القائمة الرئيسية

الصفحات

تقديم :

كانت الشريعة السماوية تطبق أحكامها في جميع الدول الإسلامية ومن بينها المغرب، لكن بدخول المستعمر إلى هذه البلدان أحل محلها أحكام القانون الوضعي.

فبمجرد دخول المستعمر الفرنسي إلى المغرب، عرف التنظيم القضائي تحولا جذريا، فقد فبعدما كانت المحاكم الشرعية صاحبة الولاية العامة وتطبق أحكام الشريعة الإسلامية خاصة قواعد الفقه المالكي أصبحت تختص فقط في القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية والميراث للمغاربة المسلمين، وفي قضايا العقار غير المحفظ شريطة عدم وجود طرف متقاضي أجنبي.

ووضع المستعمر المحاكم الفرنسية والتي كانت تسمى بالمحاكم العصرية هي التي أصبحت صاحبة الولاية العامة أي أنها هي التي أصبحت تنظر في جميع النزاعات المدنية والعقارية والتجارية والإدارية، وتطبق هذه المحاكم قواعد القانون الوضعي.
لكن الشريعة الإسلامية كما سنرى يجب أن تكون هي المصدر الأساسي للقانون فهي واجبة الإتباع والاهتداء بها، والآية الكريمة واضحة في هذا الأمر، قال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَر بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِيَأ نفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ سورة النساء الآية
لأن القانون الإلهي هو قانون شامل بفضل الخصائص التي يتميز بها، وهو يفوق التشريع الوضعي الذي يضعه المشرعين في مختلف البلدان، ولأن الإنسان مهما بلغت درجة علمه ومعرفته، فإنه لا يظل جاهلا بالكثير من الأمور التي ينفرد بعلمها الله عز وجل.

تعريف الشريعة الإسلامية وتمييزها عن النظم المشايهة بها

  • أولا: تعريف الشريعة الإسلامية

أ- الشريعة لغة : مأخوذ من أسلم وانقاد وخضع، والإسلام يعني الانقياد والاستسلام والخضوع، وقد أطلق على الديانة التي نزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى عز وجل في كتابه الكريم: (الْيَوْمَ أَكْمَلْت لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُم نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسلم دِينًا بمعنى مورد الماء أي أنها الأصل أو المنبع الذي ينحدر منه الماء، ويستقي منه الناس وتعرف الشريعة لغة أيضا بأنها الطريق الواضح المستقيم.
ب الشريعة في الاصطلاح : لفظ الشريعة في الإصطلاح يختلف في معناه عند الفقهاء بين عام والآخر خاص، بالنسبة للتعريف الاصطلاحي العام أو الواسع، الشريعة الإسلامية هي ما شرعه الله سبحانه لعباده من الأحكام التي جاء بها أنبياؤه ورسله لصلاح دينهم و دنياهم، سواء تعلقت هذه الأحكام بالعقيدة أو بالأخلاق أو بالعبادات والمعاملات والعقوبات وغيرها من شؤون الحياة المختلفة، وذلك لأجل تحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة.
  • ثانيا - تمييز الشريعة الإسلامية عما يشبهها
سبقت الشريعة الإسلامية شرائع سماوية كثيرة منزلة من عند الله تعالى حيث لم تخل أمة قط من رسول أو نبي يبلغ أحكام الله، لقوله تعالى في سورة فاطر الآية 5 (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير). ولاستكمال توضيح معنى الشريعة الإسلامية يكون من المفيد أن نفرق بينها وبين والشرائع السماوية الأخرى، ثم نميزها عن الفقه الإسلامي وعن القانون الوضعي.
أ- التمييز بين الشريعة الإسلامية والشرائع السماوية الأخرى
  1. وحدة المصدر : الشريعة الإسلامية والشرائع السماوية الأخرى مصدرها واحد وهو عزوجل، فحكمته سبحانه وتعالى اقتضت أن يرسل إلى كل أمة رسول يبلغها بعبادة الله ويبلغها بالأحكام التي عليها أن تتبعها هذه الأمم. يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ﴿ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَن بِاللَّهِ وَمَلَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ﴾ سورة البقرة، الآية 285.
  2. التوافق في أصول العقيدة : تتفق الشريعة الإسلامية مع الشرائع السماوية الأخرى في أصول العقيدة، فجميع الشرائع السماوية تدعوا إلى الاعتقاد أن الله واحد وأنه هو مالك الكون المتفرد بالخلق والتدبير ولا شريك له في ذلك.
  3. التوافق في مكارم الأخلاق : تتفق الشريعة الإسلامية مع جميع الشرائع السماوية الأخرى في الدعوة إلى مكارم الأخلاق كالإحسان والصبر... وإلى تزكية النفوس بالابتعاد عن الكذب والخداع... يقول سبحانه في كتابه العزيز: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ وَذَكَرَاسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَالْأَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ الأعلى، الآية 14.
  4. التوافق في المقاصد : تتوافق الشريعة الإسلامية مع جميع الشرائع السماوية الأخرى التي سبقتها في المقاصد الضرورية الخمس، وهي حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ النسل وحفظ المال، وإن اختلفت في الفروع وفي الكيفية التي تؤدى بها.
  5. بخصوص نقاط الإختلاف بين الشريعة الإسلامية وباقي الشرائع السماوية الأخرى الشريعة الإسلامية جاءت لتصحح وتوضح ما وقع من تحريف في الشرائع السماوية السابقة.
  6. الشريعة الإسلامية أصدق الشرائع السماوية و لم يطالها التحريف أو تبديل لأن الله عز وجل تولى حفظها من كل تحريف أو تبديل، ويقول سبحانه في كتابه العزيز: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ ﴾ سورة الحجر، الآية 9
ب التمييز بين الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي :
الفقه الإسلامي مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية، ويعتمد على أصولها التي والسنة، وعرفه الفقه على أنه العلم الذي يهتم بالأحكام الشرعية العملية دون غيرها من الأحكام الاعتقادية والأخلاقية، بمعنى أنه يهتم بالأحكام الشرعية العملية (العبادات والمعاملات).
لذلك فالشريعة الإسلامية ليست هي الفقه الإسلامي، والعكس صحيح، وبالتالي هناك فوارق بين كل منهما هي كالآتي:
  1. الشريعة الإسلامية هي كتاب الله عز وجل وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أما الفقه الإسلامي فهو ما يفهمه الفقهاء من نصوص الشريعة الإسلامية وما يستنبطونه من أحكام تلك النصوص.
  2. الشريعة الإسلامية معصومة من الخطأ، أما الفقه الإسلامي يحتمل الخطأ والصواب، لأنه غير معصوم من الخطأ.
  3. الفقه الإسلامي له قيمة عظيمة، ولكن ليست كالقدسية والعظمة التي تتمتع بها الشريعة الإسلامية.
  4. الشريعة الإسلامية أعم وأشمل من الفقه فهي تشمل كل ما يتعلق بالعقيدة والعبادات والأخلاق والمعاملات، أما الفقه الإسلامي فهو يشمل فقط ما يعنى الأحكام العملية (العبادات والمعاملات).
  5. الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، أما الفقه فاجتهاداته قد تصلح لحل قضايا معينة في زمان ومكان معين ولا تصلح لحل هذه القضايا في زمان أو مكان آخرين.
ج- التمييز بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي
قبل القيام بهذا التمييز لا بد أن نعرف القانون الوضعي الذي هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العيش داخل الجماعة، والتي يجب على الجميع احترامها وهذا الإحترام تكفله السلطة العامة بالقوة عند الاقتضاء.
  • بالنسبة لنقاط التوافق بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي فهي كالآتي:
  1. من حيث الإلزامية : القاعدة الشرعية ملزمة للجميع وكذلك القاعدة القانونية ملزمة، كلاهما تضع أوامر ونواهي وتترتب عن عدم الأخذ بهما جزاء، إلا أن الجزاء في الشريعة الإسلامية دنوي وأخروي بينما الجزاء عن مخالفة القاعدة القانونية دنوي فقط.
  2. من حيث العمومية : والتجرد فهي غير موجهة لشخص بذاته ولا وقائع محددة، فالأحكم الشرعية تطبق على جميع الناس دون تمييز مثلها مثل القاعدة القانونية.
  3. من حيث كونهما قواعد اجتماعية : القاعدة الشرعية هي قاعدة اجتماعية والقاعدة القانونية كذلك قاعدة اجتماعية بمعنى أن القانون لا يوجد إلا في المجتمع لينظم سلوك الأفراد.
  • أما بالنسبة لنقاط الاختلاف بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي فهي كالآتي:
  1. من حيث المصدر : القانون الوضعي مصدره البشر فهم وضعوه عن طريق السلطة التي خول لها الدستور ذلك. أما مصدر الشريعة الإسلامية فهو الله تعالى خالق الكون، قال عز وجل: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) سورة النجم الآية 4.
  2. من حيث الموضوع : تختلف الشريعة الإسلامية عن القانون الوضعي من حيث الموضوع، فالقانون الوضعي لم يهتم بتنظيم علاقة الإنسان بنفسه، كما لم ينظم علاقة الإنسان بربه، لكنه اهتم بتنظيم علاقة الفرد بباقي أفراد المجتمع ، وعلاقته بمؤسسات الدولة وعلاقة الدول بغيرها من الدول أما فالشريعة الإسلامية فهي منظومة أشمل وأعم وأكثر تكاملا، لكونها تشمل الأحكام و المبادئ والقواعد العامة لكافة القضايا التي تهم الإنسان فالشريعة الإسلامية نظمت علاقة الإنسان بنفسه و علاقته بربه، وعلاقته بأخيه الإنسان وعلاقته بباقي الكائنات الحية، كما نظمت الشريعة الإسلامية علاقة الأمة الإسلامية بسائر الأمم.
  3. من حيث الغاية أو الهدف : تهتم الشريعة الإسلامية بتحقيق أهداف تهم الجانب الروحي والمادي للإنسان، فهي تنظم نوعين من السلوك البشري، تنظم السلوك الداخلي الذي يتعلق بالنوايا وما تخفي الصدور. كما تنظم السلوك الخارجي وما يصدر عن الفرد من أقوال وأفعال وتصرفات. والقانون الوضعي فيهتم بتحقيق أهداف وغايات تهم أكثر الجانب المادي للإنسان دون الجانب الروحي، فهو يهتم بما يلزم به الفرد داخل المجتمع بمعنى أنه يهتم بالسلوك الخارجي دون الاهتمام بالنوايا والمقاصد إلا استثناءا، كما في القانون الجنائي حيث نجد قواعده تهتم بالنوايا إذا كان لها ارتباط بالسلوك الإجرامي و هو الذي يعبر عنها بسبق الإصرار و الترصد أو ما يسمى بالقصد الجنائي.
  4. من حيث النطاق : الشريعة الإسلامية أوسع نطاقا من القانون الوضعي فهي شريعة خالدة وصالحة لكل زمان ومكان بينما التشريع الوضعي يختص بمكان وزمان محددين، فالقانون الذي يصلح لبلد معين قد لا يصلح تطبيقه في بلد آخر، والقانون الذي نطبقه بزمان معين قد لا يصلح للتطبيق خلال زمن أخر، حيث يحتاج ليتم إلغاءه أوتعويضه بقانون مساير لمطالب المجتمع.

خصائص الشريعة الاسلامية

تتميز الشريعة الإسلامية بمجموعة من الخصائص التي ترتقي بها إلى أعلى درجات الحكمة والعظمة والكمال، والتي يستحيل أن يرقى إليها أي تشريع آخر، وتتجسد هذه الخصائص في كونها : ربانية وشاملة وتتميز أيضا بكونها واقعية ومثالية وثابتة، كما أن الشريعة الإسلامية وسطية .
  • أولا: خاصية الربانية
معناها أن مصدر الشريعة الإسلامية هو الله عز وجل، أنزلها عن طريق الوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم باللفظ والمعنى والذي هو القرآن الكريم أو بالمعنى دون اللفظ وهي السنة النبوية الشريفة. وقد نتج عن خاصية الربانية عدة نتائج أهمها:
  1. خلو الشريعة الاسلامية من أي نقص، لأن من شرعها هو الله تعالى صاحب الكمال المطلق.
  2. أنها قائمة على تحقيق العدل والإنصاف ومعصومة من الظلم والعدوان، لأن واضعها هوالله عزوجل سبحانه الذي حرم الظلم على نفسه. 
  3. قدسية أحكامها ومحبة الخضوع لها من قبل من يؤمن بها. 
  • ثانيا : خاصية الشمولية
معنى الشمولية هو أن الشريعة الإسلامية جاءت بتنظيم شامل، فهي تنظم جميع شؤون الإنسان الحياتية وهي ما يطلق عليها بالشمولية الموضوعية، كما أن الشريعة شاملة من حيث الزمان والمكان والإنسان والأحكام
أ- بالنسبة للشمولية الموضوعية
تعني الشمولية الموضوعية أن الشريعة الإسلامية نظمت كل ما يتعلق بمختلف أمور المجتمع المدنية والأسرية والشغلية والتجارية والجنائية والدستورية والسياسية والاقتصادية والعلاقات الدولية... إلخ ، ويأكد ذلك من قوله تعالى : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَبِ مِن شَيء ) سورة الأنعام الآية 38 وقد شملت الشريعة الإسلامية مختلف المعاملات أو القضايا الحياتية سواء التي تنظمها قواعد القانون الخاص أو التي تنظمها قواعد القانون العام.
اولا - شمولية الشريعة الإسلامية للقضايا التي تنظمها قواعد القانون الخاص
تشمل الشريعة الإسلامية القضايا التي تنظمها قواعد القانون الخاص سواء تعلقت هذه القضايا بالمجال المدني أو بالمجال الأسري أو الجنائي أو بمجال العلاقات الشغلية.
1-1 - شمولية الشريعة الإسلامية للقضايا المدنية
  1. جاءت الشريعة الإسلامية بمجموعة من القواعد والمبادئ التي تتوافق مع ما ينص عليه المشرع في القانون المدني، فهي تنظم العلاقات المالية بين الأفراد، قال تعالى في كتابه العزيز: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) سورة المائدة الآية 1، وهذه الآية الكريمة تلزم باحترام مجموعة من القواعد المدنية، وتؤكد على القوة الملزمة للعقد وهذا ما عبر عنه المشرع المغربي أيضا في الفصل 230 و231 من قانون الإلتزامات والعقود.
  2. كما أقرت الشريعة الإسلامية مبدأ الرضائية في إبرام العقود.
  3. أقرت الشريعة الاسلامية قواعد مهمة تتعلق بمحل العقد فمثلا منعت بيع المعدوم أي الغير موجود والمستحيل قال محمد (صلى) (لا تبع ماليس عندك)، والمشرع المغربي أخذ بتلك القاعدة الشرعية بموجب الفصل 59 من ق.إ.ع ، الذي ورد فيه: "يبطل الالتزام الذي يكون محله شيئا أو عملا مستحيلا، أو ما بحسب طبيعته أو بحكم القانون".
1-2- شمولية الشريعة الإسلامية للقضايا الأسرية
  1. قاعدة المعاملة الحسنة للوالدين والانفاق عليهما : وجعلت ذلك مقرونا بعبادة الخالق سبحانه وتعالى لقوله تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَالًا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَناً ) سورة الإسراء 23. والمشرع المغربي أخذ بهذه القاعدة الشرعية في إطار مدونة الأسرة، ورد في المادة 197 : "النفقة على الأقارب تجب على الأولاد للوالدين" وهذا يعني أن الأبناء ملزمون قانونا الانفاق على والديهم في حالة عسرهم.
  2. قاعدة حسن معاملة الأبناء : التشريع الإسلامي يلزم أيضا الآباء بحسن معاملة الأبناء من خلال إقرار مجموعة من الحقوق أهمها حق النسب ، وحق النفقة، وحق الرضاعة، وحق الحضانة، وحق الولاية، وحق الميراث، كما نظم حق الرضاع فهو يثبت للطفل بقول تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ سورة البقرة الآية 233، وبالنسبة للنفقة جاءت الشريعة الإسلامية بمجموعة من الأدلة الشرعية التي تلزم الآباء بالإنفاق على أبنائهم يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) سورة البقرة الآية 233 وأيات أخرى. وقد نظم المشرع المغربي هذه الحقوق بمدونة الأسرة حيث نظم وسائل اثبات النسب في مدونة الأسرة بموجب 13 مادة قانونية من المادة 150 إلى المادة 162.
  3. قاعدة المعاملة الحسنة بين الزوجين : وقال سبحانه في كتابه الكريم: هن لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسَلَّهنَّ سورة البقرة الآية 187 واستنادا إلى هذا الحكم الشرعي نصت مدونة الأسرة على المعاملة الحسنة بين الزوجين من خلال تعدادها لمجموعة من الحقوق و الواجبات المتبادلة بين الزوجين في المادة 51 .
1-3 - شمولية الشريعة الإسلامية للقضايا الجنائية :
القانون الجنائي هو مجموعة من القواعد القانونية التي تحدد الأفعال والسلوكات الإجرامية وتضع عقوبات لكل منها. وصنف الجرائم حسب شدتها إلى جنح وجنايات ومخالفات والجريمة هي مخالفة تستحق العقاب وبخصوص الشريعة الإسلامية فقد جاءت بمجموعة من الأحكام في المجال الجنائي لضبط المجتمع، ووضع حد للجريمة، وتقسم الشريعة الإسلامية الجرائم إلى أقسام ثلاثة :
  1. القسم الأول : جرائم الحدود هي التي نصت الشريعة على عقوبتها ولا يجوز للقاضي أن يعفو عن هذه العقوبات أو يغير منها لثبوتها بدليل قطعي ولأنها من حقوق الله وتشمل جرائم الحدود : الزنا، القذف، شرب الخمر السرقة، الحرابة، الردة البغي.
  2. القسم الثاني : هي جرائم القصاص المقصود بجرائم القصاص تلك الجرائم التي تؤدي إلى القتل عمدا أو خطأ أو الجرح عمدا أو خطأ، وعقوبة هذه الجرائم هي القصاص لارتباطها بحياة الفرد وتحقيقا للتوازن بين الجريمة والعقوبة، ومراعاة للعدل بين المجني عليه والجاني والقصاص يعني أن يعاقب المجرم بمثل فعله ويطبق في حالات القتل العمد أو الخطأ أو الجرح العمد أو الخطأ بحيث يقتل الجاني كما قتل أو يجرح كما جرح.
  3. القسم الثالث : جرائم التعزير يقصد بجرائم التعزير الجرائم التي لا تدخل ضمن جرائم الحدود والقصاص، ويترك أمر تقدير عقوبتها إلى القضاء والتعزير هو تأديب على ذنوب لم تشرع فيها حدود و قد تكون فيها العقوبة يسيرة مثلا التوبيخ و قد تكون مشددة كالجلد أو الجبس أو القتل في الجرائم الخطيرة.
1-4- شمولية الشريعة الإسلامية للقضايا الشغلية
  1. نظمت الشريعة الإسلامية العلاقة التعاقدية القائمة بين العامل ورب العمل، بحيث فرضت على كل طرف التزامات وفي المقابل خولت له حقوق فمن الالتزامات الملقاة على عاتق رب العمل على سبيل المثال دفع أجرة العامل متكافئة مع عمله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه).
  2. كما ألزم الإسلام العامل بالاتقان في العمل ورد في الحديث النبوي الشريف (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه . كما التزامته بالإخلاص في العمل، لقوله ص: ( من غشنا فليس منا) والعديد من الإلتزامات الأخرى.
  3. و قد تضمنت مدونة الشغل مقتضيات شبيهة بما ورد في الأدلة الشرعية تهم وجوب أداء الأجر للعمال بالمادة 363 منها ومقتضيات تهم حفظ صحة وسلامة الأجراء وكرامتهم بالمادة 24 والتزامه بوجوب اتقان عمله بمقتضى المادة 20 يكون الأجير مسؤولا في إطار شغله عن فعله أو إهماله أو تقصيره أو عدم احتياطه.
ثانيا - شمولية الشريعة الإسلامية للقضايا التي ينظمها القانون العام :
شملت الشريعة الإسلامية القضايا التي تنظمها قواعد القانون العام كالقضايا الدستورية وقضايا العلاقات الدولية.
القضايا الدستورية :
أهم الحقوق الدستورية التي أقرتها الشريعة الإسلامية هي :
  1. الحق في الحياة وهذا الحق يعتبر لازما لقيام الحقوق الأخرى، فالإنسان لا يستطيع مباشرة أي حق دون أن يتمتع بالحياة والأدلة الشرعية التي تضمن حق الإنسان في الحياة عديدة وتحرم قتله أو إذائه كثيرة في هذا الشأن نذكر على سبيل المثال فقط الأية 93 من سورة النساء يقول تعالى (ومن يقتل متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه وأعد له عذابا عظيما) وهذا الحق من الحقوق الدستورية المنصوص عليها في الدستور المغربي في الفصل 20 منه.
  2. حق الفرد في سلامة شخصه و أقربائه وممتلكاته حيث ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يحل لمسلم أن يروع مسلما) ومضمون هذا الحق أورده المشرع بالفصل 22 من الدستور الذي منع المساس بسلامة الاشخاص الجسدية أو تعذيبهم واعتبر ذلك جريمة يعاقب عليها القانون.
  3. الحق في المساواة وهذا الحق وردت بخصوصه العديد من الأدلة الشرعية فالله عز وجل خلق الناس جميعا من نفس واحدة ، قال تعالى: ﴿ يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَكُم شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّا كَرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَنَكُمْ ) سورة الحجرات الآية 13. فالآية الكريمة توضح أنه وإن كان هناك اختلاف في الجنس والمعتقد واللون والأصل، فهذا الاختلاف ليس فيه تفضيل لأحد، إذا كان هناك تفاضل بين البشر فهو في أمور خارجة عن الصفة الإنسانية، منها التقوى.
  4. قاعدة المساواة بين المواطنين في الفصل 31، وبين الرجل والمرأة في إطار مقتضيات الفصل ،19 وحقوق المتقاضين أمام العدالة بالنص على جملة من الحقوق التي تعد من الثوابت الدستورية والمحددة في أربعة فصول من الفصل 117 إلى 120.
  5. حرية التفكير والرأي والتعبير، وفي حرية التعبير عن الرأي، ألزمت الشريعة الإسلامية بضرورة التقيد بعدم إشاعة الفاحشة، قال الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ سورة النورالآية 19.
  6. قاعدة الشورة في الفصل 30 من الدستور ، إذ ورد فيه:" لكل مواطن أو مواطنة الحق في التصويت و في الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية و السياسية...".
  7. حق الإنسان في العمل، حقه في تكوين أسرة بناء على علاقة الزواج الشرعي. هناك حقوق دستورية مقررة شرعا للمرأة لأن الشريعة الإسلامية أقرت بالحقوق والواجبات الدستورية للنساء و الرجال دون أن تقيم وزنا لصفة الذكورة أو الأنوثة ، و إذا كان هناك اختلاف فهو لم يأتي من التفرقة بين الرجال والنساء و إنما هو آت من عوامل خارجية أخرى تتعلق بالحكمة التي شرعت من أجلها تلك الحقوق والواجبات.
شمولية الشريعة الإسلامية لقضايا العلاقات الدولية :
جاءت الشريعة الإسلامية بمجموعة من الأحكام والقواعد التي تنظم علاقات الدول فيما بينها، وهذه القواعد تتميز بالعدل على خلاف القواعد التي تنظم العلاقات الدولية المستمدة من المعاهدات والاتفاقيات التي تبرم بين الدول والتي تعبر عن مصالح الدول الذاتية متجاوزة في ذلك قواعد العدل والانصاف ومبادئ الأخلاق من هذه القواعد التالي :
  1. قاعدة الوفاء بالاتفاقيات الدولية : ألزمت الشريعة الإسلامية الوفاء بالعهود والاتفاقيات الدولية قال الله تعالى في كتابه الكريم : وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدِ كَانَ مَسْئولًا ﴾ سورة الإسراء الآية .64 ونلاحظ من الآيات الكريمة أن الشريعة الإسلامية تشدد على المسلمين بالوفاء بالعهد.
  2. قواعد تتعلق بكيفية تدبير المنازعات الدولية : فالشريعة الإسلامية السمحاء رفضت الإعتداء لكنها أجازت الحرب لرد العدوان : قال الله عزوجل : ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِمَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ سورة البقرة الآية 194 كما وضعت قواعد احترام الحقوق الإنسانية أثناء الحرب حيث حرم رسول الله(ص) الغدر وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وكل من هو عاجز عن القتال، كما حرم رسولنا الكريم عمليات التخريب والتدمير وقطع الشجر و قتل الحيوانات.
شمولية الشريعة الإسلامية للقضايا المالية :
نظمت الشريعة الإسلامية المجال المالي بحيث جاءت بمجموعة من الأحكام المتعلقة بموارد الدولة الإسلامية و أوجبت صرفها و إنفاقها و تحديدا العلاقات المالية بين الأفراد و الدولة و بين الأغنياء والفقراء.وأهم قاعدة جاءت بها الشريعة الإسلامية في تنظيمها للقضايا المالية هي تحريم أكل أموال الناس بالباطل، وإقرار الصدقات والزكاة ونظام الوقف الخيري وهي مؤسسة تقوم على أساس الصدقة الجارية الدائمة وذلك لمعالجة مشكلات الفقراء والمساكين و أبناء السبيل.
  1. الشمولية من حيث الإنسان : تعني شمولية الشريعة الاسلامية من حيث الإنسان، أن الشريعة الإسلامية تخاطب جميع الناس بأحكامها الشرعية يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿قُلْ يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُول اللَّهِ إِلَيْكُم جميعا سورة الأعراف الآية 158. فالشريعة الإسلامية تخاطب جميع الأجناس ولا تقيم اعتبارا للجنس أو العرق أو اللون.
  2. الشمولية المكانية : من أهم خصائص الشريعة الإسلامية شمولية المكان أي أنها عالمية فهي موجهة لكل بقاع الأرض، وليس فقط المكان الذي نزل فيه القرآن الكريم أي الجزيرة العربية. ويعني ذلك أن الإسلام دين عالمي ليس مختصا فقط بالشرق ولا مختصا ببلاد العرب، بل هو دعوة عالمية مرسلة للناس كافة في مختلف أرجاء الكون.
  3. الشمولية الزمانية : شمولية الشريعة الإسلامية زمانيا تعني أنها تشمل الماضي والحاضر والمستقبل، فالله عز وجل جعل الشريعة الإسلامية السمحاء أبدية شاملة لكل زمان للتطبيق في الحياة العملية، وما يجعلها شاملة شمولية زمنية هو وضعها للمبادئ الأساسية وللقواعد العامة التي يحتكم إليه لإقرار العدل والحق والمساواة مهما تغير الزمان.
  • ثالثا : خاصية الواقعية
خاصية واقعية الشريعة الإسلامية تفيد أن الشريعة رتبت لكل حالة من الأحكام ما يتناسب وطبيعة الإنسان ويتلاءم مع قدراته من حيث سنه وجنسه وعلمه وجهله وصحته ومرضه ومستواه الإجتماعي وإرادته وإكراهه..... ومن مظاهر واقعية الشريعة الإسلامية أنها جاءت بأحكام تتعلق بالعبادات والمعاملات تتناسب مع الإمكانيات والقدرات البشرية، فالله عز وجل :
  1. أمر بالصيام ولكن عند البلوغ، لان الصغير غير قادر على تحمل مشقه الامتناع عن الأكل والشرب.
  2. فرض الصيام على العاقل، لأن المجنون يتعذر عليه الصيام.
  3. فرض الصيام جاء في حدود قدرات البشر، بحيث أمر بصيام شهر واحد في السنة، ولعدد محدد من الساعات في اليوم.
  4. مقابل هذا الفرض أباح الإفطار لظروف صحية للمسافر والمريض يقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْعَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرٍ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينَ﴾ الآية 184.
  5. فرض الله عزوجل الصلوات خلال أوقات مناسبة لآدائها و بعدد ركعات ميسرة، فلو كان ولو كان عدد الركعات أكثر لشق على العباد أدئها.
  6. رخص بالتقصير في الصلاة إذا كان واقع الفرد لا يسمح له بصلاة عدد الركعات كاملة كأن يكون مسافرا.
  7. تتجلى أيضا واقعية الشريعة الإسلامية في التدرج في تشريع الأحكام، حيث أنها تدرجت في تحريم الخمر والزنا والربا اعتمدت هذا المبدأ قصد تمكين المكلف من التجاوب معها تدريجيا، وقد استغرق التدرج في تشريع الأحكام زمن نزول الوحي أي 23 سنة.
  • رابعا : خاصية المثالية
تسعى الشريعة الإسلامية إلى الوصول بالعبد إلى أفضل وأكمل ما يمكن الوصول إليه، في جوانب حياته جميعا، ومثاليتها تكمن في أنها تقدم للإنسان وللمجتمع ككل أليات الوقاية من الرذائل وتبين له وسائل الصلاح والإرتقاء، لكونها شريعة تتميز بالكمال المطلق لذلك فهي شريعة مثالية وتهدف إلى إصباغ مثاليتها على المكلفين .
وهناك مجموعة من الأدلة الشرعية التي تدل على مثالية الشريعة الإسلامية، قال تعالى في كتابه العزيز: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ سورة المائدة الآية 50.
  • خامسا : خاصية الثبات
من أجلى الخصائص التي تميزت بها الشريعة الإسلامية هي الموازنة بين الثبات والمرونة فهو يجمع بينهما في تناسق بديع الثبات فيما يجب أن يخلد والمرونة فيما يجب أن يتغير ويتطور وهذه الخاصية البارزة لرسالة الإسلام لا توجد في أي شريعة سماوية ولا وضعية.
تعني خاصية الثبات أن الشريعة الإسلامية هي شريعة خالدة لا تقبل التبديل ولا التغيير في نصوصها، يقول الله عزوجل لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ﴾ سورة يونس الآية 64.
  • سادسا: خاصية الوسطية
مفادها أن الشريعة الإسلامية تتميز باليسر والتيسير ولم تأت بالشدة والتعسير، ولا بالغلو والتقصير ، ولا بالإفراط والتفريط، بل هي شريعة تسعى إلى الإعتدال بين الواجبات الدينية والمتطلبات الدنيوية، يقول الله تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنُ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ سورة القصص الآية 77.
ولوسطية الشريعة الإسلامية مظاهر سواء على مستوى العقيدة أو العبادات أو المعاملات أو على مستوى الأخلاق والسلوك تظهر وسطية الشريعة الإسلامية في تنظيمها لتعدد الزوجات، وفي إقرارها لبعض قواعد السلوك كالإعتدال في المشي وعدم الإفراط في الطعام تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْمِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ النساء 3.
  • سابعا: النزعة الجماعية
الشريعة الإسلامية إن كانت تعترف بالحقوق الخاصة للأفراد وتحميها، إلا أنها بالمقابل تحمي مصلحة المجتمع، ومع أنها تحمي المصلحتين إلا أنها في حالة التعارض أو نتج عن استعمال المصلحة الخاصة ضرر بالجماعة يفوق المنفعة المقدرة للمصلحة الخاصة فإن المصلحة العامة تقدم وتغلب على مصلحة الفرد.
من أبرز مظاهر خاصية النزعة الجماعية للشريعة الإسلامية تشريع الشفعة فهي وإن كانت مخالفة لقاعدة فقهية وهي التراضي في إبرام العقود وأن من حق المالك أن يتصرف في ملکه كما شاء، غير أن إقرار الشفعة فيه تغليب المصلحة الجماعة أي الشركاء لمنع وقوع الضرر بينهم.
كذلك إقرارها لنظام الزكاة، وتشريع نزع الملكية من صاحبها للمنفعة العامة، وقد حدث حكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أن نزعت ملكية بعض بيوت الصحابة رضوان الله عليهم وهدمت وألحقت بالحرم المكي لتوسعته.
قد نص المشرع المغربي على قاعدة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة بموجب قانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة.
  • ثامنا: خاصية الجمع بين الجزاء الدنيوي والجزاء الأخروي
من خصائص القانون اقترانه بجزاء توقعه الدولة عند الاقتضاء على من يخالف أحكامه، وهذا الجزاء قد يكون جنائياً، يتمثل بأذى يصيب جسم الانسان أو يقيد حريته، أو يصيب ماله بنقص (الغرامة).
وقد يكون الجزاء مدنياً عن طريق جبر المدين على تنفيذ التزامه عيناً أو بمقابل أي بالتعويض المالي، أو يكون ببطلان الاتفاق المخالف للقانون وعدم ترتيب شيء من آثاره، الا ان الجزاء بنوعيه جزاء دنيوي ينال الانسان في حياته لا في آخرته لان الدولة لا تملك من أمر الآخرة شيئاً وبالتالي لا تضع من الجزاءات الا ما ينفذ في الدنيا.
وهذا الجزاء الدنيوي منه ما يكون جنائياً ومنه ما يكون مدنياً كما هو الحال في القوانين الوضعية وإن كان نطاقه أوسع من نطاق الجزاء في القانون الوضعي نظراً لشمول الشريعة الاسلامية لجميع شؤون الافراد ومنها الدينية والاخلاقية خلافاً للقانون الوضعي.

مصادر ومقاصد الشريعة الإسلامية

ما من تشريع من التشريعات سواء كان سماويا أم تشريعا وضعيا إلا وله أهداف ومقاصد يسعى إلى تحقيقها، من خلال ما يضعه من أحكام وما يسنه من قوانين.
وتهدف الشريعة الإسلامية من خلال أحكامها إلى تحقيق مجموعة من المقاصد التي تحقق السعادة للإنسان في الدنيا والآخرة.
وإلى جانب مقاصد الشريعة الإسلامية، هناك مصادر الشريعة الإسلامية وهي الأدلة الشرعية تستنبط منها الأحكام الشرعية التي تنظم حياة الإنسان في مختلف المجالات، فمن الأدلة الشرعية المتفق عليها بين معظم الفقهاء وهناك أدلة شرعية أخرى غير متفق عليها .
  • أولا : مقاصد الشريعة الإسلامية
قبل الحديث عن مقاصد الشريعة الإسلامية ينبغي معرفة معنى هذا المفهوم، فالمقاصد تعني الأهداف، وبذلك يكون معنى مقاصد الشريعة الإسلامية هو الأهداف التي تسعى لتحقيها الشريعة الإسلامية في حياة الناس وتنقسم إلى عدة تقسيمات لكنها لا تعدو أن تكون ثلاثة :
وهي المقاصد الضرورية والمقاصد الحاجية والمقاصد التحسينة.
👈 المقاصد الضرورية :
هي الضروريات التي لا غنى عنها لقيام مصالح الدين والدنيا، العلماء هذه المقاصد في خمسة أمور تعرف بالضروريات الخمس وهي حفظ الدين
وقد حصر
وحفظ النفس وحفظ المال وحفظ العقل.
24
  1. حفظ الدين : من أهمّ مقاصد الشريعة الإسلامية، فالدين طريق الإنسان لمعرفة الحق عزّوجلّ، والدين هو الذي يمنح الفرد الطمأنينة والسكون ، وهو الذي يمد الإنسان بالضمير والوجدان، ويساعده على نشر الخير والفضيلة، ولذلك كله وأكثر قد أولى الإسلام الدين عناية خاصة، ولذلك كان الدين ضرورة في حياة الناس، فالدين هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها وحفظ الدين يكون بإتيان أركانه والعمل به والحكم به والدعوة إليه. وحفظ الدين واجب على الفرد والجماعة بالدعوة إليه والجهاد في سبيل الله ورد كل ما يخالفه من أقوال وأعمال.
  2. حفظ النفس : أوجب الشرع حفظ النفس وصون حق الحياة وقد شرع الإسلام عدة وسائل للمحافظة على النفس ويتحقق ذلك ب حفظها من جانب الوجود ويتم هذا بتحقيق ما ضمن بقاءها واستمرارها ويكون ذلك من خلال امداد الإنسان نفسه بوسائل الإبقاء على حياته من تناول للطعام والشراب وتوفير الملبس والمسكن فيحرم على المسلم أن يمتنع عن هذه الضروريات إلى الحد الذي يهدد بقائه كالإضراب عن الطعام مثلا. ومن خلال الزواج والحث عليه، ذلك لأن المقصد الأول من الزواج إيجاد النسل ثم يتبعه كل ما يتعلق بالأنساب والمصاهرة واستمرار للنسل.
  3. حفظ العقل : لأن العقل هو نعمة كبرى استأثر بها الإنسان عن باقي المخلوقات فإن المحافظة عليه واجبة ومن الأحكام التي شرعها الله عز وجل للحفاظ على هذه النعمة ما يلي: - الحفاظ على العقل بتجنب كل ما يعطل العقل أو يفسده ويضر به كالخمر والمخدرا. - ربّى الإسلام العقل على الاستقلال في النظر والفهم، وجعل ذلك من مقاصد الشريعة الإسلامية. - دعا الإسلام إلى تنمية العقل ماديا ومعنويًّا، ماديًا عن طريق الغذاء الجيّد، ومعنويًّا عن طريق طلب العلم والمعرفة، يقول تعالى في سورة طه: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}.
  4. حفظ النسل : جعل الإسلام حفظ النسل من أهمّ مقاصد الشريعة الإسلامية، والمقصود بذلك هو حفظ النوع الإنساني وضمان استمراره ولذلك فقد شرع الإسلام الأسباب الآتية للحفاظ على النسل، ومنها: إقرار شريعة الزواج، وجعلها الطريق السليم الوحيد التي ترمي إلى ابتغاء الذرية الصالحة التي تساهم في إعمار الأرض وإقامة الخلافة فيها والعناية بتربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة صالحة و إقامة الأسرة على أسس سليمة، لأنها الملاذ الذي يتربّى في كنفه الجيل المُعوّل عليه في بناء الأمة.
  5. حفظ المال : اعتبر الإسلام المال ضرورة من ضرورات العيش وشجع على إكتسابه وتملكه بالطرق المشروعة كما كفل وحمايته وصيانته وتتميته وتداوله واعتبر السعي نحو كسب المال الحلال عبادة، وحث الإنسان على ذلك يقول سبحانه وتعالى في سورة الملك الآية 15: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ وللسعي نحو الكسب الحلال شرعت الشريعة الإسلامية معاملات مدنية معينة كالبيع والكراء والمقايضة والقرض والشركة بهدف تنميته وحرم اكتسابه بالطرق غير المشروعة كالربا والقمار والسرقة لأنها تخل بالتوازن الإجتماعي، كما منع إنفاقه في الوجوه غير المشروعة، وحرم حبسه واكتنازه واحتكاره وشجع على تداوله.
👈 المقاصد الحاجية
هي المقاصد التي تهدف إلى التوسعة على العباد ورفع الحرج عنهم، بحيث إذا لم تراعى تعرض المكلفين للحرج والمشقة مثل التيمم والفطر في رمضان بالنسبة للمريض وأكل الميتة بالنسبة للمضطر.
👈 المقاصد التحسينية
الأخلاق هذه المقاصد تحسن أحوال الناس وتسمى أيضا بالمقاصد الكمالية، وترجع في أصلها إلى مكارم وهي مكملة، كالطهارة وعدم الخطبة فوق الخطبة والزينة عند المسجد وأداب الأكل والشرب والسفر، وتقع المقاصد التحسينية في مرتبة مكملة للمرتبتين التي قبلها من الضروريات والحاجيات .
  • ثانيا : مصادر الشريعة الإسلامية
الأدلة الشرعية التي تستنبط منها الأحكام هناك أدلة متفق عليها وأخرى مختلف فيها، ويعتبر الوحي أي الكتاب والسنة هما الأصل لباقي المصادر الأخرى ويليها الإجماع والقياس. والمختلف فيها لم يتفق الفقهاء على الإستدلال بها كثيرا وهي الإستحسان والإستصحاب والمصالح المرسلة والعرف ومذهب الصحابة وشرع ما قبلنا وسد الدرائع.
👈 1 - القرآن الكريم فالقرآن الكريم هو دستور للمسلمين عامةً ، وفيه منهاج متكامل لحياتهم، وهو محفوظ بأمر الله عن التبديل أو التحريف، وقد حوى القرآن الكريم جميع ما يحتاجه المسلم في حياته وفيه بيان الحلال والحرام وما يجب على المسلم فعله وما يجب عليه تركه.
👈 2 - السنة النبوية : وهي الأصل الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، وهي كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم سواءً كان ذلك من خلال قوله عليه السلام أو فعله أو تقريره، والسنة النبوية لها دور مهم في مصادر الشريعة فهي التي تُبين القرآن وتكمله، وتوضح المقصود من آياته وجزئياته هي كل ما صدر عن الرسول من قول أو فعل أو تقرير ، وهذا يرشد إلى أن السنة ثلاثة أنواع:
  1. السنة القولية : وهي الأحاديث التي قالها الرسول في مختلف الأغراض والمناسبات، مثل قوله فيما رواه البخاري ومسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، وقوله فيما رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما « لا ضرر ولا ضرار».
  2. السنة الفعلية : هي الأفعال التي فعلها الرسول كأداء الصلوات الخمس، وأداء شعائر الحج، وقضائه بشاهد واحد ويمين المدعي.
  3. السنة التقريرية : هي ما أقره النبي صراحة، أو سكت عن إنكاره بعد أن حدث أمامه أو في عصره، وعلم به، أو ظهر منه ما يدلّ على استحسانه والرضا به.
  4. السنة الثابتة : هي المصدر الثاني للتشريع وواجبة الاتباع كالقرآن في استنباط الأحكام الشرعية؛ لأن الله تعالى فرض على المؤمنين إطاعة النبي واتباعه، وجعل طاعة الرسول طاعة له، وأمر المسلمين برد المتنازع فيه إلى الله ورسوله في صريح القرآن في آيات كثيرة، منها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ...} (النساء 59)
👈 3. الإجماع: يُقصد به اتفاق مجموعة من المُجتهدين الثقات في عصر من العصور على حكم خاص لمسألة من المسائل الفقهية وهو نوعان : صريح وسكوتي، الأول يتطلب الاتفاق الواضح بين المجتهدين على حكم في مسألة معينة، وهو حجة بالاتفاق. والثاني بأن يتكلم بعض المجتهدين في شيء ويسكت الآخرون من غير إنكار، وهو حجة عند الحنفية والحنابلة والإجماع هو المصدر الثالث من مصادر التشريع وأدلة حجية الإجماع كثيرة منها قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (النساء (59)، وأولو الأمر في السياسة هم الحكام، وفي العلم هم المجتهدون وأهل الفتيا الثقات؛ ولأن الحكم المتفق عليه بين المجتهدين بالنيابة عن الأمة؛ هو في الحقيقة حكم الأمة.
👈 4 القياس في اللغة إما التقدير وإما التسوية بين الشيئين. وفي اصطلاح الأصوليين : هو إلحاق أمر غير منصوص على حكمه بأمر منصوص شرعاً على حكمه؛ لاشتراكهما في علة الحكم، مثل قياس الوصية على الميراث في حرمان القاتل منهما ؛ لاستعجاله شيئاً قبل أوانه، فيعاقب بحرمانه. وهو حجة شرعية في الأحكام العملية، وهو المصدر الرابع في التشريع. ودليل حجيته من القرآن آية {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (النساء 59). ومعنى القياس فيه رةٌ إلى الله والرسول، ولأن النبي أقر الاجتهاد بالرأي، وهو القياس غالباً، وقاس الرسول في مسائل كثيرة، كقياس وجوب أداء دين الله كالحج على وجوب أداء ديون الناس المادية، وقاس الصحابة الخلافة على إمامة الصلاة لمبايعة أبي بكر بها؛ لتساوي الأصل والفرع في المعنى الجامع المشترك بينهما وهو المعبر عنه بالعلة.
👈 5 . الاستحسان في اللغة: عدّ الشيء حسناً، وفي اصطلاح الأصوليين : هو ترجيح قياس خفي على قياس جلي بدليل مثل قياس الوقف على الإجارة لإفادة كل منهما حق الانتفاع بالشيء، فتدخل فيه حقوق الارتفاق كالمرور والطريق ولو لم ينص الواقف عليها كالإجارة، وهو قیاس خفي في مقابله قياس جلي، وهو قياس الوقف على البيع فتحتاج إلى النص عليها. أو هو استثناء حكم جزئي من أصل كلي أو قاعدة عامة بناء على دليل خاص يقتضي ذلك، كالحكم بصحة عقود السَّلَم (بيع أجل بعاجل والاستصناع استصناع السفن والطائرات والمفروشات ونحوها والإجارة وعقود استثمار الأراضي الزراعية المزارعة ، والمساقاة ، والمغارسة) استثناء من حكم بطلان عقد المعدوم ، وهو حجة لاعتماده على نص أو إجماع أو ضرورة أو قياس أو عرف أو مصلحة، ولانسجامه مع مبدأ الشريعة في الأخذ باليسر وترك العسر.
👈 6. المصلحة المرسلة أو الاستصلاح هي في اللغة المنفعة وفي اصطلاح الأصوليين: هي الوصف الذي يلائم مقاصد الشريعة الحفاظ على الدين والنفس والعقل والنسب أو العرض والمال)، ولكن لم يرد في الشرع نص خاص على اعتباره أو إلغائه، ويحصل من ربط الحكم به جلب مصلحة أو دفع مضرة عن الناس كجمع الصحابة المصحف في صحف واحدة، واتخاذ الدواوين، والسجون وصلّ النقود، وهي حجة في رأي أكثر العلماء؛ لأن العمل بها فيه تحقيق مصلحة معتبرة ودفع الحرج عن الناس ومراعاة تطور الزمان؛ ولأن الشريعة رحمة للعالمين، ولأن الصحابة ومن بعدهم اجتهدوا في أحكام راعوا فيها المصلحة العامة.
👈 7 . العرف هو كل ما اعتاده الناس وساروا عليه من كل فعل شاع بينهم، أو قول تعارفوا إطلاقه على معنى خاص لا تألفه اللغة، ولا يتبادر غيره عند سماعه؛ وذلك بشرط ألا يصادم نصاً شرعياً أو إجماعاً، وهو العرف الصحيح وهو ما تعارفه الناس دون أن يحل حراماً، أو يحرم حلالاً، كقسمة المهر إلى معجل ومؤجل، وتقديم عربون في عقد الاستصناع وهو حجة في التشريع لملاءمته حاجات الناس ودفع الحرج والمشقة عنهم، وتحقيق مصالحهم، ما دام لا يخالف الشرع.
👈 8 . شرع من قبلنا هو الأحكام التي شرعها الله تعالى للأمم السابقة عن طريق أنبيائه كإبراهيم وموسى وداود وعيسى عليهم السلام، وهو يمثل صلة الشريعة الإسلامية بما سبقها من الشرائع المتقدمة. وهو مصدر في التشريع في رأي أغلب العلماء غير الشافعية، فما صح من شرع من قبلنا يكون شرعاً لنا؛ ما لم ينسخ من طريق الوحي لنبينا ، لا من جهة كتبهم المبدلة، ويجب على المكلفين اتباعه كاستدلال الحنفية على جواز قتل المسلم بغير المسلم قصاصاً، وقتل الرجل بالمرأة؛ بقوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْس} (المائدة (45) وكمشروعية قسمة المهايأة الزمانية مبادلة الانتفاع بالشيء مدة معينة بقوله تعالى في شريعة صالح : {وَنَبِّئُهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} ( سورة القمر (28).
👈 9. الاستصحاب طلب المصاحبة، وفي رأي الأصوليين : هو الحكم بثبوت أمر أو نفيه في الزمان الحاضر أو المستقبل بناء على ثبوته أو عدمه في الزمان الماضي؛ لعدم قيام الدليل




تعليقات