نسبتها إليه وزمان ومكان كتابتها.
  3. هذا، وينقسم النقد التاريخي إلى نقد ظاهري أو خارجي يهدف إلى التأكد من سلامة الوثيقة من حيث مدى صحتها أو تزويرها أو تزييفها ؛ ونقد داخلي يروم التحقق من صدق محتوى الوثيقة من حيث أصالتها وزمان وهوية كاتبها.
  4. ولا مراء في أن المنهج التاريخي لا يزعم - ولا يستقيم له ذلك أنه يستطيع الحلول محل دراسة الواقع، لأن مشاكل الحاضر تحل بالتعامل معها مباشرة؛ ويبقى اللجوء إلى تاريخ الظاهرة لمحاولة زيادة فهمها والإحاطة بخلفياتها والأسرار التي واكبت نشأتها وتطورها والوصول إلى القوانين التي تحكمها، والتي لا شك أنها تساعد الباحث في تعامله مع الواقع؛ غير أن ذلك كله يبقى مشروطا ومرتبطا من حيث جدواه بصدق وحقيقة المعطيات التاريخية المتحصل عليها.

المطلب الثاني : نظريات ضبط المتغيرات
إن الظواهر الاجتماعية بما فيها القانونية، مثلها مثل الظواهر العلمية البحتة البيولوجية والفيزيائية والكيميائية تشترك في خاصية التغير المستمر، وقد صيغة العديد من النظريات التي تناولت بالدراسة تقنيات ضبط المتغيرات، ومن أهمها المنهج التجريبي (فرع أول) والمنهج المقارن (فرع ثان).
الفرع الأول: المنهج التجريبي
أولا : مفهوم المنهج التجريبي

  1. التجريب لغة هو مصدر لفعل جَرَّبَ، ويأخذ معنى اخْتَبَرَ وَامْتَحَنَ واصطلاحا هو أحد مراحل تبني الأفكار المستحدثة، يحاول فيه الفرد تطبيق الفكرة المستحدثة وتحديد فائدتها والتأكد من مناسبتها لظروفه الخاصة.
  2. و يُمكن القول بأن المنهج التجريبي انطلق مما انتهت إليه النظرية السببية، التي تفسر الظواهر بسبب وجودها، ذلك أنه تطبيقا لقانون السببية فإن لكل مُسَبَّبٍ سَبَب؛ وقد جعل بعض المفكرين هذه المُسَلَّمة محل نظر وتشكيك، حيث ذهب ستيوارت" مل" مثلا إلى أن نفس النتيجة لا تترتب دائما على نفس السبب، بل تنشأ أحيانا لسبب، وأحيانا أخرى لسبب آخر، في حين يرى إميل دوركايم أنه إذا كانت العلاقة السببية أمرا تقتضيه طبيعة الأشياء نفسها، فليس من الممكن أن يوجد المُسَبَّبُ إلا بوجود سبب واحد، وذلك لأنه لا يمكن أن تُعبر العلاقة السببية إلا عن طبيعة واحدة ؛ وحتى إذا كان من الجائز أن يبدو الشيء نتيجة لعدة أسباب في نفس الوقت، فإنه ينبغي لنا لمعرفة السبب الحقيقي الذي يؤدي إلى وجود الشيء، أن نعتمد أسلوب التجربة لأجل الكشف عن الباعث الحقيقي.
  3. ويقوم المنهج التجريبي على قاعدة : "إن الأمور المتماثلة تحدث في الظروف المتماثلة". وخلال عملية التجربة يقوم الباحث بمحاولة التحكم في جميع المتغيرات أو العوامل الأساسية المكونة أو المؤثرة في الظاهرة موضوع الدراسة، باستثناء متغير واحد، يقوم الباحث بتطويعه أو تغييره بهدف قياس مدى تأثيره في العملية، وبالنتيجة فإن التجريب يكون ممكنا فقط حين يمكن ضبط المتغيرات.
  4. وينطلق التجريب بتساؤل الباحث عن الإشكال الذي تطرحه الظاهرة موضوع البحث، وفي ضوء ذلك يبدأ بجمع الأدلة والبراهين ، حيث لا يقف عند مرحلة الوصف والتحليل أو الاستناد إلى تاريخ الظاهرة، بل يقوم بإجراء التجارب بمعالجة العوامل المؤثرة فيها؛ وذلك من خلال إدخال تغيير ملائم على متغير واحد في التجربة يسمى المتغير المستقل، ويلاحظ تأثير ذلك التغيير على متغير آخر يسمى المتغير التابع.

:ثانيا: طرق المنهج التجريبي
أ- طريقة الاتفاق :

  1. تتأسس طريقة الاتفاق على فكرة أساسية مفادها أنه إذا كانت الظروف المؤدية إلى حدث مُعَين تتميز بتوفر عُنصر مُشترك ثابت بينها ، أي أن هذا العنصر يضل موجودا في حين تتغير باقي العناصر، فإن هذا العنصر الثابت هو السبب في حدوث الظاهرة، ويمكن أن نصل إلى نفس النتيجة باعتماد مفهوم المخالفة، أي أنه لا يمكن أن يكون عامل محدد سبب في حدوث ظاهرة معينة إذا كانت هذه الأخيرة تحدث بدونه.
  2. وتطبيقا لذلك، فإنه إذا توصل باحث ما من خلال دراسته لوضع عدد كبير من السجناء بسبب جريمة السرقة، أن جميع الذين أجريت عليهم التجربة ترعرعوا في أوساط فقيرة، قد يدفع ذلك للاستنتاج أن الفقر هو سبب اقتراف جريمة السرقة.
ب- طريقة الاختلاف :
  1. تتأسس هذه الطريقة على القاعدة المنطقية القائلة بأن النتيجة ترتبط وجودا وعدما بالسبب، فإذا وجد السبب تحققت النتيجة، وإذا انعدم السبب غابت النتيجة.
  2. ويعبر " ستيوارت "مل" عن هذه الطريقة قائلا : "إذا اشتركت الحالتان اللتان توجد الظاهرة في إحداهما، ولا توجد في الأخرى، في جميع الظروف ما عدا ظرفا واحدا، ولا يوجد إلا في الحالة الأولى وحدها، فإن هذا الظرف الوحيد الذي تختلف فيه الحالتان هو سبب الظاهرة أو جزء ضروري من هذا السبب".
  3. من المؤكد أن هذه الطريقة أثبتت جدواها في العلوم الطبيعية لأنها تتميز بالدقة في فرز العوامل المفضية إلى نتيجة ما ؛ غير أنها في العلوم الاجتماعية وعلى رأسها علم القانون لا يمكن التسليم بها على إطلاقها، لأن الظاهرة القانونية متغيرة باستمرار كما أن القانون كنتيجة تتظافر وتتفاعل عدة عوامل في سَنّهِ، وأن مجموع هذه المؤثرات يصعب عزل بعضها عن الباقي.
ت- طريقة التَّغَيُّر النسبي :
  1. عادة ما يلجأ الباحث في المنهج التجريبي إلى هذه الطريقة في حالة استعصاء تطبيق إحدى الطريقتين السالفتين.
  2. ومفاد طريقة التَّغَيُّر النسبي أنه إذا وجدت سلسلتان من الظواهر فيهما أسباب واضحة ونتائج معلومة بدقة، وكان أي تغير في الأسباب في كلتا السلسلتين ينتج عنه تغيير النتائج في كلتيهما، وبنسب محددة، فلا بد أن تكون هناك علاقة سببية بين الأسباب والنتائج.
  3. وفي هذه الطريقة يرى ستيوارت مل أنه: " إذا وجدت في حالتين أو أكثر تغير في مقدار أو قيمة لأحد العوامل، وصحب ذلك تغير مقابل في مقدار أو قيمة عامل آخر، ثم أن التغير الأخير لا يحدث إذا لم يحدث التغير الأول، فإنه يمكن القول بأن أحد التغيرين سبب أو نتيجة للتغير الآخر".
  4. ولقياس العلاقة بين المتغيرات يُستخدم مُعامل الارتباط ؛ فإذا كان التغير بالزيادة في أحد المتغيرين يتبعها زيادة نسبية في المتغير الآخر، أو النقص في أحدهما يليه نقص نسبي في الآخر يكون معامل الارتباط موجبا أو طرديا ؛ أما إذا كانت الزيادة في أحدهما يتبعها نقص في الآخر أو النقص في أحدهما تليه زيادة في الآخر، فإن معامل الارتباط يكون سالبا أو عكسيا.

الفرع الثاني : المنهج المقارن
إذا استطاع الباحث إيجاد كل من الظاهرتين الممثلتين للمتغير المستقل والمتغير التابع متى أراد فإن المنهج المتبع هو الطريقة التجريبية بمعنى الكلمة أما إن لم يستطع إيجاد إحداهما متى شاء فإن المنهج المعتمد للبحث هو الطريقة شبه التجريبية أو المقارنة.

أولا : تعريف المنهج المقارن

  1. مُقَارَن هو اسم المفعول لفعل قَارَنَ ، فيقال قارن بين شيء وشيء آخر بمعنى وَازَنَ بينهما، عبر تركيز النظر في أوجه تشابههما واختلافهما.
  2. قد يصل الباحث من خلال المنهج التجريبي إلى كشف خاصية التلازم في التغير)، متى أدرك العلاقة السببية بين ظاهرتين، بأن أقام الدليل على أن إحداهما سبب في وجود الأخرى، أو أن كلتا الظاهرتين نتيجة لسبب واحد بعينه؛ إلا أنه إذا لم يُدرك الباحث العلاقة السببية بأن كانت مثلا هناك ظاهرة ثالثة خفية توجد بين الظاهرتين بحيث تكون نتيجة لإحداهما وسبب في وجود الأخرى، فإنه يستعين بالمقارنة كمنهج للتفكير العلمي يعتمد على القياس للتأكد من صحة النتيجة.
  3. فإن استطاع الباحث باعتماد منهج المقارنة المؤسس على قياس الظاهرتين التوصل إلى العلاقة السببية، أمكن القول بأنه أقام البرهان العلمي؛ أما إن لم يقف على ذلك أو كانت العلاقة المكتشفة تناقض القوانين التي سبق إقامة الدليل على صدقها، عليه إعادة المقارنة لإيجاد حلقة الوصل بين هذه الظواهر.
  4. ويقول دور كايم في هذا الجانب: "إنه ليس لدينا سوى طريقة واحدة لنتبين وجود علاقة منطقية بين حدثين - كالعلاقة السببية - وهي عمل مقارنة بين الحالتين اللتين يكون فيهما هذان الحدثان إما حاضرين كلاهما، وإما غائبين كلاهما، ثم البحث عما إذا كانت التقلبات التي تطرأ عليهما في هذه الظروف المختلفة تدل على تعلق أحدهما بالآخر".
  5. وفي هذا الإطار فلا يمكن الحكم على ظاهرة ما بأنها مفيدة وضرورية إلا إذا قارناها بنموذج (سليم)، حتى نستطيع القول بأنها سليمة هي الأخرى أم لا ؛ ولو لم يكن الأمر كذلك لما استطعنا أن نبرهن مثلا على أن وضع الصحة يختلف عن وضع المرض.
  6. وبناء عليه، يتبين أن المنهج المقارن لا يتسم بالدقة، ذلك أنه إذا صح القول بأن كل ظاهرة سليمة مفيدة على أقل تقدير، فإن بالقابل ليس من الضروري أن تكون الظاهرة مفيدة حتى تكون ظاهرة سليمة.
ثانيا : أهم مجالات تطبيق المنهج المقارن
إن المنهج المقارن يهدف إلى الوقوف على الاختلاف والائتلاف بين الظواهر، ومحاولة إثبات صدق الفرضيات والتحقق من صحة النتائج وقيمة الدلائل والبراهين وبهذا المعنى، فإن المنهج العلمي المقارن يُعنى بدراسة أوجه الشبه والاختلاف بين الأنماط الرئيسية للسلوك الاجتماعي، وقد أثبت جدواه كمنهج علمي في مجموعة من المجالات الهامة منها :

  1. دراسة السلوك السياسي كانتخابات المجالس الترابية و الانتخابات التشريعية، وإقبال أو عزوف المواطنين على عملية التصويت.
  2. دراسة سلوك إجرامي معين في علاقته بأوضاع اجتماعية متباينة، كمقارنة نسب التبليغ عن الجرائم الماسة بالشرف بين المجتمعات العربية والغربية..
  3. دراسة بعض الأنظمة القانونية، كمقارنة قانونين منظمين للأسرة متعاقبين من حيث تأثيرهما في استقرار الأسر من خلال البحث مثلا في نسبة الإقبال على الزواج، ونسبة الطلاق، ومدى حمايتهما لحقوق الأطفال....
  4. دراسة النماذج المختلفة من التنظيمات المحلية كالأحزاب السياسية والنقابات العمالية والجمعيات والتعاونيات....
  5. مقارنة نُظم الحكم السياسي بين المجتمعات وفقا للنمط الرئيسي السائد فيها : ديمقراطي، دكتاتوري، ملكي، جمهوري، إمبراطوري...
ثالثا : محدودية المنهج المقارن
  1. لم يوضح بشكل جلي سبب وجود الظاهرة.
  2. لم يبين العوامل والمؤثرات السلبية أو الإيجابية التي ساعدت على ظهورها.
  3. لم يوضح تبعات وآثار الصفات التي اكتشفها منهج المقارنة.
  4. لا يركز هذا المنهج على تأثير الظاهرة المدروسة على بقية الظواهر الاجتماعية المقارنة، بل فقط يحاول الكشف على علاقة سببية بين الظاهرة المدروسة والظاهرة المقيس عليها.
  5. إن المقارنة تكون ظاهرية فقط وليست داخلية، فهي مقارنة غير عميقة وتقتصر على إبراز التشابه والمفارقة بين الظواهر.
  6. يُغفل منهج المقارنة حقيقة أنه لا يمكن فصل الظاهرة محل الدراسة عن محيطها التي نشأت فيه، فهي ليست مجردة من الارتباطات الاجتماعية.
  7. وأخيرا قد تحدث تغيرات جذرية في الفترة ما بين المقارنة الأولى والثانية، مما يؤثر على صحة نتائج المقارنة وثباتها.
المطلب الثالث : نظريات المنظومة
مفهوم المنظومة يتبلور في شكل مجموعة متناسقة تساهم سائر عناصرها بأشكال مختلفة وأساسية في الوصول إلى هدف واحد، ويتوقف أحدها على الباقي، حيث تتألف المنظومة من فروع أساسية لا يمكن الفصل بينها وهي البنية والوظيفة والنسق؛ وبالتالي فإن البنيوية تستدعي الوظيفة، وهذه الأخيرة لا تدرك إلى من خلال بنية تشتغل فيها وعليها، ونفس الأمر بالنسبة للنسق.
الفرع الأول : المنهج البنيوي :
أولا: مفهوم البنيوية :
  1. الأصل الاشتقاقي لكلمة بنية من فعل بَنَى أي أنشأ وشيد.
  2. أما اصطلاحا فالبنيوية هي التعامل مع الشيء على أساس أن له "بنية" ، أي ليس عديم الشكل، ويُشكل منظومة أي له نظام خاص من حيث تركيبه ووحدة انسجامه الداخلي والقوانين التي تضبطه وتسمح باستمراره.
  3. وهكذا، يعرف جان بياجيه البنيوية قائلا: "هي" نظام من التحولات له قوانينه الخاصة باعتباره نسقا - في مقابل الخصائص المميزة للعناصر - علما أن من شأن هذه البنية أن تظل قائمة، ويزداد ثراؤها بفضل الدور الذي تقوم به تلك التحولات نفسها، دون أن يكون من شأن هذه التحولات أن تخرج عن حدود تلك البنية، أو تستعين بأية عناصر أخرى خارجة عنه".
  4. وعن البنيوية كمنهج تحليل أشار شتراوس إلى أنه: "ينبغي على الباحث أولا أن يجمع الحقائق المتفرقة ويحللها في قائمة شاملة، وثانيا: أن يعين الروابط المقابلة بين الحقائق ويصنفها في مجموعة ويحدد ارتباطاتها الداخلية. وثالثا: أن يركب الأجزاء في كيان واحد، أي العناصر المعينة في بنية واحدة، ولا تخل بالانتظام الذاتي لها".
ثانيا : شروط البنيوية :
البنيوية كأداة منهجية تساعد على فهم الظواهر من خلال النظر إلى واقعها كبنية مستقلة شخصية، هيئة، ثقافة، مجتمع ....)، ولا يمكن بواسطتها فهم الظواهر الإنسانية إلا من خلال اعتبار الشخص يدخل في شبكة من العلاقات الرمزية التي لها بنيات وهياكل محددة، يشارك فيها ويتفاعل معها ويؤثر ويتأثر بها عن وعي أو عن غير وعي؛ لكن حتى تتحقق للظاهرة بنية يُشترط فيها ما يلي:
  1. أن تكون عناصر الظاهرة مترابطة فيما بينها ، أي تتشكل منظومة تحكم عناصرها.
  2.  التأثير المتبادل بين عناصر الظاهرة بحيث أن أي تغيير يطرأ على عنصر يؤثر على باقي العناصر.
  3.  القدرة على التنبؤ بما سيطرأ على البنية نتيجة أي تغيير يمس أحد العناصر.
  4.  يشترط في البنية محل البحث أن تكون شاملة لأغلب الوقائع المتعلقة بالظاهرة.
الفرع الثاني : المنهج الوظيفي
المنهج الوظيفي يقوم على قواعد أساسية (ثانيا) لكن قبل عرضها نوضح مفهوم هذا المنهج (أولا).
أولا: مفهوم المنهج الوظيفي
  1. الوظيفة لغة هي المهنة أو العمل، وفعل وَظّف مرادف لشغل واستخدم، ونقول وظّف الشخص إذا عينه وأسند له عملا.
  2. وتتأسس الوظيفية على النظر لكل أمر من خلال المهمَّةُ التي يؤديها؛ و يتأثر المنهج الوظيفي بقوانين وثوابت علم البيولوجيا، حيث يقوم على مماثلة عضوية بين الجسم الحي والظواهر الاجتماعية، وبذلك تتميز الوظيفية عن البنيوية.
  3. فحسب المنهج الوظيفي المجتمع كالكائن الحي يبحث دائما عن التوازن حتى في إطار التطور المستمر الذي يعرفه.
  4. إن البيولوجيا تقوم على مبدأ أن الكائن العضوي يمثل نسقا يتألف من أجزاء ترتبط فيما بينها ارتباطا وظيفيا في إطار الاعتماد المتبادل وتطبيقا لمفهوم الوظيفة هذا فإن النظم الاجتماعية شبيهة بالكائن الحي، وقابلة للتصنيف على ضوء الوظائف الرئيسية التي تؤديها، فالنظم الاقتصادية تؤدي وظيفة الإنتاج والتوزيع لإشباع الحاجات الاستهلاكية للإنسان. والأسرة تؤدي وظائف التوالد والتنشئة الاجتماعية وحفظ النوع البشري، والنظام السياسي يقوم بوظيفة حماية المواطنين داخليا وخارجيا، والنظم الدينية تؤدي وظيفة الأمن الروحي... غير أن المجتمع يحتاج إلى آلية يتمكن من خلالها من تأدية وظائفه والحفاظ على بقائه واستمراريته، وهي آلية التبادلية.
  5. والتبادلية هي عملية التوافق والمشاركة في القيم، وبها يستطيع الناس تحقيق التكيف ليجدوا أنفسهم في مواقف متبادلة ومتساندة.
ثانيا: القواعد الأساسية للمنهج الوظيفي
  1. التعامل مع موضوع البحث على أنه نظام يتألف من أجزاء مترابطة قائمة على الاعتمادية التبادلية.
  2.  لكل نظام احتياجات أساسية عليه تلبيتها.
  3.  النظام في حالة توازن يتحقق بتلبية أجزائه لاحتياجاته.
  4. أجزاء المنظومة قد تكون وظيفية تسهم في توازنه، أو غير وظيفية أي عديمة القيمة، أو ضارة بالنظام أي تضعف توازنه.
  5.  يتم تلبية متطلبات النظام بواسطة تغيرات أو بدائل.
  6.  وحدة التحليل بالنسبة للنظام هي الأنشطة.
الفرع الثالث : المنهج النسقي
أولا : مفهوم المنهج النسقي :
  1. النسق لغة مصدر لفعل نَسَقَ، والنسق لفظ يُطلق على ما كان على نظام واحد من كل شيء، فنقول قصة متناسقة إذا كان كل جزء منها ينسجم مع باقي الأجزاء.
  2. والتحليل النسقي يقوم على النظر للظواهر والأشياء ليس من خلال بنيتها ولا من خلال وظيفتها، بل من خلال اتساقها، أي مقاربتها كنسق.
  3. ويُعرف النسق بأنه: "عبارة عن فاعلين أو أكثر يتبوأ كل منهم مركزا أو مكانة متميزة عن الآخرين، كما يؤدون دورا متميزا ، فهو عبارة عن نمط منظم يحكم العلاقات بين الأعضاء ويصف حقوقهم وواجباتهم اتجاه بعضهم ضمن إطار من القيم المشتركة".
  4. والفكرة المحورية للمنهج النسقي هي بناء نموذج من التفكير يتسم بالشمولية، وقادر على دراسة التفاعلات خلال حركيتها وليس سلبيتها وسكونها ، أي التفاعلات الدينامية.
  5. لقد استفاد التحليل النسقي من تقنيات الاتصال، وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار أن النسقية تمد الباحث بالأدوات العقلية التي تتيح الاتساق مع مساهمات البنيوية أو تتجاوزها، إنها تدفع إلى تتبع المبادلات داخل التنظيم، وإلى النظر إلى المجموعات كأنساق متفتحة، وإلى رصد العلاقات المتحركة بين المجموعة والوسط وإلى مواجهة سياقات اتخاذ القرار وتغيير القرار.
ثانيا : آليات تطبيق المنهج النسقي :
يقوم المنهج النسقي على أربع مفاهيم أساسية : الفعل الاجتماعي، الموقف، الفاعل وتوجهات الفاعل هذا ويعتمد هذا المنهج في تحليله للظاهرة محل البحث على الآليات التالية :
  1. التكيف : هو مجموع الأفعال التي تؤسس العلاقات بين النسق وبيئته الخارجية، ومضمونه الحصول على المصادر التي يحتاجها النسق ثم ترتيبها لتساعد في إشباع الحاجات.
  2. تحقيق الهدف : مضمونها تعبئة المصادر والجهود لتحقيق أهداف النسق.
  3. تحقيق التكامل : وهو العمل على ضمان الاستقرار داخل النسق، ومضمونه الأفعال التي تعمل على حماية النسق ضد التغيرات المفاجئة لتحافظ على التماسك والتضامن اللازم لبقاء النسق في حال من الأداء الوظيفي الملائم.
  4. الحفاظ على النمط : إن النسق يحتاج إلى مجموعة من الأفعال التي تمد الفاعلين بالدوافع والطاقة حتى يستمر سعيها وراء أهدافها.
وخلاصة القول فإن البنية والوظيفة والنسق تشكل جميعها عناصر رئيسية لمنهج تحليلي واحد، وذلك لوجود معادلة تربط بين المفاهيم الثلاثة فالنسق ما هو إلا تلك الوظائف التي تحدث داخل بنية ما.


المطلب الرابع: مناهج التقويم
يُراد بمناهج التقويم المسالك العلمية التي يقصدها الباحث، ويستند عليها لتأسس وإصدار حكم قيمي، في شأن ظاهرة معينة من حيث ماهيتها وجوهرها وثبوتها من عدمها وصوابها من خطئها والحقيقة أن مناهج التقويم كثيرة ومتعددة، حيث نجد المنهج التحليلي، والمنهج الاستدلالي، والمنهج التوثيقي، و المنهج الجدلي أو الديالكتيكي، والمنهج الاستقرائي، والمنهج الاستنباطي؛ غير أننا سنقتصر على دراسة أهم منهجين لشمول محتواهما جل آليات عمل باقي المناهج، وهما المنهج التحليلي الفرع (الأول) والمنهج الاستدلالي (الفرع الثاني).

الفرع الأول: المنهج التحليلي :
أولا: مفهوم المنهج التحليلي :

  1. يجد تحليل وتفسير المعطيات والبيانات والمعلومات وفقا لمنهج علمي واضح، أهميته في كونه يعطيها قيمتها الحقيقية، ذلك أن عملية جمع هذه المعطيات بدون تحليلها لا يحقق نتائج تجيب على الاستفسارات والإشكالات التي تطرحها.
  2. لذلك، فإن المنهج التحليلي يقوم على دراسة الإشكالات العلمية المختلفة، تفكيكا، أو تركيبا، أو تقويما.
  3. فإذا كان الإشكال الذي تطرحه المادة موضوع التحليل عبارة عن تركيبة منغلقة، قام المنهج التحليلي بتفكيكها، لإعطاء التفسير الملائم لجزئياتها وإرجاعها إلى أصولها.
  4. أما إذا كان الإشكال خلاف ما سبق يتعلق بمادة مدروسة تتميز بالشتات والتناثر، قام المنهج التحليلي بدراسة طبيعتها ووظائفها و الوصول إلى الرابط بينها لتركيب أصل ما أو قاعدة ما كما يمكن أن يقوم المنهج التحليلي، على تقويم إشكال ما ، أي نقده وترشيده من خلال توضيح مواطن الخطأ والصواب في المادة المدروسة.
:ثانيا خطوات المنهج التحليلي :
يعتمد المنهج التحليلي على ثلاث آليات علمية، قد تجتمع كلها في دراسة المادة الواحدة، وقد تنفرد إحداها بتشييد البحث برمته، وترتيبها المنطقي هو التفسير أو التفكيك (أ) والنقد أو الترشيد (ب) والاستنباط أو التركيب (ت).
أ- التفسير :
التفسير هو ذلك العمل الذهني الذي يقوم على تأويل وتعليل المادة موضوع البحث، من خلال الفهم الصحيح لمصطلحاته ومقاصده حتى يتضح المُبهم منها وتُحل إشكالاتها. والتفسير كآلية من آليات المنهج التحليلي تتم على مستويين بحسب طبيعة المادة محل الدراسة، وهما كالتالي :
  1. تفسير بسيط : ويتم من خلال شرح المادة العلمية موضوع البحث وتحليل مكوناتها، واستخراج مُحْكَمِهَا ومُتَشَابِههَا ، ومُطْلَقِهَا ومُقَيَّدِها، وخاصها وعامها، وسابقها ولاحقها ، ومُؤْتَلِفِهَا ومُخْتَلِفِهَا. مع استجلاء حقيقة كل مصطلح شرحا وتعريفا.
  2. تفسير مُركب : هو الذي ينطلق من حيث انتهى الأول، إذ ينتقل بعد الفراغ من جميع مقومات التفسير البسيط إلى مستوى العلية، أي إرجاع القضايا إلى أصولها وربطها بأسبابها وعللها. فإذا كنا في مستوى التفسير البسيط نبحث عن الإشكالات التي تطرحها مادة علمية معينة من خلال معرفة هيئتها ووضعها؛ فإنه في مستوى التحليل المركب ندقق في أسباب وعلل صياغتها على هذه الهيئة وتشكلها بهذا الوضع، لفهمها فهما صحيحا ومعمقا واستجلاء حقيقتها.
ب النقد :
التحليل النقدي هو في عمقه عملية تقويم وتصحيح وترشيد بغية بيان مواطن الخطأ والصواب، وهو عبارة عن محاكمة للمادة العلمية موضوع الدراسة في ضوء القواعد العامة المتفق عليها في الفرع العلمي الذي تندرج في إطاره المادة محل البحث.
  1. الاستنباط : الاستنباط لغة اسم مشتق من فعل اسْتَنْبَطَ بمعنى استخرج؛ واصطلاحا هو استخراج المجتهد للمعاني و الأحكام من النصوص و مصادر الأدلة؛ ويُراد به الاستنتاج الاجتهادي ولذلك، فإن الاستنباط هو عملية ذهنية يتم من خلالها استنتاج حكم جزئي بناء على قاعدة كلية، ومن مقومات هذه الآلية من آليات المنهج التحليلي، الانتقال من الكليات والأصول والقواعد العامة لتركيب وبناء أحكام خاصة بالجزئية موضوع بحث المُستنبط.
الفرع الثاني: المنهج الاستدلالي
أولا : معنى الاستدلال
الاستدلال كمنهج من مناهج التقويم أو التقييم هو البرهان الذي يبدأ من أمر مسلم به ويسير إلى أمر آخر ينتج عنه بالضرورة كما هو الشأن بالنسبة للعمليات الحسابية التي يجريها الرياضي دون اللجوء إلى إجراء تجارب، أو الاستدلال الذي يعتمده القاضي بناء على ما لديه من مبادئ قانونية وقد قسم رجال المنطق مبادئ المنهج الاستدلالي إلى :
  1. البديهيات : الأمر البديهي يكون بَيِّن بنفسه ولا يحتاج لبرهان، ويُطلق لفظ البديهي على القاعدة المُسَلَّمُ بها من قبل كافة العقول؛ ومن الأمثلة على ذلك: قاعدة : "من يملك الأكثر يملك الأقل".
  2. المُصادرات : وهي قضايا تركيبية أقل يقينية من البديهيات، فهي غير بينة وغير عامة ومشتركة، ولكن يُصادر على صحتها ويسلم بها منطقيا؛ فهي عبارة عن قواعد تُستنتج منها نتائج دون الوقوع في التناقض. ومن بين المصادرات: قاعدة: "الإنسان يفعل أولا ما يراه أنفع له" وقاعدة "كل إنسان يطلب السعادة".
  3. التعريفات : التعريف هو تعبير عن ماهية المُعرَّف ؛ ويتركب من أمرين: المُعَرَّف وهو الأمر المراد تعريفه، والمُعَرِّف وهو القول الذي يحدد خواص وعناصر الشيء المعرف.

لقد أثبت علم المنهج أن هذه المبادئ الثلاثة متداخلة فيما بينها ومتكاملة ومتعاونة في تحقيق العملية الاستدلالية من أجل استخراج النتائج والنظريات والبرهنة على صحتها.
ثانيا : أدوات الاستدلال

  1. القياس: القياس لغة اسم لفعل قَاسَ، ويأخذ معنى ردُّ الشيء إلى نظيره، كما قد يأخذ معنى التمثيل والمقارنة فنقول لا يُقاس الله بخلقه أي لا يمثل ولا يقارن؛ ويأتي بمعنى التقدير فنقول قاس الثوب إذا قدر حجمه. واصطلاحا هو إلحاق أصل بفرعه في الحكم لاتحادهما في العلة وعند الأصوليين هو رد واقعة غير منصوص عليها إلى واقعة منصوص عليها لاتفاقهما في العلة، وبالتالي إضفاء نفس الحكم عليهما وهو ما يعرف بقياس الغائب على الشاهد فقهيا.
  2. التجريب العقلي : ويعني عند الاستدلاليين قيام الباحث بواسطة ملكته الفكرية بكل الفروض والتحقيقات اللازمة لإقامة البرهان على حقيقة ما، فهو يختلف عن المنهج التجريبي، لأنه عملية داخلية أي داخل العقل الإنساني، حيث يقوم بتجريب وقائع وأوضاع وفروض عقلية لاستخلاص النتائج التي تؤدي إليها هذه الفروض داخل الذهن الإنساني.
  3. التركيب : هو عملية عقلية عكسية تنطلق من أمر صحيح معلوم الصحة إلى استخراج النتائج والمعارف المراد استخلاصها منها؛ وعملية التركيب هي نقطة التقاء المنهجين التحليلي والاستدلالي، باعتبارهما منهجيين تقيميين.

المبحث الثاني: الخطوات العملية اللازمة لإنجاز البحث العلمي

المطلب الأول: قواعد إعداد المادة العلمية موضوع البحث القانوني
الفرع الأول : اختيار موضوع البحث
أولا: مفهوم البحث الأكاديمي :
البحث العلمي هو وسيلة للاستعلام والاستقصاء المنظم والدقيق للمادة القانونية،الذي يقوم به الباحث بغرض اكتشاف معلومات أو علاقات جديدة، بالإضافة إلى تطوير أو
ثانيا ضوابط اختيار موضوع البحث :
يجب أن يتوافر في البحث العلمي القانوني شرطين أساسيين:
أ- أن يكون موضوع البحث ذا قيمة علمية ومتسما بالجدة :
وهذا يفرض على الباحث اختيار موضوع ذا قيمة علمية، وفقا للمقاييس الموضوعية الثابتة في علم القانون، ولذلك فإن الموضوع يجب أن يتسم بالجِدَّة والجدية وبناء عليه، يُنصح الباحث بالابتعاد عن النظريات العامة للقانون، إلا إذا كانت منطلقا لدراسة قانونية جديدة؛ وعليه أن يتجه للبحث في المؤسسات والنظم القانونية الجديدة، أو على الأقل يجب أن يكون الإشكال المحوري المثار جديدا، وتكون الحلول المقترحة تتصف بالابتكار والحداثة.
ب أن يكون موضوع البحث محددا :
ويُقصد بتحديد موضوع البحث حصره في جزئية معينة، ومن مميزات ذلك أن يتخذ الباحث منحا عموديا في بحثه، بأن يتعمق داخل الإشكال الواحد، مع مقاربة المواضيع ذات الارتباط الموضوعي؛ وهنا يتبلور دور المشرف في مساعدة الباحث على تحديد الموضوع، حتى لا يُنجز عملا جد مختصر أو عملا جد مبالغ فيه، مع توخي الإثقان.
الفرع الثاني : تجميع المادة العلمية المرتبطة بالبحث
بعد اختيار موضوع البحث ينطلق الباحث في الاطلاع وتجميع المعلومات والمصادر والمراجع ذات الارتباط بمحل البحث عموما أو بكل جزئية من جزئياته، وذلك للإلمام به وفهمه من جهة و الاستناد عليها خلال مرحلة تحريره من جهة ثانية، لذلك فإن البحث الذي تنعدم أو تنذر فيه المراجع يفقد قيمته العلمية.
وبعد وضع القائمة الأولية الرئيسية للمراجع يشرع الباحث في القراءة والتأمل والفهم والاستيعاب للوصول إلى حقائق علمية دقيقة وواضحة، وفقا للقواعد التوجيهية التالية :

  1. القراءة في دوائر المعرفة العامة ثم المتخصصة.
  2. تحديد الإطار القانوني للموضوع في ضوء مصادره التشريعية، من خلال تحديد النص أو النصوص القانونية الخاصة المنظمة له، ثم النصوص القانونية العامة ذات الارتباط المباشر به كما يمكن الرجوع إلى القوانين السابقة الملغاة أو المعدلة للمقارنة، أو الرجوع إلى مشروع القانون المعني قبل اعتماده وإلى المناقشات البرلمانية المواكبة للتصويت عليه، إذا كان من شأنها أن تفيد في تفسيره.
  3. الاطلاع على موقف القضاء من الموضوع، مع التركيز على توحد أو اختلاف محاكم الموضوع في شأنه، وكذا موقف محكمة النقض.
  4. القراءة في كتب الفقه العامة (الدراسات والمؤلفات الفقهية ذات العلاقة بالموضوع) تم المراجع الفقهية المتخصصة مقالات، رسائل و أطروحات، كتب فقهية متخصصة...).
  5. الاطلاع على النظم القانونية الدولية ،المماثلة، والاطلاع على الفقه الأجنبي المقارن ومواقف الاجتهاد القضائي المقارن من المادة القانونية موضوع البحث، إذا استدعى تفسيرها ذلك، أو كان البحث مقارنا.
  6. إعطاء الأولوية للمؤلفات الحديثة واعتماد آخر طبعة للكتاب الواحد.
الفرع الثالث : وضع التصميم
  1. تصميم البحث هو تلك العملية العقلية التي تمكن الباحث من التنظيم المنطقي لخطوات البحث ورسم هيكله من خلال تبويبه وتقسيمه في شكل يُمكن من الإلمام بمختلف جوانبه، والإجابة على إشكاله المحوري، والإشكالات الفرعية التي يطرحها.
  2. فهو بمثابة التشكيل الهندسي المقترح لبناء البحث، أي الهيكل التصوري الذي يُصاغ فيه موضوع البحث.
  3. ويجد التصميم أهميته في أنه في غيابه سيكون البحث عبارة عن سرد لكلام دون خيط رابط ودون تنظيم للأفكار، مما يفقد معه البحث قيمته العلمية.
  4. وللتصميم القانوني أهمية بالغة نظرا لما يعرفه علم القانون من صرامة منهجية تتطلب الدقة والوضوح؛ مع الإشارة إلى أنه لا يمكن الحديث عن تصميم نهائي للبحث إلا عند الفراغ من البحث برمته، فالتصميم الأولي يبقى طوال مراحل الإنجاز خاضعا للتعديل والترميم بالزيادة والنقص وبالنتيجة، فإنه يشترط في التصميم ما يلي:
  1. أن يستجيب للتناسب المطلوب بين الإشكال المطروح والجواب عنه.
  2.  شمولية التصميم من خلال تعرضه لجميع القضايا التي يطرحها الموضوع.
  3.  أن يمكن الباحث من الإجابة على جميع الإشكالات الفرعية.
  4.  الترتيب المنطقي في إبراز الأفكار الجوهرية والجزئية.
  5. تفادي التكرار والتداخل في المضامين بين عناصر الموضوع وعناوينه الرئيسية والفرعية.
  6.  مراعاة وتحقيق التوازن الكمي بين التقسيمات الأساسية والجزئية.
  7. يجب أن يعكس التصميم مدى فهم وإلمام الباحث بالموضوع، باعتباره يعكس موقفه الفكري.
المطلب الثاني: قواعد صياغة البحث واقتباس الأفكار وتوثيقها :
شكليات صياغة البحث الفرع (الأول) احترام قواعد اقتباس أفكار الآخر (الفرع الثاني) ثم توثيق المراجع المعتمدة خلال عملية التحرير (الفرع الثالث) .
الفرع الأول : شكليات صياغة البحث
يراد بشكليات صياغة موضوع البحث فن كتابة وتحرير البحث العلمي، مع التقيد بأصول الكتابة القانونية، ويتحقق ذلك من خلال احترام ما يشترط في تحرير الأجزاء الرئيسية للبحث من الناحية الشكلية، وذلك فيما يخص جميع عناصر الموضوع كما يلي:
أولا: عنوان البحث :
العنوان عَلَمٌ على البحث، لذلك يجب أن يتسم بالدقة في صيغته، لأنه الوجه الخارجي لجوهر الموضوع، وتوسيع معالم الإشكال إنما يكون ابتداء من خلال تحليل عبارات العنوان؛ ذلك أن موضوع البحث هو العنوان ذاته، وهما وجهان لعملة واحدة، تماما كما يرتبط المصطلح بمفهومه، ويشترط فيه ما يلي:
  1. أن يكون العنوان دالا على محتوى البحث.
  2. أن يكون مختصرا و واضحا وشاملا لكافة أجزاء البحث.
  3. على الباحث تجنب العناوين الغامضة والطويلة والتي يكتنفها لبس، كما يفضل تجنب العناوين المركبة إلا إذا كانت تفيد المقارنة.
  4. أن يحقق التطابق بين أهداف البحث ومحتواه.
ثانيا: المقدمة :
المقدمة هي تعريف إجمالي بالبحث شكلا ومضمونا، وهي وحدة مصغرة مستقلة بذاتها، تكون في أول البحث، وهي مع ذلك آخر ما يُنجز ؛ نظرا لأنها تتضمن الحديث عن الموضوع بشكل عام، من حيث علاقة الباحث به وعلاقة الإشكال المبني عليه بالمجال المعرفي الذي أنجز في إطاره، وقيمته العلمية، ثم المنهج المتبع في الإنجاز جملة، وفي الدراسة خاصة بحثا ،وعرضا، وكذا العوائق الحقيقية التي اعترضت الباحث، هذا مع التركيز الشديد، والمبادرة إلى فتح ملف الإشكال مباشرة، والإعلان عن التصميم العام وينبغي أن تتضمن العناصر التالية:
  1. تحديد الموضوع ووضعه في إطاره العام، ثم في إطاره القانوني الخاص.
  2. تحديد مفاهيمه ومصطلحاته الأساسية مع تمييزها عما شابهها من مفاهيم.
  3. الإشارة إلى التطور التاريخي للمفهوم أو المؤسسة القانونية موضوع البحث.
  4. توضيح أهمية الموضوع العلمية والعملية.
  5. تبيان الصعوبات التي واجهت الباحث.
  6. طرح الإشكال المحوري الذي تثيره الدراسة.
  7. الإعلان عن المنهج أو المناهج المعتمدة في تحليل ومناقشة موضوع البحث.
  8. وفي ختام المقدمة يعلن الباحث عن التقسيم الرئيسي للموضوع.
ثالثا : صلب الموضوع :
يُشكل العرض المادة العلمية الأساسية للبحث، لأنه يتضمن العناصر الأساسية لمادة البحث من أبواب وفصول ومباحث و مطالب وفروع وتفصيلات جزئية؛ وعادة ما يعتمد الباحث أحد التصميمين العلميين التالين في تقسميه وتبويبه لصلب الموضوع :
  1. التصميم الأنجلوسكسوني : ينطلق هذا التصميم من تقسيم الموضوع إلى عناصر كبيرة (أقسام أو أبواب أو فصول) دون حاجة إلى تفريع وتجزيء، ودون تحقيق التوازن بين العناصر ويتسم هذا التصميم بالوضوح والسهولة في عرض الأفكار وضبطها، غير أنه لا يُمكن من تعميق البحث والمقارنة.
  2. التصميم اللاتيني : إن اعتماد التصميم اللاتيني يقتضي تقسيما منطقيا وهو يستند على أسس ومعايير علمية منطقية وموضوعية بإعطاء عنوان لكل فكرة أو موضوع أساسي أو ثانوي، أصلي أو فرعي، عام أو خاص، كلي أو جزئي، بحيث يوحي العنوان بمحتواه؛ وذلك مع إيجاد رابطة منطقية بين كل فكرة وفروعها وصولا إلى الربط بين كافة أفكار البحث وينبني هذا التصميم على التقسيم الثنائي الأساسي والفرعي مع تحقيق التوازن بين مختلف عناصر البحث، ويقوم على إعطاء عنوان لكل فكرة يوحي بمحتواها مع إيجاد رابطة منطقية بين الفكرة الواحدة وفروعها، ثم الوقوف على رابطة منطقية بين كافة أفكار البحث.
رابعا: الخاتمة :
هي الإعلان عن نهاية مسار البحث، و يُشترط فيها الإيجاز والتركيز والاختزال الدقيق، حيث يعرض من خلالها الباحث الاستنتاجات والاقتراحات التي خلص إليها البحث، من حيث النتائج والحقائق العلمية المتوصل إليها، وإما تصور موجز لمستقبل البحث في الإشكال محل الدراسة جزئيا أو كليا، ويمكن الجمع بين هذا وذاك، ولا يمكن أن تكون أبدا تلخيصا لصلب الموضوع.

الفرع الثاني: الأسلوب العلمي في عرض الأفكار وقواعد الاقتباس
أولا: الأسلوب العلمي في عرض الأفكار
من المؤكد أن الأسلوب المعتمد في تحرير البحوث في مختلف فروع العلوم القانونية يختلف عن المفهوم اللغوي للأسلوب المعتمد في المواد الأدبية، حيث يتضمن مدلول الأسلوب هنا العديد من العناصر والخصائص التي تطبع وتميز الأسلوب العلمي القانوني، والمستمدة أساسا من اختلاف الدلالة الاصطلاحية القانونية ذات الارتباط بالحقل المعرفي القانوني، والتي قد تختلف دلالتها عن تلك المتعارف عليها لغويا كعبارة مسطرة (إجراءات)، وعبارة رسم قضائي (صوائر) تؤدى بالمحكمة) وعبارة رسم عدلي (وثيقة يحررها العدول)؛ إضافة إلى العبارات المشكلة للحقل المعجمي القانوني الخاص و التي تتطلب شرحا قانونيا كالتظهير والتطهير والارتفاق والشفعة والاستحفاظ والتسنيد و التوليج واعتصار الواهب.... كما أن الأسلوب القانوني يجب أن يتميز بسلامة اللغة وانضباطها للقواعد النحوية والصرفية والتركيبية، إضافة إلى الدقة والوضوح والإيجاز والتركيز الدال والمفيد، وعدم التكرار والقدرة على تنظيم المعلومات والأفكار وعرضها وتقديمها بطريقة منطقية، وفقا لمنهجية محددة، تتأسس على الدقة والوضوح في التحديد، بعيدا عن الغموض والإبهام والعمومية في العرض؛ مع الحرص على تدعيم الأفكار المعروضة بالأدلة القانونية التي تسندها وتؤكدها.
ثانيا: قواعد الاقتباس
أ- مفهوم الاقتباس :
لغة يقال اقتبس الشعلة من النار، والقبس جمعها أقباس وهو شعلة من نار تؤخذ على طرف عود، وهو مصدر للفعل الخماسي اقتبس ومعناه أخذ واصطلاحا له معنيان متقاربان حيث يطلق أولا على الكلام الذي ضمنه المتكلم أقوالا لغيره، كما يطلق على الاستشهاد بأقوال وآراء الغير لتأكيد صحة فكرة وتأييدها، أو توضيحها، أو تقييمها وتأصيلها، أو نقدها وإثبات عدم وجاهتها.
ب أنواع الاقتباس :

  1. الاقتباس الحرفي : هو أن يأخذ الباحث قولا أو جزءا من النص الأصلي حرفيا دون تصرف، و يتعين عليه أن يتوخى الدقة والأمانة في ذلك، مع نسبة القول المقتبس لصاحبه والإحالة على مرجعه هامشا، وتُكتب الفكرة المقتبسة حرفيا بين قوسين مزدوجين (( ...)).
  2. الاقتباس غير الحرفي : هو الاستشهاد بفكرة الغير بتصرف مع الحرص على تطابق المعنى الذي يقصده صاحبها ، مع توخي الأمانة العلمية في ذلك.
الفرع الثالث: توثيق المراجع المعتمدة
أولا: الإحالة :
أ- معنى الإحالة :
يعبر عن الإحالة بالإرجاع، ومعناها الإسناد في هامش كل صفحة من البحث إلى المصدر أو المرجع المعتمد في المتن نصا أو معنى.
ب- أنواع الإحالات:
  1. إحالة المراجع : يستخدم هذا النوع للإشارة إلى المرجع الذي استعين به واقتبست فكرة منه واستعملت في صلب الموضوع؛ ويحقق هذا الأمر العديد من المزايا حيث يمكن القارئ من العودة للمصدر المعتمد إما للاستزادة في توضيح الفكرة، أو للتأكد من صحتها ونسبتها له.
  2. إحالة التفسير : يستعين الكاتب بهذا الصنف في حال كون أمر في متن البحث يكتنفه الغموض ويحتاج إلى توضيح.
  3. الإحالة تفاديا للتكرار : يستعمل الكاتب هذا الصنف من الهوامش تحديدا للإحالة خلال تفصيله في فكرة ما على فكرة مرتبطة بها ورد تفصيلها سابقا في نفس البحث، أو سيرد تفصيلها لاحقا في نفس البحث تفاديا للتكرار.
ثانيا: تصنيف المراجع المعتمدة :
أ- التصنيف التراتبي للمراجع :

  1. أول تصنيف يُعتمد كتقسيم عام للبيبليغرافيا يقوم على التمييز بين المراجع العربية وتلك المكتوبة بلغة أجنبية.
  2. تُصنف المراجع المعتمدة في البحث في شكل قوائم ابتداء من العام إلى الخاص: أي نبتدئ بالمراجع ذات الطبيعة العامة كالموسوعات والمعاجم...، ثم المؤلفات العامة ذات الارتباط بمجال الدراسة، ثم المؤلفات الخاصة بموضوع البحث إن وجدت.
  3. تحديد النصوص القانونية ذات الصلة المباشرة بموضوع البحث.
  4. ويلي ذلك وضع لائحة بالأطروحات والرسائل الجامعية التي استعان بها الباحث.
  5. ثم المقالات المتخصصة.
  6. ثم مجلات التعليق على الأحكام والقرارات القضائية، مع وضع قائمة بالمجلات التي أخذت منها الأحكام والقرارات المنشورة.
  7. ثم لائحة بالمواقع الالكترونية التي استخدمها الباحث خلال عملية البحث بأن استخرج منها مراجع الكترونية أو اجتهادات قضائية أو نصوص قانونية وطنية أو مقارنة....
  8. ويراعى في ترتيب كل لائحة مما ذكر وفقا للتسلسل الأبجدي للحرف الأول من اسم الكاتب.
ب- بيانات أهم أصناف من المراجع
تجدر الإشارة بداية إلى أن هذه البيانات هي نفسها التي يشار بها للمرجع بالهامش في أول مرة يأتي على ذكره؛ مع تسجيل اختلاف بسيط أنه عند تكرار الإحالة هامشا على نفس المرجع يُكتفى بإيراد اسم المؤلف وعنوان الكتاب متبوعا بعبارة مرجع سابق ثم رقم الصفحة المحال عليها و لكل نوع من المراجع المعتمدة بيانات معينة هي كالتالي:

  1. الكتب : ندون اسم الكاتب، فعنوان الكتاب، ثم مؤسسة الطبع والنشر ومكانها، ثم سنة الطبع والنشر مع الإشارة في حال عدم وجود اسم مؤسسة الطبع والنشر أو سنته إلى عبارة دون مؤسسة النشر ولا تاريخه، كما يشار إلى رقم الكتاب أو الجزء إذا كان المؤلف مكون من سلسة كتب أو من أجزاء متفرقة وبعد ذلك تدون الطبعة وسنتها كأن يذكر الطبعة الأولى 2018 (أو يشار إلى دون طبعة ولا سنة).
  2. المقالات : ندون اسم الكاتب، عنوان المقالة، اسم المجلة العلمية أو الدورية وعن أي مؤسسة تصدر، رقم المجلة أو الدورية وسنة الإصدار والنشر.
  3. الرسائل والأطروحات : اسم الباحث عنوان البحث طبيعة ونوعية البحث (رسالة أم اطروحة)، اسم الجامعة ثم الكلية مع ذكر اسم الوحدة التابع لها البحث، ثم السنة الجامعية التي نوقش فيها البحث.
  4. النصوص القانونية أو التشريعية أو التنظيمية : يتعين على الباحث وضع بيانات النصوص القانونية التي اعتمد عليها في البحث كدستور المملكة أو قوانينه التنظيمية، أو الظهائر أو النصوص التشريعية، أو المراسيم أو القرارات الوزيرية. حيث يدون نوع النص القانوني، وموضوعه و ورقمه و تاريخ صدوره، وبيانات الجريدة الرسمية التي نشر بها عددها وتاريخها وصفحتها)

تعليقات